أثارت تصريحات «حامد القروي» الوزير الأول الأسبق العديد من الردود خاصة دعوته للدستوريين لعدم الشعور بالخجل من ماضيهم حين قال: «يا دساترة ارفعوا رؤوسكم... نحن نظاف» و«اكبسوا» و«هاتوا قائمة الفاسدين في «التجمع» ومن يريد إقصاء من عملوا مع بن علي وفي نظامه عليه أن يأتي بشعب آخر لأن هذا الإقصاء هو إقصاء لعشرات الألاف من التونسيين ..» وقال القروي أيضا: «أدعو إلى مساندة الحكومة والمعارضة إلى التخفيض من حدتها» كما ذكّر القروي «حمّادي الجبالي» رئيس الحكومة قائلا: «أعرف الجبالي بحكم صداقته لابني». فلماذا تكلّم «حامد القروي» الآن؟ وهل جاءت مثل هذه التصريحات بإيعاز من بعض الأطراف؟ وهل هي خطوة استباقية من ردود أفعال محتملة للنهضة على خلفية التصريحات النارية لابنه «نجيب القروي» الذي انتقد فيها أداء الحكومة؟ ثم لماذا عمد حامد القروي إلى التذكير بماضيه مع رئيس الحكومة حمادي الجبالي؟ تساؤلات كثيرة حاولت «التونسية» تسليط الضوء عليها من خلال أراء بعض الأحزاب التي تفاعلت مع هذه التصريحات. التجمعيون يتألمون أيضا يرى «الصحبي البصلي» رئيس حزب المستقبل، أنه سبق وتم الحديث عن حقيقة التجمعيين والدساترة وهذا الكلام عن التجمعيين «النظاف» يعرفه القاصي والداني، لكن لا أحد يهتم بأمرهم خاصة بعد المغالطات الكبيرة التي وقعت بعد الثورة وقال: «كان هناك الكثير من الكذب وبعض الأشخاص الذين يعتقدون أنهم من قاموا بالثورة عمدوا الى طمس الحقائق». وأضاف: «عندما تأتي هذه التصريحات من شخصية كحامد القروي يتم أخذها بعين الاعتبار فالجميع يريد أن يعرف من سرق ومن لم يسرق فأنا كنت في التجمع ولا أعرفهم» وقال: «حتى نحن «التجمعيون» لا نعرف من هؤلاء ومن حقنا ان نعرف الملفات التي يتحدثون عنها» وأضاف البصلي: «استغرب كيف «يلومون» من عمل مع النظام السابق فنحن أيضا نريد حقنا لأن النظام السابق استغل خبرتنا وكفاءتنا لأن بن علي كان يوظف ويعين الكفاءات فإن كان هناك من يتألم فهو «التجمعيون» لأنه لا أحد يتحدث عن جوهر القضية». وحول سرّ اختيار هذا التوقيت قال البصلي: «لقد تكلّم «القروي» بطلب وبعد إلحاح من عديد الأطراف خاصة وان «الدساترة» يفتقدون إلى رجل يلّم شملهم ورغم المحاولات الكثيرة للم الشمل فقد باءت بالفشل لأن الألم كبير، فهناك من هدد في السابق بالخروج إلى الشارع للرّد على الاتهامات ولكن ذلك كان سيدخلنا في عدة صراعات لا طائل منها وبالتالي كان الحل في الانتظار». وأكد البصلي أنّ: «نداء تونس» لم ترحب بجميع العائلات فقد تم وضع شروط لإقصاء من عمل مع نظام بن علي وهو ما لم تقبله عديد الأطراف التي كانت تعول على «نداء تونس» وبالتالي جاء خطاب «حامد القروي» ليزيل الضباب خاصة امام التذبذب الواضح في «نداء تونس» بين الجديد والقديم، كما أن هذه التصريحات جاءت في وقت عاد فيه الحديث عن إقصاء «التجمعيين» وبالتالي تم توجيه رسائل للحكومة كما ان كلام القروي كان واضحا ولم يتحدث عن «مصالحة» بل محاسبة. فماذا تريد الحكومة بالضبط إما التقدم والبناء أو تجريد الناس من بعض المسؤوليات؟». لا لتصفية الحسابات وقال حاتم الكلاعي نائب رئيس كتلة الحرية والديمقراطية ومساعد رئيس المجلس الوطني التأسيسي مكلف بمراقبة الميزانية أنه بغض النظر عن أسباب وخلفيات هذه التصريحات فإنه وفيما يتعلق بالمضمون هناك اشياء صحيحة إذ لا يمكن محاسبة الجميع إلا من ثبتت إدانته ولا يتم ذلك إلا بالطرق القانونية وليس لمجرد تصفية حسابات وهو تقريبا ما ذهب إليه حامد القروي. وأضاف الكلاعي: «فيما يتعلق بالحكومة والمعارضة والصراعات الحزبية هناك أطراف تصّعد وأخرى تبسط الأمور، وحصلت أخطاء، لذلك لا بد من تلافيها وبالتالي على الطرفين تعديل الاتجاه في إطار المصلحة الوطنية وليس بهدف إسقاط الحكومة خاصة وانه لا يوجد بديل لأن ذلك قد يؤدّي الى فراغ دستوري لكن هذا لا يعني ان نترك الحكومة تتصرف كما يحلو لها، لا بد دائما من المراقبة فمسؤولية البلاد ليست من صلاحيات النهضة لوحدها بل هي مسؤولية الجميع». وقال حاتم الكلاعي: «المطلوب هو الحوار والتوافق بين كل المكونات والأطراف وليس فقط مع الأصوات الأكثر ظهورا في الإعلام أو في الشارع وإقصاء البقية لأنها صامتة فالفئة الصامتة قد تكون هي الأكثر عددا». خفايا التوقيت وأكدّ علي الجلولي القيادي في حزب العمّال أن التوقيت يثير الكثير من التساؤلات فكما هو معلوم انسحب حامد القروي من الحياة العامة منذ فترة ثم يظهر فجأة وأكيد ان هذا الظهور وراءه العديد من الأشياء وقال: «لا نستغرب ان تأتي هذه التصريحات مباشرة بعد تصريحات ابنه فكما هو معلوم فإن نجيب القروي ومباشرة بعد الثورة كون علاقات مع النهضة فهو الطبيب الشخصي لرئيس الحكومة. ثم فجأة انتقد نجيب القروي الحكومة. وبالتالي هناك غموض وأشياء في الكواليس كما ان الملفت للانتباه ان حامد القروي تحدث عن الدساترة قائلا: «نحن نظاف» وفي الحقيقة كان يدافع عن نفس الأفكار التي سبق وذكرها ابنه». وقال الجلّولي: «لئن تحدث حامد القروي عن العلاقة السرية منذ الثمانينات فإن بعض الكواليس تشير إلى ان «الجبالي» يستشير حامد القروي في عديد المسائل والمتأمل في العلاقات السياسية لحركة النهضة ما بعد الثورة يلاحظ انها علاقات غير واضحة وأحيانا مصلحية وبالتالي ليس من الغريب ان تتعامل مع الرموز أمثال حامد القروي ولكن الذاكرة لا تنسى انه من رموز النظام السابق وارتبطت فترته بفساد كبير وقمع سافر وهي ذات الفترة التي كبرت فيها المافيا الاقتصادية». وأشار علي الجلولي ان منطلق القضية هو حرب بين طرفين وهما الدساترة و«النهضة». ف«النهضة» تريد القيام بتسويات وتشعر بضغط كبير وهي مستعدة بأن تواصل الحكم بالتجمعيين الذين أصبحوا جزءا منها وقال: «مصلحة الشعب ليست مع النهضة ولا التجمعيين والنقاش الوحيد هو المحاسبة وخاصة من تقلد مسؤوليات ولا يجب ان يكون مسار المحاسبة متعفنا إذ المطلوب هو المزيد من الجدية فحامد القروي جزء من الفترة السيئة في تاريخ تونس ولا يجب ان يظهر وكأن له شرعية». صكّ على بياض ويرى فتحي الجربي قيادي في حركة وفاء ان الفراغ الحالي هو الذي سمح لحامد القروي بالعودة إلى الأضواء وتساءل الجربي: ماذا يعني حامد القروي بالقول «ارفعوا رؤسكم يا دساترة»؟ فهذا الشخص لو كانت هناك محاسبة لكان هو وأمثاله ممن أجرموا في حق الشعب وراء القضبان لأنهم تركوا «دمارا رهيبا» وقال: «التجمع لا يمكن ان يكون حزبا لأنه مبني على الانتهازية و«البروبقندا» وكان على الجماعة ان يلتزموا بالقليل من الحياء ولكن للأسف وجدوا الفراغ فتكلموا وكأن النهضة منحتهم «صكا على بياض» فتوغلوا داخلها وداخل الترويكا بما في ذلك المؤتمر». وقال الجربي: «المطلوب هو المحاسبة ولأنه لم توجد محاسبة فقد برز من كان مختبئا». التفاف على الثورة وقال محمد بنور الناطق الرسمي في حزب التكتل ان السؤال المطروح لا يتعلق فقط بالتوقيت بل في ان حامد القروي يظل أحد رموز النظام السابق وقد شارك في نظام بن علي وكان لديه عدة امتيازات وكان من المبجلين في كل التظاهرات فحتى اللباس كان يلتزم بربطة عنق بنفسجية لأنه كان منسجما جدّا مع نظام بن علي. وفي ما يتعلق بتصريحاته فقد رأينا أن أغلب الكلام كان منمقا وتعليقا على كلماته «يادساترة ارفعوا رؤسكم نحن نضاف» هو يقصد ياتجمعيين ...» ثم كيف يقول «نظاف» وهو من تمتع بعدة امتيازات؟ هي محاولة للالتفاف على الثورة وإعادة التجمع إلى سدة الحكم بطريقة ما». وأضاف بنور: «الشعب التونسي لا تنطلي عليه مثل هذه الحيل ولو تمت دعوة حامد القروي في منبر حواري لسمع رأي الناس فيه وفي كل الرموز الذين عملوا مع النظام السابق وبالتالي كان على شخص في مثل منصبه عمل مع النظام السابق عدم الظهور والالتزام بقليل من الحياء فمن الوقاحة ان يقول انه كان يلتقي الجبالي خلسة في النظام السابق لأن كل شيء كان يتمّ بالتنسيق مع الرئيس السابق ولا توجد لقاءات سرية كما يدعي وبالتالي ما قاله مغالطة كبرى». وقال بنور: «ما كنت لأتكلم عن هذا الشخص لكن ظهوره جعلني أنتقده وأقول له أنت ذكرى سيئة مثلك مثل أغلب المسؤولين الذين تقلدوا مسؤوليات كبرى في عهد بن علي فالانسان الذي يغمض عينيه عن القمع والتعذيب وعن الانتهاكات الصارخة، مسؤول بدرجة أو بأخرى عن هاته الأعمال». وأكد بنور أن هناك اليوم العديد من الرموز تحاول رفع رأسها واستغلال الصعوبات التي تواجهها البلاد. والشعب التونسي ليس أبله ولم يفقد الذاكرة ولا الوعي لينسى الأسماء التي عملت مع النظام السابق وسيبني الشعب مؤساساته لبنة لبنة للتأسيس للنظام الذي طالما حلم به».