أثار التدمير والتخريب الذي طال مؤخرا المقام المخصص للمتصوفة التونسية «السيدة المنوبية» في تونس اهتمام منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) التي دعت السلطات التونسية إلى اتخاذ التدابير اللازمة لحماية مواقع التراث الثقافي التي تحمل ذاكرة وهوية الشعب التونسي من أي تخريب. وأكدت (المنظمة) ان استهداف الأماكن التي تحمل الذاكرة الشعبية وتاريخ تونس يعد جريمة ضد الشعب التونسي الذي تميز دائما، عبر تاريخه، بالتسامح واحترام تنوع المعتقدات والممارسات الروحية، مشيرة إلى الدور الحيوي الذي يمكن أن يضطلع به المجتمع المدني للحفاظ على التراث الرائع في تونس للأجيال القادمة. ولأن القيروان هي مدينة المعالم والإعلام وهي المصنفة ضمن التراث العالمي, وبالإضافة إلى أنها مرقد لعدد من صحابة رسول الإسلام محمد عليه الصلاة والسلام, كانت أولى المراكز العلمية في المغرب العربي تليها قرطبة في الأندلس ثم فاس في المغرب الأقصى, فهناك جامع عقبة بن نافع وبيت الحكمة ومقام سيدي عبيد الغرياني وبئر بروطة وفسقيات الاغالبة وجامع الأبواب الثلاثة والمتحف الوطني للفنون الإسلامية برقادة وسور المدينة وأبوابه الخمسة ثم الأسواق, إلى جانب مقام أبي زمعة البلوي المعروف ب «سيدي الصحبي» والذي يعد احد ابرز الآثار الإسلامية ليس في القيروان فقط بل حتى في شمال إفريقيا. ومكانته جعلته مقصد الزائرين بحثا عن معان روحية في رحاب صاحب الرسول الأكرم ومن أصحاب الشجرة وهو الذي توفي سنة 654 ميلاديا خلال الفتوحات الإسلامية لافريقية في غزوة معاوية بن حديج اثر معركة ضد الجيوش البيزنطية قرب منطقة «جلولة» ( 20 كلم غرب القيروان ) التابعة لمعتمدية الوسلاتية. مقر هذا الهرم الديني بات مهدّدا بمصير مقر «السيدة المنوبية» في منوبة بعد أن صدرت ضده «فتوى» تبيح إزالته نهائيا من الخريطة. وقد بدأت التهديدات تأخذ مأخذ الجد بعد ما حصل مؤخرا ل «السيدة المنوبية». «التونسية» حققت في الموضوع وبادرت أولا بالاتصال بالقائم بأعمال هذا المعلم الشيخ زهير الحداد وسألته عن فحوي ما يروج هذه الأيام من أخبار حول نوايا فسخ «هذا المعلم من الخريطة», فبادر بالقول: «فعلا التهديد بحرق مقام أبي زمعة البلوي موجود واسمح لي بان أؤكد لكم أولا بأنه في خطبة صلاة عيد الفطر الماضي التي أقيمت في مصلي المقام, عرج الإمام الخطيب وقتها في سياق خطبته على أن المقام تحصل فيه انتهاكات حرمات وان هذا القبر يجب إزالته وتسويته مع الأرض ولا تجوز الصلاة فيه». وواصل محدثنا يقول: «بعد أسبوع تقريبا وبعد تلك الضجة التي تخوف منها الناس في القيروان, تصدت له اللجنة الجهوية للأئمة بقوة ونبهته من مخاطر هذه الدعوة. مع الإشارة وانه بمناسبة المولد النبوي الشريف تصدينا لهم بكل قوة وأطردناهم من المقام بعد أن هجموا علينا وطلبوا منا إغلاق كل المقامات لأنه شرك بالله على حد تعبيرهم». الشيخ الحداد قال في مجمل حديثه بأنه كان بالإمكان أن يمر ذلك مرور الكرام لو لم يحصل ما حصل «للسيدة المنوبية» مؤخرا. وعن الاحتياطات الأمنية التي تعززت هذه الأيام خاصة في محيط المقام وفي كل الأوقات أيضا (ليلا ونهارا ) قال الشيخ زهير الحداد: «بعد التشويش الذي حصل في المدة الأخيرة اتصل بنا مسؤول كبير في الجيش ونبهنا الى ضرورة اخذ الاحتياطات الأمنية اللازمة بالتنسيق مع الجيش الوطني وكذلك الأمن, وقد عززنا الحراسة الليلية والمراقبة متواصلة بحول الله والأمن يحيط بالمقام ومتوفر بالكيفية المطلوبة خاصة أن السجن المدني يوجد خلفنا وفيه المراقبة الأمنية». كما أشار الشيخ الحداد إلى أنه يتولى حاليا مهمة إدارة المقام بعد أن ورثها من والده الذي توفي منذ 31 سنة، وهو إلى جانب ذلك، يؤم الناس في الصلوات الخمس داخل مسجد المعلم. وذكر الحداد أن مقام أبي زمعة البلوي الذي توجد به شعرات للرسول صلي الله عليه وسلم كان ملجأ الكثيرين في الحرب العالمية الثانية وكان كل شيء ينفجر حول المعلم، والقنابل تنزل، ولم يصب أحد داخله». كما شدد على قيمة المحافظة على النظافة داخل المعلم وعملية الصيانة المتواصلة له منذ عدة سنوات، وأكد على أن عملية الصيانة تتم من الأموال التي يقدمها الزوار. وقال أيضا بأنه من التقاليد الراسخة في القيروان صناعة السجاد وأن أول سجادة (زربية) تنتجها الفتاة القيروانية تكون لمعلم أبو زمعة البلوي. كما يشهد المعلم وإلى حد اليوم أكبر احتفال ديني بمناسبة المولد النبوي الشريف، كما لا يخلو من السياح والزوار على مدار العام, حيث شهد العديد من الانجازات على مستوي «أسلمة» الأجانب فيه,عندما أعلن المئات من الأجانب (من غير المسلمين) إسلامهم بمجرد زيارتهم له وهو من أهم المزارات الدينية بالبلاد التونسية ويرجع تاريخ بنائه إلى عهد حمودة باشا المرادي سنة 1663 ميلاديا وهو في الوقت نفسه مزار وجامع ومدرسة. ماذا قال الأمن؟ من جهة أخرى ذكر مصدر امني مسؤول بمنطقة الأمن الوطني بالقيروان انه لم تسجل الى حد الآن أية تهديدات علنية وأن المقام بطبعه محمّي بدوريات أمنية قارة سواء من فرقة النجدة أو من فرقة النظام العام من الأمن السياحي باعتباره معلما سياحيا مشهورا ويقصده الزوار بكثرة, والاحتياطات دائما موجودة.