شهدت العاصمة وبعض المناطق المجاورة لها ثاني أيام العيد «عاصفة خاطفة» (البعض تحدث عن عاصفة مصغرة) شدت انتباه المواطنين واثارت مخاوفهم وهواجسهم من امكانية تعرض بلادنا الى اعصار وما قد يخلفه من دمار ومآس مستحضرين ما خلّفه هذه الأيام إعصار «ساندي» الذي اجتاح الولاياتالمتحدةالأمريكية. وإن مازالت الظاهرة غير العادية التي شهدتها العاصمة وأحوازها ثاني أيام العيد حديث الناس فإن السؤال المطروح هو: ماذا حدث بالضبط؟ وهل يمكن ان تتطور بعض الظواهر المناخية لتفوق مجرد العواصف والفيضانات وتصل إلى حد «الأعاصير» ؟ ثم ماهي نوعية التغيرات المناخية التي جدت في تونس وأدت إلى اضطراب نزول الأمطار وبروز الرياح القوية من حين إلى آخر ؟ «التونسية» وضعت سلة هذه الأسئلة وغيرها أمام خبراء في المناخ وحصلت على إجابات. قال «زهير الحلاوي» باحث في الجغرافيا وخبير في علم المناخ إن ما حصل في تونس هو مجرد عاصفة عادية وإن العواصف قد تحدث في البحر أو البرّ، وإنها مرتبطة بالفترات الانتقالية خاصة أننا في فصل الخريف وبالتالي طبيعي أن تحدث أمطار ورياح ولكنها لم تكن استثنائية. واضاف الحلاوي: «ذاكرة البعض ضعيفة، فالعواصف التي حدثت في بلادنا في السابق كانت أقوى بكثير مما جد منذ أيام فمنذ 4 أو 5 سنوات جدت عاصفة قوية في «قليبية» وأيضا في مناطق أخرى وهي حالات نادرة جدا تكاد تعد على أصابع اليد وهي ممكنة الحدوث مرة أخرى لكن تكرارها نادر جدا». واستطرد محدثنا قائلا: « تحت تأثير مشاهد عاصفة «ساندي» قد يتوجس البعض خيفة لكن نطمئنهم أنه من شبه المستحيل أن تحدث إعصارات كتلك التي حدثت في الولاياتالمتحدةالأمريكية لأن المناخ المتوسطي بعيد كل البعد عن خاصيات المناخ في أمريكا أو الفلبين مثلا لأن لهما أنظمة مناخية خاصة بهما». واعتبر الحلاوي أن لبلدان حوض البحر الابيض المتوسط مثل تونس والجزائر والمغرب وجنوب إيطاليا نظاما مناخيا معروفا ولا يفرز عواصف قوية، وقال : «في بعض الأحيان نسجل استثناءات نتيجة ما يسمى بالعودة من الشرق وهو ما يتسبب في حصول فيضانات». وقال: «التقلبات الجوية التي تنتج عنها أمطار قوية هي عادة نتيجة تقلبات تأتي من الشمال الغربي وتأتي الكتل الهوائية المتسببة في الأمطار من أوروبا والقطب الشمالي في شكل موجات مترابطة حتى تصل إلى تونس والنوع الثاني يكون نتيجة ما يسمى ب «العودة من الشرق» وهي تلاقي كتلة حارة تأتي من الجنوب مع كتلة هواء بارد متواجدة بالحوض المتوسطي وهذه الموجات تكثر في فترة الخريف وقد تنتج عنها امطار قوية وأحيانا «فيضانات» . وحول تأخر نزول الأمطار إلى حدود هذا الشهر قال: «من خصائص المناخ المتوسطي أنه يتميز بعدم الانتظام وبالتالي من الممكن ان تنزل الأمطار في نهاية أوت وبداية شهر سبتمبر وتكون أحيانا بكميات كبيرة واحيانا تتأخر، وتكون ضعيفة وبالتالي الاضطراب موجود. فمثلا لو بحثنا في المعدلات السنوية لنزول الأمطار على مدى 30 سنة سنجد أن الكميات انخفضت ولكن على مدى 100 سنة الأخيرة سنجد أنها لم ترتفع ولم تنخفض، وبالعودة أيضا إلى المناطق سنجد أن نزولها قد يختلف في العاصمة أو في القيروان أوفي توزر، وبالتالي هناك اضطراب في ما يسمى «النظام المطري» و ليس هناك منحى واضح في نزولها وهذا طبيعي في المناخات المتوسطية». واضاف: «لا يمكن القيام بتوقعات طويلة المدى حول ماذا سيحدث بدقة في فصل الشتاء أو الربيع القادم ؟ لكن في المقابل وحسب آخر الدراسات فإن درجات الحرارة في تونس في ارتفاع مستمر وذلك إلى حدود 2030». واعتبر «الحلاوي» أن الإنسان عادة ما يتسبب في أغلب الكوارث لأنه يشيد مسكنه بطريقة عشوائية وفي مجاري الأودية. والطبيعة عندما نحترمها نتجنّب مخاطرها، وقال : «من خلال الدراسات التي تهم المناخ توجد دائما إجراءات على المدى البعيد والمتوسط والقصير ،ويجب حثّ البشر على الابتعاد عن المناطق المنخفضة ومجاري الأودية واحترام المجال الطبيعي ويجب ان نحاول دائما أن نتعامل مع الكوارث الطبيعية التي تطرأ مثلما حدث في السنة الفارطة بعد سقوط كميات هامة من الثلوج». وأضاف محدثنا : «ان حسن الاستعداد يجعلنا متيقظين فالرياح حتى وان استمرت لمدة طويلة يمكن ألّا تخلف أضرارا كبيرة لو جهزنا أنفسنا. فإعصار «ساندي» مثلا ونظرا للإمكانيات المرصودة كانت أضراره أقل مما كان سيكون وقال: «في بعض البلدان هناك إرساليات قصيرة تصل إلى المواطنين لتحذيرهم وإجلائهم.» من ناحيتها قالت «سمية راشد» رئيس مصلحة دراسة المناخ بالمعهد الوطني للرصد الجوي ل «التونسية» ان هناك عدة تغيرات في المناخ أدت إلى ارتفاع في مستوى البحار مثلا في جزيرة «قرقنة» وذلك يعود إلى عدة عوامل منها ذوبان الجليد والمناخ . واضافت : «قد تطرأ أيضا «ظواهر قصوى» كأن تستمر مثلا أيام «الشهيلي» 3 او 4 أيام وتفوق درجات الحرارة المعتاد أو أن تحدث ظواهر غريبة فمثلا في أمريكا «الإعصارات» لديها أسماء وهي معروفة لكن في البحر المتوسط الإعصارات غير معروفة ولم نسجل سابقا اشياء من هذا القبيل،واضافت : «تواترت في السنوات الأخيرة بعض الظواهر القصوى كالثلوج التي سجلت في السنة الفارطة وانخفاض درجات الحرارة». واشارت إلى أن المعهد قام بدراسة استشرافية للأشهر الثلاثة وهي أكتوبر ونوفمبر وديسمبر وحسب التوقعات الأولية لن يتم تسجيل معدلات غير عادية أو قياسية في الفترة القادمة ،فليس هناك «جفاف» ولن تكون هناك ايضا وخلال تلك الفترة «فيضانات» وبالتالي ستكون المعدلات عادية . أما المهندس عبد الرزاق الرحال مسؤول بالمعهد الوطني للرصد الجوي فقال ان سرعة الرياح التي سجلت ثاني أيام العيد كانت بين 80 و100 كلم في الساعة مثلا في تونس وقرطاج وكانت العوامل ملائمة لظهور سحب «ركامية رعدية» ونزول برد في شكل «هبّات» وبالأخص في تونس الكبرى وان ذلك عادي في شهر أكتوبر وبداية شهر الخريف لأن الفترة تعتبر انتقالية . وأضاف: «تكونت السحب الرعدية على مناطق الشمال وساهمت في نزول أمطار وظهور سحب ركامية رعدية وهي نتيجة وجود حركة تصاعدية قوية فالهواء الحار عندما يصعد إلى الطبقات الجوية يلتقي بدرجات حرارة منخفضة جدا وهو ما يساهم في نزول الأمطار وحدوث رياح قوية لكن هذه الرياح حصلت في أماكن محدودة جدا من العاصمة لأن اتساعها يكون من 5 إلى 10 كلم وبالتالي قد تظهر في منطقة سكرة ولا تظهر في مناطق أخرى».