النقابيون:«أيادينا مفتوحة ونتمنى أن تفهم الحكومة رسالتنا» نفّذ أمس اساتذة التعليم الثانوي والتقني والفني والتربية البدنية بجميع المدارس الإعدادية والإعدادية التقنية والنموذجية والمعاهد الثانوية والنموذجية بمختلف انحاء الجمهورية إضرابا عاما استجابة لطلب النقابة العامة للتعليم الثانوي المنضوية تحت لواء الاتحاد العام التونسي للشغل احتجاجا على ما أسموه «التفاف الوزارة على الاتفاقيات الممضاة مع الهياكل النقابية». وقد توجه عدد غفير من الاساتذة رفقة نقابيي قطاع التربية نحو مقر وزارة التربية بالقصبة في ساعات الصباح الاولى من صباح أمس, اين نفذوا وقفة احتجاجية لايصال رسالة مفادها أنه لن يهدأ لهم بال الا بعد تحقيق مطالبهم وإيلائها الاهتمام والرعاية اللازمين وللتذكير بمطالبهم المطروحة لحل مشاكل القطاع والتي تقرر من اجلها تنفيذ الاضراب العام في مختلف جهات الجمهورية حسب تعبيرهم. مسيرة وبعد الانتهاء من الوقفة الاحتجاجية امام الوزارة تحول الحاضرون الى ساحة «محمد علي» اين يقع مقر الاتحاد العام التونسي للشغل , سيرا على الاقدام, وحملوا شعارات تلخص مطالبهم «الترقية المهنية حق موش مزية» و«شادين في حقوق المربين» ودفاعا عن المدرسة العمومية وصونا لكرامة المربي»... وقد جابت المسيرة التي ضمت الرجال والنساء والصغار والكبار على حد السواء الشوارع والانهج ليستقر بهم الحال امام مقر الاتحاد فأطلقوا هتافات تمجد الاتحاد وتشيد بدوره في تحقيق مطالب منخرطيه من قبيل: «عاش الاتحاد اكبر قوة في البلاد» و«عاش الاتحاد نحن على دربك يا حشاد»... رافعين راية الاتحاد ومستمتعين بأخذ الصور التذكارية أمام مقره. «وزير بلا قرار يشد الدار» وعبر المحتجون عن امتعاضهم وسخطهم الشديدين من «سياسة اللامبالاة والمماطلة التي تنتهجها وزارة التربية عند التعامل مع الاطراف النقابية» واطلقوا العنان لتصريحات نارية ضدّ وزير التربية «عبد اللطيف عبيد» متهمين إياه بالفشل والتقاعس في اداء مهامه. كما شجب الحاضرون ما وصفوه بالخمول والجمود الذي أصاب مردود الوزير» مرددين: «وزير بلا قرار يروح يشد الدار» و«يا وزير يا جبان المربي لا يهان». وناشد المربون الوزير الإنصات والإصغاء لمشاكلهم نظرا لاهمية وقيمة المهنة التي يشغلونها واعادة الاعتبار لمربّيي الاجيال, بينما تساءل البعض عن سبب التفاف الوزارة على الاتفاقيات المبرمة فيما ارجع البعض الآخر سبب ذلك الى تقزيم وتحقير المربي الذي تحمل الكثير, وقد اتفق الجميع على ان المربي صاحب رسالة سامية ونبيلة وخاطبوا الوزير عن طريق الاعلام قائلين: «لسنا عسكر كرذونة سيدي الوزير». التصعيد ومواصلة النضال وألقى «الاسعد اليعقوبي» الكاتب العام للنقابة العامة للتعليم الثانوى كلمة بهذه المناسبة اكد فيها ان الاضراب لا يمثل سوى نقطة البداية وتعهد باستكمال ما اسماه المسار النضالي وهدد بالتصعيد في حال تمسكت وزارة التربية بتعنتها ورفضت دراسة مطالب المربين, قائلا: «أعدكم بأننا لن نتراجع عن مطالبنا» وهي كلمات تفاعل معها الحاضرون بالتصفيق الحار. وأبرز اليعقوبي ان الإضراب لقي مساندة من عدد كبير من النقابات الأخرى. وشهد التحرك الاحتجاجي مشاركة بعض التلاميذ الذين عبروا عن مساندتهم لاساتذتهم ورفعوا شعار: «تلامذة, طلبة, عمال صف واحد في النضال». إضراب ناجح وأكد اليعقوبي و«سامي الطاهري» الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل ان الاضراب حقق نجاحا باهرا في مختلف الجهات وقدما بعض النسب مشيرين الى أنه في ولاية قفصة بلغت نسبة نجاح الإضراب 95 % وفي ولاية سليانة 90 % وفي ولاية سوسة 98 % وفي ولاية بن عروس 90 % اما في ولاية مدنين فكانت 84 % وهو خبر استبشر له الحاضرون. رسالة مضمونة الوصول الى الحكومة وبيّن الطاهري ان الاضراب حقق معدلات نجاح قياسية قائلا: «يبدو ان الرسالة وصلت إلى الحكومة ونتمنى ان تفهمها جيدا», مضيفا ان الاتحاد والنقابات تمد ايديها الى الحكومة من اجل إيجاد الحلول المناسبة ولتحقيق ما فيه خير الطرفين. وكشف الطاهري ان الحكومة والوزارة المعنية لم تحركا ساكنا بعد تنفيذ الاضراب مشيرا الى ان قطاع التربية متماسك وملتف حول نقابته, قائلا: «القطاع متماسك و نتمنى ان لا تدفعنا الحكومة الى اتخاذ إجراءات أخرى». وزارة التربية تحترم الحق النقابي من جهتها أكدت وزارة التربية في بلاغ لها عن «احترامها للحق النقابي ولحق المربين في الدفاع عن مطالبهم بالوسائل القانونية» مؤكدة تمسكها بالحوار كأسلوب لحل كل الإشكاليات. كما أفادت الوزارة أن الجلسات التفاوضية التي كان آخرها يوم الثلاثاء 20 نوفمبر 2012 وبحضور وزير الشؤون الاجتماعية بالإضافة الى مستشار رئيس الحكومة وممثلين عن وزارة الشباب والرياضة كان هدفها التفاعل الايجابي مع مختلف المطالب لإلغاء الإضراب أو تعليقه لمواصلة التفاوض غير أن الوزارة أوضحت أن الطرف النقابي يتمسك بموقفه المتمثل في الاستجابة الكلية لجميع المطالب بما فيها تلك الجديدة والتي لم يتم اطلاقا التفاوض بشأنها. كما بينت الوزارة أنها تسعى دائما الى تحسين ظروف المربين المادية والمهنية بالاضافة الى المحافظة على سلامة المناخ الاجتماعي كشرط أساسي لإنجاح المسيرة التربوية. التلاميذ منقسمون... والأساتذة متّحدون بعد فشل الجلسة التفاوضية التي انعقدت يوم الاثنين الماضي بمقر وزارة التربية ،نفذ أمس أساتذة التعليم الثانوي إضرابا عن العمل شمل كل معاهد الجمهورية ومدارسها الإعدادية والتقنية..كان يوما غير عادي لم نألفه إلاّ خلال أيام العطل والأعياد، توقف نبض أقسام وقاعات كانت تتقد بنشاط الشباب وحيويته وحركيته. بالأمس أيضا،أعرب كل من الأستاذ والولي والتلميذ على حد السواء،عن قلقهم من مستقبل العملية التربوية في ظل ظروف عمل اتفق أغلبهم على وصفها بالصعبة. «التونسية» زارت بعض المدارس الإعدادية والمعاهد الثانوية وتحدثت إلى بعض الأطراف المكونة للعملية التربوية، فكان الريبورتاج التالي: أبواب موصدة...ساحات هجرها روادها من طلاب العلم والمعرفة...قاعات درس فارغة خاوية ما عدا بعضها القليل والنادر...أعوان وإداريون يقفون على أطلال مؤسسة لم يأنسوا فيها لا الوحدة ولا الصمت...إنها لمحة عن الأجواء التي ميزت بالأمس اغلب المؤسسات التعليمية بالعاصمة بعد الإضراب الذي نفذه أساتذة التعليم الثانوي لسبب أرجعه أغلبهم إلى عدم استجابة الحكومة لمطالبهم التي تضمنتها لائحتهم المهنية الصادرة عن الهيئة الإدارية القطاعية. الطامة الكبرى! بعد انقضاء أكثر من نصف يوم الإضراب،أبت تلميذة البكالوريا «ندى حمدي» أن تفارق المعهد الثانوي الذي تزاول فيه تعليمها، اقتربنا منها وسألناها عن السبب فقالت مرتبكة: «إنني حقا لا ادري ما عساي افعل في وضع مماثل ! فثقل المسؤولية التي احملها على عاتقي حال دون عودتي إلى المنزل فرحة مثل بقية التلاميذ»،مضيفة بصوت خافت يوحي بالقلق والخوف: «أدرك جيدا أن المطالب التي ينادي بها أساتذتنا هي مطالب ملحة ومشروعة ولكن بالنظر الى طول البرنامج الدراسي وامتداد ساعات الدراسة على كامل ايام الاسبوع،تجدني غير مقتنعة بهذا الاضراب الذي قد يثقل كاهلنا بساعات اضافية لتعويض ما فات،هذا على أمل ألا تمتد ايام الاضراب اكثر من يوم والا حلت بنا ساعتها الطامة الكبرى». من جانبها، أعربت التلميذة «منال النهوشي» عن حيرتها من مدى نجاعة هذا الإضراب وانعكاساته على السير الطبيعي لبرنامج السنة الدراسية،مردفة: «أعتقد أن التهديد بالاضراب قد يجدي نفعا أكثر من تنفيذه،اذ ليس بوسع أحد أن يتصور انعكاسات هذا الاضراب على السير العادي للبرنامج المسطر للسنة الدراسية خاصة أن هذا الاضراب قد يتكرر في مناسبات قادمة وهذا ما لا نأمل حدوثه ثانية !». «لمَ كل هذا التعنت الحكومي؟» من جهة أخرى، أعرب «التلميذ اسكندر العريف»(يزاول تعليمه بالمعهد الثانوي محمود المسعدي بحي التضامن) عن مساندته لأساتذته في تنفيذهم لهذا الإضراب،قائلا: «إنني في طريقي إلى ساحة محمد علي لأساند أساتذتي في إضرابهم هذا يقينا مني بأن الاساتذة يعيشون حالة من الضغط يستحيل معها تبليغ الرسالة التربوية والتعليمية النبيلة»،مضيفا: «لماذا لا تستجيب الحكومة لمطالب اكثر الناس صبرا عليها؟لماذا لا تبذل جهدا لتحسين وضعية مربّيي اجيال المستقبل ومحددي مصيره منذ نشأته؟ لمَ كل هذا التعنت الحكومي...لماذا؟..لماذا؟...». وفي السياق ذاته،شدد التلميذ «مروان بالضيافي» على انحياز الصف التلمذي إلى جانب الاطار التربوي المضرب،مطالبا الحكومة بالاستجابة لكل المطالب التي تقدم بها الاساتذة،مردفا: «يبدولي انها ليست بتلك المطالب التي تعجز هذه الحكومة عن تلبيتها حتى نصل إلى ما وصلنا إليه اليوم، فَلمَ كل هذا التعنت الحكومي؟». «كل لا يتجزأ» ولندرة وجود الأساتذة بالمعاهد الثانوية يوم الإضراب انتقلت «التونسية» إلى بطحاء محمد علي مكان الوقفة الاحتجاجية التي نفذها الاساتذة حيث التقينا بأستاذ إعدادية «الجاحظ» بالكرم «لطفي بوخريص» الذي أعرب عن فرحته وغبطته من نجاح الاضراب، مؤكدا ان هذا الاضراب لن تكون له انعكاسات سلبية لا على التلميذ ولا الولي ولا الاستاذ ذاته،مضيفا: «أؤكد لك جازما ان هذا الاضراب لن يؤثر البتة في برنامج التدريس حتى وان طالت ايامه،اذ ليس هناك من تهمه مصلحة التلميذ اكثر من الاستاذ ولا وجود لمن يسعى لانجاح السنة الدراسية أكثر منه...لم تتملكنا الرغبة في تنفيذ هذا الاضراب ولكن امام التعنت الحكومي لم يكن لنا من بديل عن هذا الخيار». كما أشاد استاذ الرياضيات بمعهد سيدي عمر «فيصل ملاك»، ب«تفهم أولياء التلاميذ للوضعية الصعبة التي يعيشها الاساتذة وبمساندتهم إيانا في تنفيذنا لهذا الاضراب، وأقول لمن يريد أن يعمق الخلاف بين الأستاذ والتلميذ أو بين الأستاذ والولي أنك ستفشل حتما في ذلك اذ انهم يمثلون كلا لا يتجزأ من العملية التربوية والتعليمية ولذلك ليس بالمستطاع فصل اي طرف منهم عن الآخر لأنّ مطالبنا تعود بالنفع على الجميع».