في عرض افتتاح البرنامج العربي ، قدم مهرجان دبي السينمائي في سهرة يوم الإثنين فيلم «بيكاس» للمخرج العراقي كرزان قادر الذي ولد بالسليمانية في كردستان العراق وغادرها في السادسة من عمره سنة 1988 أي في نهاية الحرب العراقية الإيرانية وفي السنة ذاتها التي وقعت فيها مجزرة حلبجة في شهر مارس والتي مازالت دماء ضحاياها مفرقة بين النظام العراقي السابق وحكام إيران. فإن كان أكراد العراق وخاصة بعد إضعاف صدام حسين، يتهمون سلطة بغداد بالجريمة فإن روايات متعددة تحمّل المسؤولية للجيش الإيراني . حط كرزان قادر الرحال في السويد التي تستقطب جالية عراقية كبيرة وفيها درس في معهد الدراما وتخرج سنة 2010 ونال جائزة اكاديمية الطلاب عن فيلم تخرجه وامضى الفترة من 2010 إلى 2012 يعمل على إنهاء فيلمه الروائي الطويل الأول «بيكاس» وهو نسخة منقحة معدّلة من فيلم التخرج و«بيكاس» وهي كلمة كردية تعني أن المرء ليس له أحد فلا أب ولا أم ولا قريب أي «مقطوع من شجرة»، والفيلم من إنتاج سويدي عراقي فنلندي وبطولة الطفلين زمند طه وسروار فاضل وهما طفلان كرديان حضرا العرض بقاعة أرينا في مدينة الجميراء بدبي قادمان من كردستان العراق . وتدور أحداث الفيلم في قرية كردية حدودية حول قصة شقيقين «دانا» ذي العشر سنوات و«زانا» ذي الست سنوات، يتيمي الأب والأم وإن كنا لا نعلم ظروف موت الأم فإن المخرج يخبرنا بأن الأب «خاسرو» قتل في الحرب دون ان تحدد هذه الحرب على وجه التحديد ذلك ان النظام العراقي سرّح الأكراد من الجيش النظامي مطلع الثمانينات . المهم بقي الشقيقان مشردين، لا اب ولا ام ولا سكن باستثناء الساعاتي الرجل العجوز الذي فقد بصره وقد جعل من الطفل الصغير زانا إبنا له يحنو عليه فإذا بالموت يختطفه هو ايضا ليبقى الطفلان دون سند . يبحث الطفلان عن خلاصهما ويجدان في « سوبرمان» سبيلا إليه بعد ان استرقا مشاهدة شيء من فيلم سوبرمان الذي عرض في القرية الصغيرة النائية في العراق المحاصر المنهك في تسعينات القرن الماضي. يحلم الطفل الصغير زانا بالسفر إلى امريكا في ظرف يوم أو يومين على ظهر حماره طويل الأذنين الذي اطلق عليه إسم مايكل جاكسون ليلاقي سوبرمان الذي سيعيد بلمسة واحدة الحياة إلى ابويه وسيخلص العراق من صدام حسين . ينتهي الفيلم والطفلان متعانقان بعد أن اكتشف أن البقاء في العراق هو الحل وأنهما متلازمان قوة يصعب خرقها وبأنه لا أحد يمكن أن يحل محل الشقيق المحب لشقيقه. أو ليس الأكراد والعرب في العراق بمثابة الشقيقين؟ ولكن عناق الأخوين جاء بعد مشاهد الطفل زانا وهو يستصرخ سكان القرية من العرب طالبا منهم نجدة شقيقه دانا الذي وطأت ساقه لغما مضادا للأشخاص فلم يعبأ بصرخاته أحد كانت الكاميرا تتحرك سريعا ترصد أحذية المارين وما يحملون من أكياس ويدفعون بأياديهم «زانا» أرضا . يحق لكرزان قادر أن يقدم قراءته لحكم صدام حسين كما أراد خاصة إذا كان الفيلم كما أورد في الندوة الصحافية التي انعقدت قبل عرض الفيلم قصته وسيرته الذاتية ، قصة ذلك الطفل الخائف الذي غادر العراق ليعود إلى كردستان مواطنا حرا، ولكن هل يحق له أن يصور العلاقة بين العرب والأكراد بهذه الشاكلة؟ كم واحدا منا يعرف من أي طائفة ينحدر بدر شاكر السياب ومهدي الجواهري ونازك الملائكة ومظفر النواب وبلند الحيدري وناظم الغزالي وحتى كاظم الساهر حتى لا يغضب منا جماعة « The Voice»؟ كم واحدا من التونسيين يعرف من أي طائفة الأديب العراقي المقيم بيننا منذ سنوات طويلة عبد الرحمان مجيد الربيعي؟ هل كان العراق على هذه الشاكلة؟ عرب بلا أخلاق وبلا ضمير وبلا مشاعر أجلاف غلاظ القلوب لا يرحمون صغيرا ولا يأبهون به؟ وأين الأكراد بنو جلدة الطفلين؟ لماذا ترك الصغيران ينامان صيفا وشتاء فوق الأسطح لا اكل و لا ملبس ولا دراسة؟ في الندوة الصحافية التي ادراها السينمائي والصحفي الناقد العراقي عرفان رشيد احد صناع مهرجان دبي، سألت «التونسية» المخرج العراقي الذي لا يجيد الحديث بالعربية عن سبب بقاء المخرجين العراقيين أسرى صدام حسين حتى كدنا نعتقد انه لولا صدام لما صنع فيلم واحد، هنا رد عرفان رشيد بأنه كان يفضل أن لا يصنع فيلم واحد إن كان ذلك يضمن عدم وجود صدام ، وشدد على حق المخرج في أن يقص حكايته بعد زوال الأسباب التي كانت تحول دون ذلك . وتوجهنا بسؤال ثان عن سر اعتماد الأطفال شخصيات محورية في عدد من الأفلام العراقية الحديثة مثل « إبن بابل» لمحمد الدراجي؟ وهل ذلك خيار فني أو هو موقف يسبق صناعة الفيلم تجنبا لتلوث الشخصيات من كبار السن بأدران السياسة العراقية، بطبيعة الحال كان رد المخرج بأن قراره فني وبطبيعة الحال لم تكن الإجابة تلك التي نرتضيها . يظل فيلم كرزان قادر الذي عرض للمرة الأولى في مهرجان إستكهولم تجربة متميزة وإن لمّح البعض إلى تقاطعه مع فيلم «داني بويل» SLUMDOG MILLIONAIRE فهو بمثابة الأوديسة الضاحكة التي تضم في أحشائها دراما إجتماعية تكشف جانبا من العلاقات الإنسانية لا في العراق فقط بل في كل مكان لأنّ صدام حسين لم يكن نموذجا متفردا فعشرات من الصداميين في حياتنا وصدق القول الشعبي « ربي يقيّد في العفارت».