من موفدنا الخاص – نبيل بنور في إطار المسابقة الرسمية للدورة 66 لمهرجان «كان» ، تم تقديم فيلم«كما يكون الأب، يكون الإبن» للمخرج الياباني «كوري إيدا هيروكازو» الذي يبلغ من العمر 51 سنة (في رصيده 14 فيلما روائيا طويلا) أي انه في سن الفرنسي –تونسي المولد- عبد اللطيف كشيش (في رصيده خمسة أفلام روائية طويلة) وفي سن مختار العجيمي في رصيده فيلم روائي يتيم هو «باب العرش»-من إنتاج عبد العزيز بن ملوكة- ويستعد لإنجاز فيلمه الروائي الثاني نهاية هذه السنة من إنتاج عبد العزيز بن ملوكة الذي لم يتب من حسن الحظ عن التورط في الأفلام التونسية رغم تعرضه لتجربة قاسية وغير مسبوقة في فيلم«السراب الأخير» لنضال شطا. فالإجراءات الإدارية العمياء التي لا تفرق بين الصالح والطالح والتي لا تعترف بالظروف الإستثنائية التي مرت بها بلادنا خلال «الثورة»، أدت إلى مطالبة بن ملوكة بإعادة المنحة المسندة لفيلم نضال شطا ، ثم مرت الإدارة البيروقراطية إلى السرعة الثانية فأذنت بعقلة على الحساب البنكي لمنتج لم يتردد يوما في دعم أي فيلم تونسي، بطبيعة الحال الإدارة العمياء لا يهمها كم أنتج الرجل من فيلم وأي نوعية من الأفلام وكم من الجوائز والتقدير والتكريم كان لبن ملوكة الفضل فيها؟ غفلت الإدارة الحريصة على تطبيق المناشير والفصول عن أن عبد العزيز بن ملوكة قد يكون آخر المنتجين الحقيقيين للسينما التونسية بعد رحيل أحمد بهاء الدين عطية، وفي رصيده أنجح الأفلام في العشريتين الأخيرتين، فهو منتج «ما نموتش» و«آخر فيلم» و«عرايس الطين» للنوري بوزيد و«خشخاش» لسلمى بكار –النائبة في المجلس الوطني التأسيسي عن الكتلة الديمقراطية- و«باب العرش» لمختار العجيمي و«هي وهو» لإلياس بكار و«النخيل الجريح» لعبد اللطيف بن عمار و«دار الناس» و«الوليمة» لمحمد دمق و«نادية وسارة» لمفيدة التلاتلي.... ويحسب للمنتج عبد العزيز بن ملوكة أنه من قدم للسينما التونسية أسماء أثبتت جدارتها في ما بعد إذ أنتج الأفلام القصيرة الأولى لكل من مديح بلعيد ومراد بالشيخ وسنيا الشامخي وشوقي الماجري – قبل أن يصبح مخرجا تلفزيونيا يشار له بالبنان وتتهافت عليه المعجبات من كل حدب وصوب - والطيب جلولي ومعز كمون ومحمد عجبوني ... وفي إطار الخدمات المسداة للأفلام العالمية يعد «حرب النجوم»1و2 لجورج لوكاس أهم إنتاجات عبد العزيز بن ملوكة ... وعلى الرغم من قسوة التجربة ومرارتها فقد مضى سي عبد العزيز في طريقه لينهي تصوير«السراب الأخير» ليعرض في سهرة خاصة في الدورة الماضية من أيام قرطاج السينمائية في إنتظار عرضه التجاري في الموسم الثقافي القادم، والحمد لله أنّه مازال في الإدارة بعض الرجال ممن لم تصبهم الماكينة بالعمى فتمت تسوية سوء التفاهم بالحسنى وطوي الملف لأن بن ملوكة يعد من أكثر المنتجين إلتزاما بتعهداتهم ووفاء بها . ويستعد سي عبد العزيز لإنتاج الفيلم الطويل الثاني لمختار العجيمي ، لا يكل الرجل الإبن الشرعي للساتباك رغم تجاوزه الستين من العمر في الحلم بسينما تونسية قادرة على المنافسة دوليا ، ويأمل أن يحقق مختار العجيمي بفيلمه ما لم يتحقق طيلة السنوات الماضية الوصول إلى المسابقة الرسمية لأحد المهرجانات العالمية الكبرى(كان، برلين، البندقية) فضلا عن المهرجانات العربية التي باتت تتنافس لإقتناص أفضل ما ينتج إقليميا وخاصة مهرجان دبي وشقيقه في «أبو ظبي»، ويبدو أن سي عبد العزيز بصدد توريط إبنه سامي مهندس الصوت المتخرج من أفضل الجامعات البلجيكية والعائد حديثا إلى تونس، في هذا الحلم المجنون... يدور فيلم «كما يكون الأب يكون الإبن» حول عائلة بورجوازية لها إبن وحيد «كايتا» تكتشف العائلة بعد سنوات أن الطفل الذي تولت تربيته ليس إبنها الطبيعي وأن خطأ مقصودا وقعت فيه الممرضة جعل إبنها الحقيقي من نصيب عائلة متواضعة ماديا فكيف ستتصرف العائلتان؟ وهل سيستجيب الطفلان لهذه «المهمة»العسيرة بالإنتقال من بيئة إجتماعية إلى بيئة مغايرة ؟ يطرح السينمائي الياباني سؤالا قليل منا يدور بذهنه أن يطرحه، ما الذي يجعل الرجل أبا؟ . هل تقاسم الدم يجعل من الرجل أباً أو أنه الوقت الذي يقضيه الأب مع ولده الذي يجعله كذلك؟ منذ فيلمه الأول «مابوروزي» عام 1995، تشكل العلاقات العائلية خلفية لعمل كور-إيدا عام 2004، يركز أعماله على الروابط الأخوية في «لا أحد يدري» (Nobody Knows) الذي يروي قصة حقيقية لأربعة أولاد تتخلى والدتهم عنهم وتتركهم في شقة سوغامو طيلة أربعة أشهر، ويقوم عام 2012 بإخراج فيلم «أرغب» (I Wish) الذي يتحدث عن أمنياتنا السرية بطريقة معاكسة لفيلمه السابق حيث ينطلق شقيقان انفصلا عن بعضهما البعض بعد انفصال والديهما في سفر سري ليلتقيان ببعضهما البعض من جديد. لا أخفي عليكم وأنا أشاهد فيلم«كما يكون الأب، يكون الإبن» لم يغب عن خلدي ذلك التحقيق الإخباري الذي أنجزته قناة فرنسية عن الحياة الجنسية في اليابان، أوجز لكم أهم ما ورد فيه: ثلث الرجال اليابانيين لا يقيمون أي علاقة جنسية مع النساء ، والثلث الثاني يقيم علاقة بشكل عابر (مرة في الأسبوع أو مرة في الشهر)؟ لتنتشر في اليابان «مقاهي القطط» حيث يداعب صنف من الرجال القطط بدل مداعبة النساء، بطبيعة الحال كلام كهذا سيسعد رجالنا البواسل الذين يخوضون حروبهم الحقيقية على الفراش ، وخارجه فهم خاضعون لرئيس مباشر في العمل أتت به رياح الصدفة أو هم تحت ضغط قروض البنك أو هم يلهثون وراء الخبزة دون أن يلحقوا بها تحت قصف لا ينتهي من وسائل الإعلام : مجلس تأسيسي، أنصار الشريعة، البحري الجلاصي، الهاشمي الحامدي... ألخ غير بعيد عن مناخات العائلة وأسرارها العميقة، يعود اصغر فرهادي إلى المسابقة الرسمية لمهرجان «كان» بفيلم «الماضي» وهو فيلم حظي بحفاوة عدد من النقاد اسندوا له السعفة الذهبية في التقييمات التي تقوم بها المجلات المختصة بشكل يومي وتوزع مجانا في المهرجان(كم اتأسف على موت مجلة شاشات تونسية التي ناضل من اجل عودتها السينمائي لطفي العيوني قبل ان تخونه اليد القصيرة فيما ظلت العين بصيرة، ولأنه لا عنوان لنا غير وزارة الثقافة التي اعادت الروح إلى موت مجلة فنون لتسند رئاسة تحريرها لجامعي وناقد في الفن التشكيلي ورسام ايضا هو خليل قويعة، فإننا نسأل هل كان دعم شاشات تونسية ليخرب ميزانية الوزارة؟ الم يكن بوسع الوزارة بإقتنائها لكمية معقولة من المجلة توزعها على المكتبات العمومية والمتجولة إنقاذ المجلة من الضياع وكأن هذه البلاد صحراء قاحلة لا تعيش فيها المجلات الثقافية، بالمناسبة السؤال نفسه يمكن ان يطرح على التلفزات العامة والخاصة ووزاراتنا العتيدة مثل التربية والتعليم العالي...) وبعد «إنفصال» الذي حاز على الدب الذهبي لمهرجان برلين وجائزة السيزار الفرنسية لأفضل فيلم أجنبي والأوسكار الأمريكية لأفضل فيلم أجنبي، يخوض الإيراني الذي لا يتقن الفرنسية أصغر فرهادي منافسة شرسة من أجل السعفة الذهبية لمهرجان «كان»بفيلم «الماضي» الغارق هو ايضا في موضوع العلاقات الأسرية وتعقيدات العلاقة بين الزوجين أو الشريكين ، وقد اختار المخرج الايراني كلا من الجزائري الفرنسي طاهر رحيم وبيرينيس بيجو وعلي مصطفى لاداء الادوار الرئيسية في فيلمه. فبعد اربع سنوات من الغياب يعود احمد (علي مصفى) من طهران الى باريس لإنهاء اجراءات الطلاق بناء على رغبة زوجته ماري (بيرنيس بيجو التي عرفها الجمهور اكثر ما عرفها في فيلم The Artist) ولكن أحمد يفاجأ بأن زوجته السابقة على علاقة برجل غيره هو صاحب المصبغة سمير الذي ترقد زوجته في المستشفى بعد محاولة انتحار فاشلة بسبب إكتشافها لعلاقته مع «ماري» . وعلى غرار ما فعل في فيلم «انفصال» يسلط فرهادي كاميراه على الأعماق المظلمة في النفس البشرية ويجوب بحواراته انحاء العواطف ليبقي كل شيء رهن السؤال مركزا كل اهتمامه على الحوارات التي تجمع بين الشخصيات في فضاءات محدودة ومغلقة (المصبغة، بيت الأسرة المطل على القطار في حركته التي لا تنقطع ذهابا وإيابا ، مطعم الصديق الإيراني، السيارة) وإختار فرهادي أن تدور أحداث فيلمه تحت مطر فرنسية لا تكاد تنقطع ، وكأن الشخصيات تتطهر من ماضيها لتكون قادرة على الحسم والنظر إلى القادم. وفيلم» الماضي» هو اول فيلم يصوره اصغر فرهادي خارج بلده إيران ومع ذلك فإن عين المخرج لم تقع في غواية باريس التي لم نر منها شيئا حتى يخيل للمشاهد ان الفيلم يمكن ان تجري احداثه في أي مكان من الدنيا. فماري تشتغل صيدلية وسمير يعمل في مصبغة ... أي ان شخصيات الفيلم يمكن ان تحيا في أي بقعة حتى في حي التضامن التي قال الهاشمي الحامدي إنه سيختارها سكنا له عند إنتخابه رئيسا مفدى للجمهورية بعد الرئيس «الشرعي المنتخب» محمد المنصف المرزوقي .