بقلم: محمد الهادي الحيدري كثيرة هي المؤشرات التي تنذر بوقوع أعنف الصدامات في تاريخ مصر بين أبناء مصر وبأيديهم في ظل التجاذبات السياسية الحالية بين أنصار الرئيس ومعارضيه.. والتجاذبات وإن أخذت في أغلبها منحى أيديولوجيا فإنه ثمة من يغذيها خارجيا على أمل إسقاط قلعة عربية جديدة كانت في زمن ما شوكة في خاصرة أعداء الأمة بكل طوائفها ..و ليس خافيا أن قوى غربية عملت ولا تزال على إضعاف مصر وكسر ثقلها السياسي والاستراتيجي لصالح الكيان الصهيوني في إطار مشروع قديم , تجدد مع ما بات يعرف ب «الربيع العربي».. «ربيع» صنع على المقاس لإشعال نار الفتنة في المنطقة وتفتيتها ليتحول إلى حريق يأكل مقدرات الأمة ويزيدها وهنا على وهن بأيدي أبنائها أنفسهم. و ما تعيشه مصر وسوريا وليبيا ولبنان لا يمكن أن ينظر إليه بمعزل عما سبق والذي بشر به مسؤولون أمريكيون سابقون كانت على رأسهم وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندوليزا رايس وقبلها ثعلب الديبلوماسية وزير الخارجية الأسبق هنري كيسنجر, حين نظروا لشرق أوسط جديد «يولد وكل ولادة لابد لها من مخاض وكل مخاض لابد له من دم يسيل».. شرق أوسط جديد يقوم على دويلات متصارعة مذهبيا وعرقيا وطائفيا والمحصلة كيانات ضعيفة قرارها ليس بيدها بل بيد من يدفعها للتقسيم والتناحر.. وما يجري حاليا في المنطقة ربما هو أقرب لسيناريو «استنساخ» «سايكس بيكو» جديدة لتقاسم مناطق النفوذ والمصالح في منطقة ظلت الى وقت ما عصية على التقسيم بالحديد والنار فكان زرع الفتنة وتأجيجها وإغراقها في الفوضى أسلم وأقصر طريق لتعجيل «انهيارها». وصول الإسلاميين للحكم في دول «الربيع العربي» قبلت به القوى الغربية مكرهة وربما دفعت بإتجاهه لخلق حالة من الفوضى الدائمة على اعتبار وجود قوى أخرى ترفضه (القوى العلمانية والليبيرالية) وبالتالي حالة التصادم حتمية وهو ما نراه اليوم في مصر وفي ليبيا أيضا وان اختلفت الظروف والتركيبة المجتمعية .. مصر وان نجت نسبيا من حمام دم منذ الإطاحة بمبارك نظرا لعدم وجود سلاح بأيدي المعارضة أو «الموالاة» (على خلاف ليبيا ولبنان وسوريا حيث تملك القوى المتصارعة أسلحة تعادل ما تمتلكه الجيوش النظامية أحيانا ), تدخل اليوم في دوامة عنف بدأت أولى مؤشراتها أمس وأول أمس مع سقوط قتلى وجرحى في مواجهات بين أنصار الرئيس مرسي ومعارضيه... وقبلها حدثت مواجهات دموية بين مسلمين وأقباط ولاحقا قتل وسحل 4 من شيعة مصر وهي مؤشرات تدور كلها في فلك مخطط إشعال الجبهة الداخلية طائفيا ومذهبيا والمستفيد الأكبر من سقوط مصر في هذا المستنقع حتما سيكون الكيان الصهيوني وحلفاؤه من القوى الغربية لقناعة راسخة أن «الفتنة» أسرع طريق لإضعاف أية دولة. و المشهد بتجلياته الراهنة اختزل اهتمام المصريين بجميع قواهم ومكوناتهم في الإنشغال بالصراعات الداخلية وانصرافهم عن بناء الدولة وتحصينها من الأطماع الخارجية وتقويتها لصد محاولات التخريب , حتى وجدت أثيوبيا في هذا «الضعف» و«الانشغال» فرصة لنهب أهم الموارد المائية بنهب نهر النيل عبر إقامة سد «النهضة» يلتهم حصصا من مياه مصر, مع العلم أن هذا المشروع دعمته إسرائيل في السابق وظل مشروعا معلقا الى حانت الفرصة لفتح جبهة حرب جديدة هي «حرب المياه». وفي ضوء ما سبق ذكره يبقى تغليب صوت العقل والحكمة مطلوبا لقطع الطريق على الفتنة الدوارة التي إذا ما اشتعل فتيلها أحرقت الأخضر واليابس وأدخلت البلاد في أتون التناحر والاقتتال ويبقى مطلوبا من ساسة مصر التعالي على الحسابات الحزبية الضيقة والانتماءات السياسية درءا لنار الفتنة خاصة وأن مؤشرات اشتعالها باتت أقوى من أي وقت مضى قبل يوم واحد من مظاهرة المعارضة المطالبة بإسقاط نظام الحكم الحالي ومع إباحة مشائخ ودعاة موالين للرئيس مرسي دماء معارضيه واعتبارهم «خارجين عن أولي الأمر» وبين هذا وذاك يبقى الجيش المصري الضمانة الوحيدة على الأقل في الوقت الراهن لنجاة مصر من «حرب أهلية» لا تبقي ولا تذر قدر الله وحدث المحظور وحتى لا يتحول «ربيع» مصر إلى صيف حارق.