مع الشروق .. قمّة بكين ... وبداية تشكّل نظام دولي جديد    انطلاقا من غرة جوان: 43 د السعر الأقصى للكلغ الواحد من لحم الضأن    رئيس الحكومة يستقبل المدير العام للمجمع السعودي "أكوا باور"    توقيع مذكرة تفاهم تونسية سعودية لتطوير مشروع إنتاج الهيدروجين الأخضر في تونس    شهداء وجرحى في قصف لقوات الاحتلال على مدينة غزة..    بطاقتا إيداع بالسجن ضد أجنبيين تورّطا في تنظيم عمليات دخول أفارقة لتونس بطرق غير نظامية    بداية من اليوم: خدمة جديدة للمنخرطين بال'كنام' والحاصلين على الهوية الرقمية    صفاقس: إيقاف 21 افريقيا وصاحب منزل أثر معركة بالاسلحة البيضاء    جنيف: وزير الصحة يؤكد أهمية تعزيز قدرات الدول الإفريقية في مجال تصنيع اللّقاحات    عاجل/ هذا ما قرّرته 'الفيفا' بشأن المكتب الجامعي الحالي    وزارة الصناعة: توقيع اتفاقية تعاون بين أعضاء شبكة المؤسسات الأوروبية "EEN Tunisie"    مفقودة منذ سنتين: الصيادلة يدعون لتوفير أدوية الإقلاع عن التدخين    كلاسيكو شوط بشوط وهدف قاتل    أول تعليق من نيللي كريم بعد الانفصال عن هشام عاشور    بالفيديو: بطل عالم تونسي ''يحرق'' من اليونان الى إيطاليا    مراسم استقبال رسمية على شرف رئيس الجمهورية وحرمه بمناسبة زيارة الدولة التي يؤديها إلى الصين (فيديو)    عاجل/ فرنسا: إحباط مخطّط لمهاجمة فعاليات كرة قدم خلال الأولمبياد    وزارة المرأة تحذّر مؤسسات الطفولة من استغلال الأطفال في 'الشعوذة الثقافية'    بن عروس: حجز أجهزة اتصالات الكترونيّة تستعمل في الغشّ في الامتحانات    بطاقة إيداع بالسجن ضدّ منذر الونيسي    مجلس نواب الشعب: جلسة استماع حول مقترح قانون الفنان والمهن الفنية    رئيس لجنة الفلاحة يؤكد إمكانية زراعة 100 ألف هكتار في الجنوب التونسي    المنتخب الوطني يشرع اليوم في التحضيرات إستعدادا لتصفيات كأس العالم 2026    النادي الصفاقسي في ضيافة الاتحاد الرياضي المنستيري    الرئيس الصيني يقيم استقبالا خاصا للرئيس قيس سعيّد    قبلي : تنظيم اجتماع تشاوري حول مستجدات القطاع الثقافي وآفاق المرحلة القادمة    وزير التعليم العالي: نحو التقليص من الشعب ذات الآفاق التشغيلية المحدودة    عاجل/ حريق ثاني في حقل قمح بجندوبة    مستشفى الحبيب ثامر: لجنة مكافحة التدخين تنجح في مساعدة 70% من الوافدين عليها على الإقلاع عن التدخين    منظمة الصحة العالمية تمنح وزير التعليم العالي التونسي ميدالية جائزة مكافحة التدخين لسنة 2024    صفاقس: وفاة امرأتين وإصابة 11 راكبا في اصطدام حافلة ليبية بشاحنة    تطاوين: البنك التونسي للتضامن يقرّ جملة من التمويلات الخصوصية لفائدة فلاحي الجهة    بمشاركة اكثر من 300 مؤسسة:تونس وتركيا تنظمان بإسطنبول أول منتدى للتعاون.    رولان غاروس: إسكندر المنصوري يتأهل الى الدور الثاني لمسابقة الزوجي    الشايبي يُشرف على افتتاح موسم الأنشطة الدّينية بمقام سيدي بالحسن الشّاذلي    الدخول إلى المتاحف والمواقع الأثرية والتاريخية مجانا يوم الأحد 2 جوان    آخر مستجدات قضية عمر العبيدي..    الانتقال الطاقي: مشروع للضخ بقدرة 400 ميغاواط    انتخاب التونسي صالح الهمامي عضوا بلجنة المعايير الصحية لحيوانات اليابسة بالمنظمة العالمية للصحة الحيوانية    رولان غاروس: أنس جابر تواجه اليوم المصنفة 34 عالميا    حادث مروع بين حافلة ليبية وشاحنة في صفاقس..وهذه حصيلة الضحايا..#خبر_عاجل    بعد الظهر: أمطار ستشمل هذه المناطق    جبنيانة: الإطاحة بعصابة تساعد الأجانب على الإقامة غير الشرعية    الرابطة المحترفة الأولى: مرحلة تفادي النزول – الجولة 13: مباراة مصيرية لنجم المتلوي ومستقبل سليمان    الأوروغوياني كافاني يعلن اعتزاله اللعب دوليا    عاجل/بعد سوسة: رجة أرضية ثانية بهذه المنطقة..    إلغاء بقية برنامج زيارة الصحفي وائل الدحدوح إلى تونس    تونس والجزائر توقعان اتفاقية للتهيئة السياحية في ظلّ مشاركة تونسية هامّة في صالون السياحة والأسفار بالجزائر    بنزرت: الرواية الحقيقية لوفاة طبيب على يدي ابنه    الإعلان عن تنظيم الدورة 25 لأيام قرطاج المسرحية من 23 إلى 30 نوفمبر 2024    منبر الجمعة .. لا يدخل الجنة قاطع صلة الرحم !    مواطن التيسير في أداء مناسك الحج    من أبرز سمات المجتمع المسلم .. التكافل الاجتماعي في الأعياد والمناسبات    شقيقة كيم: "بالونات القمامة" هدايا صادقة للكوريين الجنوبيين    محكمة موسكو تصدر قرارا بشأن المتهمين بهجوم "كروكوس" الإرهابي    مدينة الثقافة.. بيت الرواية يحتفي ب "أحبها بلا ذاكرة"    الدورة السابعة للمهرجان الدولي لفن السيرك وفنون الشارع .. فنانون من 11 بلدا يجوبون 10 ولايات    عندك فكرة ...علاش سمي ''عيد الأضحى'' بهذا الاسم ؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة نقدية في قصيدة ( رِهانُ قلب )للشاعر الإماراتي خالد الشكيلي ( بوسلطان )
نشر في أوتار يوم 22 - 08 - 2012

أظنني أطلتُ الغيابَ عن هذه الزاوية الغالية جداً على قلبي .. لذلك هي تستحق مني وكل متابعيها كل الاعتذار عن هذا الغياب غير المقصود ..
أعود اليوم أحمل " همسةً " محتلفة ... همستي لهذا الأسبوع محاولة متواضعة من قلمي ليقدم قراءةً نقدية في قصيدة مميزة لشاعر باذخ الحرف ..
سمحت لنفسي أن تكون أولى قراءاتي النقدية في نص من نصوص أستاذي ومدرستي شاعري المتألق الشاعر الإماراتي خالد الشكيلي " بوسلطان "
..... أتركها بين أيديكم .. ولكم قوافل جوري .. مني أنا .. عاشقة الجوري ..
نعم في الحبِ أشكو طولَ ليلي
وألبسُ ثوبَ سُهدي والأماني ...
وتنكرني عيون الليل أمضي
أغذُّ السير يطردني مكاني ...
ولا أدري أكان الحبُ ذنبي
شقيتُ به وأعلنتُ امتناني ...
نعم عثرتْ خيولي في انتظاري
وما والله تدري ما غشاني ...
فهل يرضيكِ أني عشتُ دهراً
أبثُّ الليل ما الله ابتلاني ...
وهل يرضيكِ يا قمري رحيلي
أفتشُ عنكِ يدفعني افتتاني ...
فيا نفسي أقلّي اللوم إني
وجدتُ من الهوى ما لو تراني ...
أتيتُ وكل ظني سوف ألقى
عيونكِ فاعتراني ما اعتراني ...
أيُعقلُ أنْ يكون الحب أعمى
ونبحثُ عنه في كل المعاني ...
يُساقُ كأنما في القيد يمشي
بلا سمعٍ ولا بصرٍ يُعاني ...
عَلِقتُ وما عرفتُ بأنّ روحي
ستطلبها المنون بلا طعان ..
نعم يا همسُ لي في العشقِ سهمٌ
ولكني خسرتُ به رهاني ...
وقلتِ مقالةً ما انفكّ قلبي
يرددها يعُضّ على اللسان ...
بأنّي ما عرفتُ الحبَ يوماً
وأنّ القلب مندفعٌ أناني ...
وأنّي للوفاءِ أضعتُ دربي
ومنصرفٌ إلى الغيد الحِسان ...
تعالي واسألي نجمات ليلي
ونبضي يومَ جئتِ وما دهاني ...
ستخبركِ العيون إذا التقينا
بأنّ حرائقي غشيتْ كياني ...
وأنّ الشوق يسكن كل قلبي
كأني فيه موثوقٌ وعان ...
حنانيكِ الهوى في الصبر يشقى
وجاء مع الزمان بما كفاني ...
وما أدري أتنصفني الليالي
وكيف وفي تقلّبها هواني ...
نعم أبحرتُ في ظُلمات نفسي
وفي عبثِ الهوى وبلا يدان ...
وكنتُ كمتلفٍ في البيد نفساً
تَساقَطُ مثل حبات الجُمان ...
وكنتُ كمن رأى يوما سراباً
وظنّ بأنّه للماء دان ...
ألا هبّي ففي الأحلام عيشي
وفي عينيكِ يا قمر الزمان ..
نعم غربت عن الأحلام شمسي
وفاض الدمع أخرسه بياني ...
ستجري في المدى خيل اشتياقي
مع الأطيار تبحث عن أمان ...
وعن عينيكِ رغم البُعد عني
وحسبي في الهوى بعض الثواني ...
لطالما آمنت باختلاف قلمه وتميز حرفه .. وشرفني أن أطلق عليه لقب ربان الحروف وسلطان القوافي وأنا تلميذته في مدرسة الشعر الكبيرة ...
بالرغم من أنني قدمت قراءاتٍ سابقة متواضعة جداً لبعض نصوصه .. إلا أنني اليوم أقف أمام نص مختلف نوعاً ما ربما من حيث الإحساس والصورة بشكل خاص ...
وكما في كل نصوص خالد بوسلطان نلمح الوحدة العضوية في القصيدة فنتلقاها عملاً فكرياً وشعورياً متكاملاً ، وليست محض أفكار مبعثرة ...
وللشاعر طقوسه المتميزة في انتقاء المفردة ليرسم من خلالها أعذ المعاني وأجملها وأعمقها ..
أسافر بكم اليوم من خلال " همسة الأسبوع " في قراءةٍ نقدية متواضعة لنص يرتدي الألق .. من نصوص الرائع خالد الشكيلي ...
يستهل خالد نصه هنا بإقرار واضح بما يلاقيه قلب العاشق في رحاب الحب من سهد وعناء ... وكأنه العاشق الوحيد على وجه المعمورة فيشكو طول ليله في نبرة استسلام لذيذ ليوحي لنا بسعادةٍ خفية يعانقها وهو يرتدي مواجع الحب وآلامه .... فيقول :
نعم في الحبِ أشكو طولَ ليلي
وألبسُ ثوبَ سُهدي والأماني
وأراه قد وُفِّقَ في اختياره لهذه القافية بالتحديد ( الأماني .. امتناني .. مكاني ) لما تحتويه من أنين داخلي وحزنٍ خفي يسري مع النون والياء المنسابة بشفافية ...
ثم يسكب هنا حدائق من بهاء الصورة وروعة المعنى فيمتع ذائقتنا الشعرية حين يطل علينا بالبيتين الثاني والثالث قائلاً :
وتنكرني عيون الليل أمضي
أغذُّ السير يطردني مكاني ...
ولا أدري أكان الحبُ ذنبي
شقيتُ به وأعلنتُ امتناني ...
" وتنكرني عيون الليل " ... لا أعرف كيف أصف إحساسي أمام هذه الصورة ..
أجدني هنا أمام إحساس غارقٍ في " صدمة استنكارية " يفجر من خلالها الشاعر قصيدته ... فكما عرفت من أغلبية نصوص الشاعر خالد بوسلطان فهو يضع نفسه دوماً في رفقةٍ متلازمة مع الليل وسكونه ورهبته ..
وجدت أن " الليل " في قصيد خالد بوسلطان ليس مجرد مفردة عادية .. بل هي عالم بلا حدود .. يتعايش معه الشاعر بكل ما فيه من متناقضات .. وأظنه قد اتخذ منه ملجأً لحرفه وإحساسه التائه في خضم أوجاع لا تنتهي ...
ومن المواضع التي جاء فيها " خالد الشكيلي " بمفردة " الليل " في قصائد أخرى :
* من قصيدة ( غدر الزمان ) ...
والليلُ والشوقُ القديمُ حكايةٌ
من عشقِنا أتلو بها صلواتي .....
* من قصيدة ( كفكفي الدمع )
قهقه الليل طويلاً في انتظاري
آه من عينيكِ كم فيهنّ أشقى ...
* من قصيدة ( المطر الأسود )
غمرَ الليلُ شعوري وهناك
المطرُ الاسودُ في عينيّ يصحو ....
ألمح في هذا الاستهلال " وتنكرني عيون الليل " استنكاراً يرتدي الصدمة والمفاجأة .. يوجهه الشاعر لرفيقه " الليل " .. صديق همومه وأوجاعه والذي لطالما بثه شكواه .. ليجده اليوم ينبذه ليكون مطروداً مطارداً..
مطروداً من احتواء الليل لآهاته .. مطارداً من عيون الليل بكل ما فيها من قسوة ..
ليطل علينا البيت الثاني بتساؤل منهك يصف فيه الشاعر ما لاقاه ويلاقيه من شقاء في الحب ورغم ذلك يعلن امتنانه ...!!!
ولا أدري أكان الحبُ ذنبي
شقيتُ به وأعلنتُ امتناني ...
ولا أدري إن كان هذا الإعلان من منطلق قوةٍ وتحدٍّ .. أم أنه حالة من الانهيار والاستسلام والسخرية المبطنة من كل ما يلاقيه من وجع في دروب الحب ...
ثم ينتقل بنا الشاعر إلى مناجاةٍ يحاكي بها محبوبته .. ويبدأ خالد مناجاته بأسلوب تقريري يؤكد من خلاله لربما لنفسه وللمحبوبة عظيم ما غشاه في بحثه عنها وكم اعترته الهموم والأحزان في سبيل ذلك
نعم عثرتْ خيولي في انتظاري
وما والله تدري ما غشاني ...
وربما يحاول الشاعر من خلال البيتين التاليين أن ينال أكبر قدر ممكن من تعاطف المحبوبة مع أواجاعه وأحزانه .. فيتساءل بحزن وقلبٍ منكسر :
فهل يرضيكِ أني عشتُ دهراً
أبثُّ الليل ما الله ابتلاني ...
وهل يرضيكِ يا قمري رحيلي
أفتشُ عنكِ يدفعني هواني ...
و نلاحظ هنا استخدامه مجدداً لمفردة الليل .. ولكن مشيراً إلى الليل الصديق الذي يحتوي انكساراته .. ونلك هي الصورة الحقيقية " للليل " في قصيد خالد بوسلطان ..
فيا نفسي أقلّي اللوم إني
وجدتُ من الهوى ما لو تراني ...
أتيتُ وكل ظني سوف ألقى
عيونكِ فاعتراني ما اعتراني ...
وكأن الشاعر قد ضاق ذرعاً بخرافة الحب التي يبحث عنها في ترحاله فيطالب نفسه بالكف عن تحميله ما لا يطيق من اللوم بعد ما كل ما عتراه من الألم بحثاً عن " الحب " ...
وأراه هنا يرسم إحساساً بالخذلان إذ ظن أن الأمان من ظلم الحب سيكون في عيون المحبوبة ... بينما خاب ظنه ...!!!
ونستطيع أن نلمح محاولات الشاعر المستمرة ليبعد عن نفسه أي لوم أو مسؤولية تجاه ما لاقاه من صفعات .. فتارةً يلقي بالعبء على الهوى وأخرى يلقي بها على المحبوبة ... ربما هو الخوف من مواجهة الذات وما قد يتبدى له من تلك المواجهة من جوانب معتمة يجتهد الشاعر في إبقائها بعيدة عن تفكيره ...
يلفتني في الأبيات التالية تصوير الشاعر للحب في أسوأ حالاته ..
ولا أعرف حقيقةً إن كان في هذا التشبيه يحاول أن يصف لنا حاله هو شخصياً وما فعله به الحب ...!!! يقول :
أيُعقلُ أنْ يكون الحب أعمى
ونبحثُ عنه في كل المعاني ...
يُساقُ كأنما في القيد يمشي
بلا سمعٍ ولا بصرٍ يُعاني ...
أرى من خلال الصورة التي رسمها الشاعر للحب في هذا البيت :
يُساقُ كأنما في القيد يمشي
بلا سمعٍ ولا بصرٍ يُعاني
أرى وجهين متناقضين لعملة واحدة هي " الحب " فالمتلقي قد تأخذه الحالة الشعورية حين يقرأ هذا البيت إما إلى صورةٍ قاتمة يائسة يتخبط فيها الحب في القلوب بلا منجِد وبلا أمل..
وإما إلى صورةٍ تعانق كل معاني الوفاء والإخلاص ترسم الحب في أشد حالاته من الاستسلام دون الالتفات لما قد يواجهه من مصاعب وعثرات
ولا يفوتني أن أنوه هنا إلى أن التساؤل (أيُعقلُ أنْ يكون الحب أعمى ) .. قد ورد سابقاً في قصيدة أخرى للشاعر إذ قال فيها :
أُيعقلُ أن يكون الحب أعمى
وفيه الشك يدفعه رجائي ...
هذا التكرار لذات التساؤل يجعلني أقف حائرةً أمامه .... فلا أعرف إن كان التساؤل استنكارياً ناقماً أم هو محض عتاب محبٍّ عاشق يجد بين أحضان الحب راحته وسعادته ... ؟!!!!!!!!!!!
وبالانتقال إلى البيت التالي نحتاج وقفةً متعمقة :
عَلِقتُ وما عرفتُ بأنّ روحي
ستطلبها المنون بلا طعان ...
نجد الشاعر هنا قد استخدم الفعل ( علِقْتُ ) .. وربما من وجهة نظري أرى أن المفردة في حد ذاتها جاءت ثقيلة نوعاً ما وربما منحتني شعوراً بأنها تقف عائقاً أمام انسيابية الجمل الشعرية التي نستشعرها منذ بداية النص ..
وبغض النظر عن شعوري ووجهة نظري نحو المفردة .. لكن الشاعر قد وُفِّقَ في اللجوء لهذه المفردة ( ذات الاستخدام الجاهلي ) .. من حيث المعنى الذي يخدم موضوع النص .. فبالرجوع إلى معنى كلمة ( علِقَ ) نجده كالتالي :
(" عَلِقَ بِحُبِّهَا " : اِرْتَبَطَ بِحُبِّهَا ، تَعَلَّقَ بِهَا . " عَلِقَ حُبُّ الْمَرْأَةِ بِقَلْبِهِ " " إِذَا عَلِقَتْ فِكْرَةٌ بِذِهْنِي كَانَتْ شُغْلِيَ الشَّاغِلَ )
وهو بالتأكيد المعنى الذي يصبو إليه الشاعر بكل ما فيه من عمق الفكرة وتصوير قوة الارتباط والانشغال ...
وحقيقةً لا أستطيع الانتقال من هذا البيت دون الوقوف على هذا الجزء :
( وما عرفتُ بأنّ روحي
ستطلبها المنون بلا طعان ... )
وكأن في تعلقه الشديد بالمحبوبة ميتةٌ بلا موت ...!!!
فهو يموت شوقاً ولهفةً ووجعاً واحتراقاً وانشغالاً وحيرةً ولوعةً ...
ولكن موته المجازي عالقُ يحومُ حول روحه بلا طعناتٍ تفضي به إلى موت حقيقي ... وكأنني أرى للفعل ( علِقْتُ ) امتدادٌ آخر ينقلنا إلى معنىً آخر وشعور آخر تماماً!!!
لذلك وبالرغم من اعتراضي على المفردة ( علقتُ ) كمفردة ثقيلة .. إلا أنني أرى بأن الشاعر قد وُفِّقَ في اختيارها ليتنقل بنا في عوالم شعورية منوعة ضمن بيت شعري واحد ...!!!
في الأبيات القادمة سيدخلنا الشاعر في تجربة شعورية ذاتية يوجه فيها الحديث لمحبوبته واضعاً أمام عينيها مقالةً ظلمته بها حين اتهمته بالأنانية وأنه ما عرف الحب يوماً وأن كل ما يهمه في هذه الحياة هوالسعي خلف الحِسان من النساء بينما يحاول هو بكل ما أوتي من حنكة في القول تارةً ووصف مشاعر ألمه تارةً أخرى.. يحاول تبرئة ساحته من كل تلك الاتهامات التي يراها باطلة فهو العاشق المخلص الوفي ..
يحاور الشاعر محبوبته في موقفها الظالم فيقول :
1. نعم يا همسُ لي في العشقِ سهمٌ
ولكني خسرتُ به رهاني ...
وقلتِ مقالةً ما انفكّ قلبي
يرددها يعُضّ على اللسان ...
بأنّي ما عرفتُ الحبَ يوماً
وأنّ القلب مندفعٌ أناني ...
وأنّي للوفاءِ أضعتُ دربي
ومنصرفٌ إلى الغيد الحِسان ...
لقد تأثرتُ كثيراً بهذا البيت على وجه التحديد :
نعم يا همسُ لي في العشقِ سهمٌ
ولكني خسرتُ به رهاني
فأنا أراه يحمل بين طياته الكثير الكثير من الحزن والخيبة واليأس .. وبالرغمن من سوداوية الشعور العام هنا .. إلا أن ذلك لم ينتقص شيئاً من جمال هذا البيت ورومانسيته وعذوبته التي بالفعل لامست شغافَ قلبي ..
وأكاد ألمح شدة تأثر الشاعر بهذه الاتهامات الظالمة من خلال بعض المفردات التي ساقها الشاعر لتفجر ألمه وحزنه وتظلُّمه :
(خسرتُ به رهاني / يعُضّ على اللسان )
ويتابع الشاعر الانتقال بنا في تسلسل منطقي للتجربة الشعورية التي وضعنا فيها فنسمعه هنا ينادي محبوبته مستخدماً الفعل الأمر ( تعالي ) بكل ما فيه من تودد وحب ورومانسية وحنان .. ونراه يُشرِكُ رفيقَه " الليل " من جديد في محاولاته لإثبات صدق حبه لمحبوبته فيطلب منها قائلاً : ( واسألي نجمات ليلي ) ..
تعالي واسألي نجمات ليلي
ونبضي يومَ جئتِ وما دهاني ...
ستخبركِ العيون إذا التقينا
بأنّ حرائقي غشيتْ كياني ...
وأنّ الشوق يسكن كل قلبي
كأني فيه موثوقٌ وعان ...
حنانيكِ الهوى في الصبر يشقى
وجاء مع الزمان بما كفاني ...
,,, ( وأنّ الشوق يسكن كل قلبي
كأني فيه موثوقٌ وعان ... )
تصوير خلابٌ أكاد لا أفرق فيه بين الشاعر وشوقه .. فالشوق يسكن قلبه .. وهو مكبلٌ في حنايا الشوق ...
وما لفت انتباهي هنا استخدامه للحرف ( فيه ) وليس ( به ) .. وفي ذلك تأكيد منه على أنه غارق في هذا الشوق بكامل إرادته ..
وفي نداءات الشاعر في هذا الجزء ينساب من بين حروفه الحنان والدفء والرجاء وهذا يتجلى واضحاً بالذات في كلمة ( حنانيك ) ..
ويطالعنا أخيراً الجزء الأهم في النص وهو اعترافات متلاحقة يدلي بها الشاعر أمام محبوبته ليؤكد لها صدقه في حبه وإخلاصه وأنه قد تخلى عن كل عبث الماضي وسرابه وأن كل ما كان فيه هو محض ظلمات .. فيقول :
نعم أبحرتُ في ظُلمات نفسي
وفي عبثِ الهوى وبلا يدان ...
وكنتُ كمتلفٍ في البيد نفساً
تَساقَطُ مثل حبات الجُمان ...
وكنتُ كمن رأى يوما سراباً
وظنّ بأنّه للماء دان
ليطل بعد ذلك منادياً محبوبته للإسراع إليه مؤكداً لها أن كل أحلامه لا تتحقق إلا في عينيها .. لأنها في عيونه هي قمر هذا الزمان ...
ألا هبّي ففي الأحلام عيشي
وفي عينيكِ يا قمر الزمان ..
في الأبيات الثلاثة الأخيرة يعود بنا الشاعر إلى الإقرار من خلال تقديمه لحيثيات هو على يقين بأنها ما هي إلا نتيجة للشوق العارم الذي يجتاحه جراء إسراف المحبوبة في غيابها وجفائها وظلمها له ... فيصور لنا أحلامه ترتع في ظلمةٍ حالكة يغتالها دمعٌ يكاد يخرس أمام صرخة حروف تشتعل لهفةً وأنيناً ....
نعم غربت عن الأحلام شمسي
وفاض الدمع أخرسه بياني ...
أظنكم ستلاحظون معي استخدام الشاعر لمفردة ( الخيل ) مجدداً في القصيدة ذاتها وإن كانت في صيغة مختلفة ..إذ ورد ذكرها في بيت سابق هنا هو :
نعم عثرتْ خيولي في انتظاري
وما والله تدري ما غشاني ...
ليعود إلى استخدامها مجدداً قائلاً :
ستجري في المدى خيل اشتياقي
مع الأطيار تبحث عن أمان ...
إن لمفردة ( الخيل والخيول ) في قصائد خالد الشكيلي عالم من أخيلةٍ خلابة وصورٍ متفردة .. فهو تارة يستخدمها ليصور انتصاراته الذهبية .. وأخرى ليبث شوقه الجارف .. وفي بعض الأحايين يرسم من خلالها انكسارات روحه ...
ويأتي ختام القصيدة ببيتين دافئين يؤكد الشاعر من خلالهما بأنه غارقٌ في أشواقه حدّ اللهفة حتى كأن أشواقه خيلٌ تسابق الأطيار في سماوات الوله تبحث عن شموع الأمان في عيني محبوبته حتى وإن ومضت تلك الشمعة لثوانٍ معدودة :
ستجري في المدى خيل اشتياقي
مع الأطيار تبحث عن أمان ...
وعن عينيكِ رغم البُعد عني
وحسبي في الهوى بعض الثواني ...
وأكثر ما شدني ولفت انتباهي في هذا النص دوناً عن النصوص الأخرى هو لجوء الشاعر إلى شيء من الابتكار والتجديد في الصورة الشعرية وخروجه عن المألوف في قصائده السابقة ..
وأضع هنا بعض الصور المميزة التي أضفت الكثير من الدفء والاختلاف على هذه القصيدة :
( يُساقُ كأنما في القيد يمشي... بلا سمعٍ ولا بصرٍ يُعاني ... )
تصوير عابقٌ بالحيرة والخوف والاستسلام والحب .. مزيجٌ حائرٌ ومُحيّر ... !!!
(عَلِقتُ وما عرفتُ بأنّ روحي.. ستطلبها المنون بلا طعان ... )
هيامٌ يرسمه الشاعر هنا بنكهة الموت الجميل يرصع الروح العاشقة
(نعم أبحرتُ في ظُلمات نفسي..وفي عبثِ الهوى وبلا يدان ... )
شعورٌ بالعجز يخطف الأنفاس ويتركنا نتخبط مع الشاعر في ظلمات نفسه الحائرة
( وكنتُ كمتلفٍ في البيد نفساً..تَساقَطُ مثل حبات الجُمان ... )
تصوير مذهل يعانق نبض الجمان ليشعل في بيداء النفس فوانيس أمل لا تنطفئ ...
من ناحية أخرى أجده في بعض الصور قد لجأ إلى المباشرة فكان بعيداً عن التجديد والابتكار ومثال ذلك قوله :
( وألبسُ ثوبَ سُهدي والأماني ... ) ..
وبمتابعة الإبحار بين جنبات القصيدة نلمس حرص الشاعر على التنويع في البناء الأسلوبي لعبارته الشعرية ما بين تقريري خبري وآخر إنشائي :
(نعم في الحبِ أشكو طولَ ليلي / ولا أدري أكان الحبُ ذنبي / فهل يرضيكِ أني عشتُ دهراً ..أبثُّ الليل ما الله ابتلاني ... / فيا نفسي أقلّي اللوم/ أيُعقلُ أنْ يكون الحب أعمى / تعالي واسألي نجمات ليلي ) ..
بالإضافة إلى استخدام الشاعر للصيغ الاشتقاقية مثل ( التنكير والتعريف، المفرد والجمع، فعل الأمر ) وهذا يقوي الأسلوب البنائي للعبارة الشعرية ويمنحها رونقاً جمالياً مختلفاً ...
.. كما يشد انتباهنا جمال وعذوبة العبارة الشعرية وسلاستها لدى الشاعر من خلال انتقائية الألفاظ التي يختارها للتعبير عن مختلف مشاعره وأحاسيسه ..
فتارةً نراها حزينةً يائسة .. وأخرى متخبطةً تائهة :
(وتنكرني عيون الليل / يطردني مكاني / عثرتْ خيولي / يدفعني هواني / علِقتُ / خسرتُ به رهاني / يعُضّ على اللسان / موثوقٌ وعان / كمتلفٍ في البيد نفساً ) ..
خالد بوسلطان ..شاعر يعرف من أين يورد الشعر .. يمتطي صهوة الحرف ويحلق بالقصيد بأجنحةٍ من تميز ..
خالد بوسلطان أراه وأؤمن بأنه علامة فارقة في عالم الشعر الفصيح على صعيد الشعراء العرب بشكل عام وعلى صعيد شعراء الفصيح في دولة الإمارات ..
قاصرٌ هو الحرف عن الإمساك بكل خيوط إبداعك أيها الشاعر السامق ... وأتمنى أن أكون قد طرقت بعضاً من ملامح الجمال بين ربوع قصيدتك الخلابة ...
همسة يونس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.