نادتنا و نادتهم سبيطلة فلبينا و لبوا النداء ، كنا ثلة من الأدباء المسكونين بالثورة و الحرف ، الظرف حرج و المسألة تتطلب التروي هذا ما قاله الأغلبية لما علموا بما عزمت عليه جمعية فنون وابداع سبيطلة من تنظيم هذا اللقاء مع أرواح الشهداء و مع مكان طيرانهم نحو الأعلى، الأعلى، كانت مغامرة حاول الكثير اجهاضها أو التحريض على اجهاضها، كانت مبادرة شخصية من أعضاء اللجنة و على رأسها الأستاذ المميز و المليء محبة لتونس و خوفا عليها ، عبدالله بوسطلة، و كانت مايسترو الجمعية في الحقيقة امرأتان ، هما من اضطلعتا بمهام كبيرة و في الحقيقة أصبحن عدة نساء ، شغفن بتونس و أردن انهاض الثقافة أو استنهاضها ، حتى يبثثن الدم في شريانها ، كانت ضحى بوترعة لا تهدأ ، تثور حينا ، لتبكي أحيانا ، لتقول انهزمت في أحايين كثر ، لكننا كنا جميعا ننتفض و نقول هي تونس وهم يريدون أن يخنقوا صوتها و يجهضوه و أن يرانا العالم مهزوزين من الداخل و كأن تونس انتهت ، فننهض و نسير أكثر عزيمة مما كنا عليه ، اتحاد الكتاب التونسي كان حاضرا بمده يد المساعدة المادية ، لم يكن المبلغ كبيرا ربما كان رمزيا ولكنه كان يسد بعض الثغرات ، كذلك اتحاد الشغل الممثل في فرعه ببن عروس ، و كان أروع مثال على دفع هذه التظاهرة و مساعدته المادية و قد ساعد في نقل الأدباء في حافلة ذهابا و ايابا تكفلت السلط المحلية بسبيطلة باعادتهم ، و هنا لا يمكنني أن أنسى المرأة الفولاذية بية بوسطلة التي كانت تعمل في صمت دؤوب ، وكانت مساهمات البعض من المساندين لهذه التظاهرة هي التي مثلت لبنة هذا العمل ، صحيح لم تكن مبالغ كبيرة بل كانت رمزية جدا لكنها ساعدتنا و نحن مثل النمل نجمع المحاصيل فلسا فلسا ، لم أذكرهم لأنهم لم يريدوا ذلك ، حتى الفن ممثلا في الفنانة الراقية و الرائعة زكية الجريدي التي تطوعت مع عازفيها لتكون معنا ثلاث أيام بلياليها و كانت لا تهدأ و تغني لتونس و ثوارها و شهدائها و تقول ليت لي ما أعطيه و طبعا كلنا كنا مجندين لانجاح هذا الملتقى التحدي رغم العراقيل و رغم التخويف ، لكننا وجدنا سبيطلة تستقبلنا بكل هدوء محبّ و كانت تونس كما عهدناها محبة لنا و للحرف و كان اللقاء و كان العرفان بالجميل لمن دفعوا دماءهم ثمنا لما نمتلكه نحن الان و نحاول المحافظة عليه و السير به نحو بر الأمان كنا على موعد مع فرقة المعهد الأعلى للدراسات التطبيقية بسبيطلة مساء 22 أفريل 2011 في افتاتحية مذهلة للوحات راقصة ، كانوا يطيرون على أنغام هندية متوحشة و كنا نتابع تجسيدهم لمراحل عدة من مراحل عمرهم الغض ، رقصا، كانوا رائعين فعلا و لكن ما أذكره فعلا فأبكي اللوحة الأخيرة أو هي ثلاث لوحات أو لقطات ، عندما دخل علينا الشاب المتزلج متلحفا بالعلم التونسي و عندما خرجت علينا فتاة تلوح بالعلم التونسي و تجري مثل الريح و لكن اللوحة الأخيرة جعلتني أنخرط في نشيج لم أتوقف عنه الا بعد فترة ، لما سقط الشهيد و رفعه أصدقاءه كي يخرجوا به مكفنا بالعلم التونسي ، رافعين اياه على أعناقهم و هكذا دفع الشهداء أرواحهم كي أكتب أنا هذه اللحظة بكل عنفوانها و حريتها ، فطوبى للموت بالشهداء و طوبى لسبيطلة بشبابها و طوبى للقصرين و تالة و كل نقطة في الأرض التونسية من بنزرت الى بن قردان بكل قطرة دم زكية سقت أرضها ، كان لصوت زكية الجريدي مساءها وقع السحر بين جنبات المسرح الروماني الذي اختلطت فيه اهات الكل من قدامى و حاضرين ، كان الصخر يستصرخنا و يقول كنا هنا ، مهمشين ، معذبين، مقهورين و قد ثرنا كما ثرتم و كان لغزة حضورها أيضا وان كانت لم تغادرنا أبدا في صوت عيسى أبوالراغب الذي شد الجميع بقراءته لقصيدته التي مازالت تحكي معاناة الفلسطيني عامة و الغزاوي خاصة ، لم نغادر الحرف أبدا كان لنا موعد ليلي مع الزجل و الغناء البدوي في مسامرة كان فيها الزجل ملكا ، هو لسان الشعب و ذاكرته لحنا و كلمة ، كانت الثورة في الكلمة و اللحن و بين بن غذاهم و الدغباجي و ذكرى الشهداء و بغداد و فلسطين قضى الكل السهرة لينتهي اليوم الأول. منذ التاسعة ليوم 23 أفريل 2011 انطلقت الاشغال بمائدة مستديرة حول الثورة و أهدافها و مخاوفها و كان الحوار مفيدا و مجدي بعد مداخلتين قام بهما كل من الأستاذ جلول عزونة و الدكتورة حياة اليعقوبي ، وقد لامس الحضور نقاطا عدة بين الأمل في تونس حرة و بين التخوف من سقوطها في الفوضى بعد أن تداخلت المصالح و الايدي الخفية العاملة على اجهاضها و ادخال البلبلة وسط الشعب و بعد الغداء كان للجميع موعدا مع " مريم تسقط من يد الله" أو الثورة في الأدب التونسي و طال الحوار و توسع حتى أخذ كل المساحة الوقتية و تعسف على مساحة الشعر بعد المداخلة القيمة التي قدمها الاستاذ البشير الجلجلي حول رواية مريم تسقط من يد الله للروائية التونسية فتحية الهاشمي و كان الموعد المؤجل للقاء الشعري رائعا حد الامتاع و قد أداره القاص المغربي عبدالله المتقي بامتياز و كانت للمراوحة الغنائية سحرها و كان للناي فعله في الجميع... صباح 24 أفريل 2011 كان لابد لكل بداية من نهاية ، أدار الأستاذ البشير الجلجلي جلسة القراءات الشعرية بكل دراية كي يختم اللقاء بتقديم شهائد التقدير لكل الحاضرين و حتى للغائبين أو الحاضرين بالغياب ، وكانت أكبر شهادة قدمت لسبيطلة الكرامة و العزة و لأهلها الطيبين و لكل روح متوثبة و محبة فيها و كان لابد للحظة الوداع اللقاء أن تحين ، ركبنا الحافلة و لوحنا لسبيطلة ، و كانت هناك أكف خفية بمناديل بيضاء تلوح لنا أن عودوا ، ننتظركم في موعد قادم للوفاء و الحبّ... عاشت تونس حرة مستقلة و المجد لها و لشهدائها الأبرار و لكل شهداء الحرية... صور لبعض ضيوف الملتقى الثقافي الرجاء الضغط على الصور لرؤيتها بحجمها الطبيعي