أبو مازن اسمعوا و عوا أيها القوم، أجراني من خلق السماء والأرض فلا داعي للّوم. حملت المياه من أعالي الجبال و وزّعتها بين المدن و البلدان دون قتال. كل بقدر وكان لي هذا منذ قديم الزمان فلم أغيّر نمطي منذ عهود البربر والرومان والعربان. كانت القبائل و التجمعات السكنية تنتظرني لما أحمل و أزبد، ثم أفيض فأسقي الأرض المتعطشة الى الماء دون كبد. أسقي الشجر والنبات فتخضرّ و تزدان السهول بألوان الربيع فتزهر. تلك هي طريقتي الى يوم الدين لا أحيد عنها قيد أنملة يا سامعين، ما دامت الجبال منبعا لطفرتي والبحر منتهى لنشوتي. ولكنكم تكاثرتم، و تعاظم عددكم، فانتشرتم هنا وهناك ترتعون في تربتي، ولم تعيروا اهتماما لقوتي و جبروتي. لقد بنى الاستعمار بعض الجسور لمرور الجنود، وشيّد في مواطن عدّة عددا من السدود، ليزود أراضيه المغتصبة بالماء، فيرويها كما خطط و شاء، ثم ينتج ويصنع ويبيع لكم فتشترون دون عناء. أمهلتكم عهدا نلتم فيه الاستقلال فتنهضوا بالداخل المتألم ولكن لا حياة لمن تنادي فيتعلّم، تنمينتكم لا تغادر الساحل والحضر، و تختار من تختار من المناطق و البشر. أومأت لهم عديد المرات، ففضت في الخمسينات والستينات، ولكن تجهيزهم أهمل حالي و بنى النزل والمنتجعات. قلت يومها شيخ عليل لا يقدر على التدبير، وقد أنهكه الحراك و النضال ثم أغراه البندير. لعل من يخلفه ابن بارّ، فيعيرني اهتماما و يبني سدودا ويحمي الديار. انتظرت وأطلت الانتظار ولكن التجهيز امعة و ثيّب لا يغار، أفتك بالحقول و أقلع الأشجارولكنهم في غفلتهم يواصلون حلّت ثورتكم فقلت أنعم الله عليكم، قد تقررون يوما أمركم، وتصنعون بسواعدكم وعقولكم عهدكم. فرحت فرحا كثيرا، وقلت ستنطلق الأشغال على ضفافي فكبّرت تكبيرا. ستتدفق الأموال فتبنى السدود و المسالك بين التلال، ويهنأ أجواري بالعيش الكريم والماء الزلال. انطلقت الأفكار وتعطلت كراريس الشروط وخاض القوم في الارهاب و تهريب السلع و المازوط. خرجتم للاعتصام و الاضراب فعمّ بلدكم الفقر والحيف والظلم والخراب، واليوم تلومنني على هيجي و تلعنون الماضي، فمنكم الرعية ومنهم القاضي. لم يفكروا فيكم ولو مرّة، أو يهدوكم ما يستر على حين غرّة. يقصدونكم لأجل الانتخاب، فينالون الأصوات و المكانة، وتنالون العراء و البلل والمهانة. لكم الله فشمروا على سواعدكم، ولا تنتظروا رئيسا ولا حكومة ولا وعود نوابكم.