بقلم: شكري بن عيسى (*) لم تمر أكثر من 48 ساعة على تصريحات الصحبي الجويني على قناة "الحوار التونسي" التي ساقها في شكل "بشرى" للتونسيين حتى جاء الرد صاعقا بعملتين دمويتين فاجعتين، ذهب ضحية الأولى ثلاث أمنيين وضحية الثانية أمني، نحتسبهم شهداء، كالعادة من الجهات المهمشة، مع جرحى منهم مدنيين في حالات حرجة. الجويني "بشّر" بأنه تم دسّ داخل التنظيمات الإرهابية أفراد من الاستخبارات، بما يعني حسب "وزير الأمن القومي" ان ساعات هؤلاء الإرهابيين باتت معدودة، وانهم صاروا في كماشة ولا ينتظر سوى الضغط على الزناد لقطع الرؤوس. عملية دموية في الجنوب وثانية في الشمال، واحدة في الصباح وأخرى في العشية، بما يعني ان الرد كان موجها ضد التصريحات الاستعراضية الهوجاء، على الأغلب. في المجال الأمني والعسكري، اول المبادىء، عندما لا تكون لك الغلبة والتحكم في مجريات الأمور فالتصريحات يجب ان يصبغها الحذر الكامل، وحتى التكتم التام، الجويني فعلا بان بالكاشف بانه يستدرج الإرهاب للضرب، تصريح مستهتر إجرامي وضع تونسيين أبرياء في مرمى النيران، والبلد تحت القصف. فوضى في التصريحات باسم الدولة من بلطجية بصفة نقابيين امنيين، ومن جهة أخرى أمين عام حزب النداء الذي لم يعقد لحد اللحظة مؤتمر انتخابي لإضفاء الشرعية القانونية والديمقراطية على قياداته، ويعتبر بذلك غير شرعي، يصرّح بان الدولة مستعدة لمنح كل تونسي "بيوش" (فأسا) للتنقيب عن البترول! فعلا استباحة لدولة عاجزة من قراصنة السياسة والنقابة، دولة تعيش فراغا في السلطة، وخرسا من وزرائها، وحتى وزير الداخلية لما تكلم هذا الصباح سقط في الاستعراض الأجوف، وبالحين جاءت عملية جندوبة الدموية لتكذيب تصريحاته بان الأمن صار يرد ولا يسمح للمنفذين بالفرار. ربما من الصدفة ان الهجمات الدموية لم تحصل في الأماكن التي فيها تحركات احتجاجية على خلفية حملة "وينو البترول" وإلا لتم إلصاق الإخفاق على هذه التحركات، وربما إعادة خطاب الاتهام بالتواطؤ مع الإرهاب، ومع ذلك المتحدث باسم النقابات البوليسية اليوم (غير المتسيّس تماماً..) لم يجد من تفسير لما حدث إلا باستدعاء "الديسك" المشروخ ذاته، ورمي التهمة على التحركات الشعبية، مثلما فعلت بعض الإذاعات التي وجهت التهمة للمعلمين والممرضين وإدانتهم بما حصل. لأول مرة يقع إلقاء القبض على احد منفذي العمليات الدموية حيا، ولا ندري هل سيكشف حقيقة هذه العمليات الدموية وارتباطها سواء بأطراف داخلية أو أخرى دولية، وهل هناك ارتباط سياسي لهذه العمليات الدموية، والأرجح ان المقبوض عليه سيلقى حتفه لدفن الأسرار معه، فالعصابة اجنحتها في كل مكان، والتوقيت سيكون قريبا. في كل مرة تقع أخطاء جسيمة وتعاد العمليات تقريبا بنفس الطريقة، ودائما لا تعترف الداخلية ولا تحاسب احد، وهو ما يفسح المجال لمزيد الإخفاقات في المستقبل، ولا ندري هل سيقع محاسبة الجويني على تصريحاته الفوضوية الاجرامية التي تستبيح الدولة. ارتباط هذه الهجمات الدموية باضرابات التعليم والصحة وحملة وينو البترول يبقى مثيرا للتساؤلات الحارقة وهل ان الأمر تم في اتجاه شيطنتها وتأثيمها أم ماذا!؟ كما ان ارتباطها بعجز الدولة عن بسط وجودها، مع تصاعد الفشل في الملفات الاقتصادية التنموية والاجتماعية النقابية والسياسية الحقوقية وأيضاً الأمنية وتصاعد شعارات "المصالحة الوطنية" التي ما انفك يرفعها السبسي وشركائه في الحكم، خاصة بعد حكم المحكمة الإدارية بإلغاء مرسوم المصادرة، يبقى مثيرا للتساؤلات، وهل ان الأمر مرتبط بكل هذا لتمرير "المصالحة" المفروضة من رموز الفساد وأركان الدولة العميقة، الذي يبدو أنهم يشكلون المشهد على طريقتهم، وبكل الأدوات المتاحة!؟ كذلك تعيين السفير الأمريكي القريب من الصهيونية صاحب الصولات في الفوضى والتقسيم الحاصل في العراق وسوريا، والاتجاه صوب إخضاع تونس للتمركز العسكري الامريكي، وهل ان في ما حدث خلق للظروف التي تزيد في الدفع إلى هكذا مربّع، يبدو انه صار "حتمية" للدولة أمام محاصرة البلاد خارجيا وداخليا من الدواعش المتحركين على الاغلب على وقع "السمفونيات" الدولية!؟ استمرار الضبابية والغموض حول الهجمات الدموية الدقيقة في توقيتها يشرّع الباب لكل الأسئلة، ولكن ارتباطها ب"بشارة" الجويني السوداء هو الذي يعمّق الالغاز، ولا ندري إلى متى سيظل "ناطقا رسميا" باسم الدولة بأكملها، مستدرجا بكل صلافة سيلان الدماء التونسية البريئة، والفضائيات المتعددة لا تزال مشرّعة البلاتوات امامه!!؟