بقلم: شكري بن عيسى (*) لئن تعمدت وسائل الاعلام المنخرطة في اجندة الفساد المالي والسياسي والعمالة التركيز على النقطة المتعلقة بوجود تمويل اجنبي في حساب مترشح بقيمة 4.6 م. د. ووجود ضخ لاموال من بلدين احنبيين لجمعية يتراسها احد المترشحين للرئاسية في تقرير دائرة المحاسبات.. فان اغلب المعلقين والمحللين الاخرين ان لم يكن كلهم غرقوا بسذاجة مفرطة فيما تم التخطيط له لطمس زيف الانتخابات.. وانساقوا في لعبة الاعلام المضلل دون وعي منهم بخطورة فعلهم.. حاجبين الحقيقة الفظيعة المتعلقة بالاعتداء على سلطة الشعب وارادته وبالتالي السيادة الوطنية في عمقها البعيد.. تقرير دائرة المحاسبات المكون من 56 صفحة (قرأته في اقل من 40 دقيقة، لمن يريد قراءته لا يأخذ وقتا طويلا).. كان فارغا الحقيقة.. بل اجوف وخاويا مثل فؤاد ام موسى.. وعلى طريقة "البوز" كان لزاما رمي عظم المواضيع الذي ركز عليها الاعلام الفاسد.. وللاشارة فان مراقبة شرعية وشفافية تمويل الحملات الانتخابية ومصادرها واوجه التصرف فيها هي من مسؤوليات عديد الاطراف اهمها البنك المركزي ودائرة المحاسبات و"الايزي" والقضاء (النيابة العمومية والضابطة العدلية) دون نسيان "الهيكا" المعنية بالرقابة على الاعلام (الاشهار المباشر والمقنّع) والادارة العامة للجمعيات برئاسة الحكومة فيما يخص تمويل الجمعيات وتدخلها في حملات المترشحين.. وكلها كانت تقريبا تفتقد بل منعدمة "المخالب".. فلا هي وفرت لها الوسائل.. ولا تم تكوينها للغرض.. ولا تم تكليفها بوضوح لان القانون لم تطلع عليه عديد الاطراف.. ويبدو واضحا تعمد هذا الامر الخطير.. الذي قاد لتزييف ثابت للانتخابات.. اقرته دائرة المحاسبات بطريقة ضمنية كما في التشريعية بتصريحها ب"محدودية منظومة الرقابة على التمويل الاجنبي وارتفاع مستوى المخاطر المتعلقة بمشروعية مصادر تمويل الحملة الانتخابية الرئاسية".. وميدانيا الكل عاين على الملأ توزيع "المساعدات" (الرشاوى) قبل واثناء الحملات ويوم الانتخابات.. وشراء الذمم كان صارخا.. الا الاطراف المعنية لم تلمحه.. وواضح انه تم نزع "مخالبها".. واعفائها من مسؤولية جلية للقيام بهذه الوظيفة الحساسة والدقيقة.. والتي جعلت ارادة وسلطة الشعب تدلس.. وتضرب الديمقراطية في عمقها بعد ان دفع عليها مئات الشباب في ثورة الحرية حياتهم والاف المناضلين حياتهم وكل غال عندهم من اجل ارسائها.. منذ الاستقلال وقبل ذلك بكثير اثناء مقاومة المستعمر.. والاعلام دعم احد المترشحين بجلاء (السبسي) غضت عنه "الايزي" و"الهيكا" النظر وابى الرجل "الصريج" نبيل القروي "مشكورا" الا ان يكشفه على الملأ في عملية تصفية حساب داخل الحزب الحاكم شبيهة بافلام المافيا.. وطبعا لا فائدة في التذكير بالاشهار المباشر والمقنّع في الصدد.. وخرق الصمت الانتخابي واشهار سبر الاراء لفائدة مترشح رموز الفساد المالي وقد شهد بن تيشة على تمويلهم لنداء الرئيس الحالي.. وطبعا اليوم "اهل الجميل" يرد الجميل ل"اصحابه".. ومشروع قانون المصالحة المغشوشة هو الثمن.. والتمويلات كانت مختلفة وممنوعة.. من الذوات المعنوية ومن الخارج ومن مصادر مجهولة ومن مصادر غير مشروعة ومن غسيل اموال وتمويل مقنّع.. يعني كل الخروقات القانونية.. وطبعا تم التخطيط والبرمجة ان لا يتم تسجيل كل الجرائم.. والحقيقة ان اختزال الجرائم الانتخابية في الانتخابات الرئاسية من ناحية وفي وجود شبهات التمويل لجمعيتين وضخ بضع مليارات في حساب احد المترشحين هو عملية تزييف وطمس للحقيقة وتدليس للتاريخ.. وتدعيم للامر الواقع.. وترسيخ للافلات من العقاب وحماية وتحصين للمجرمين.. وما علق بالتشريعية من خروقات كان الافدح لانها هي التي رسمت المشهد السياسي في شكله العريض.. والتزكيات المدلسة سواء بشراء الاصوات او باستعمال قوائم وبيانات اعلامية سرقت من ادارات ومؤسسات وحتى من "الايزي".. هذه ايضا لا يقع التركيز عليها ويقع طمسها.. برغم خطورتها العالية.. والقضايا المتعلقة بها لازالت تترنح.. والارهاب الذي كان "تحت الطلب" لدعم المترشح (السبسي) الذي بنى حملته على تهويله.. وسانده الاعلام فيه بقوة وشراسة لامتناهية.. هو ايضا لم يقع البحث في تمويلاته الاجنبية.. وحتى الداخلية والتي زيفت ارادة الشعب.. الاعلام الذي شوه منافس السبسي الرئيسي وهو ما يعتبر اشهارا سياسيا شديد التاثير.. ولم تقم "الايزي" بما يلزم في الصدد.. هذا الاعلام الذي تفنن في مفاهيم "التصويت العقابي" vote sanction و"التصويت المفيد" vote utile لحشد الاغلبية للسبسي والنداء.. وجد "هيكا" جامدة تساير الوضع دون تدخل حاسم.. وكانت شاهد زوز "عظيم" على اكبر عملية تزوير في التاريخ.. سيظل الشعب والوطن يعاني من اثارها الفادحة لسنين!!