أبو مازن الى وزارة النمط الديني: اتقوا الله و اتعظوا بالأخزوري الذي خطب فقلّل من شأن الأذان وكان ما لم يكن في الحسبان فهوى نظام بأكمله ففرّ رأسه و بقيت بعض أعضائه لتحاول الكرة وليس في كل مرة تسلم الجرة. كنتم مع المخلوع مسموعي الصوت ولكنكم لم تغيّروا الواقع المعيشي قيد أنملة ولم تصلحوا أمر الحاكم والمحكوم حتى استشهد ثلاثمائة أو يزيد من أبناء هذا الوطن و بعضكم يخطب على الايثار و عيد الشجرة و التضامن ويدعو بالنصر على الأعداء الملثمين الذين كتبوا بدمائهم دستور الجمهورية الثانية. أهل مدينة صفاقس ملتصقون بأئمتهم الى أبعد الحدود وهم الذين يراجعونهم في صلوات اليوم ويوم الجمعة حين يصعدون المنابر فيخطبون خطاب الاعتدال والحث على الفلاح في الدنيا والآخرة. لم يسمعوا منكرا او دعوة لتطرف على أرض الواقع ولكن الاعلام شوه المسامع و بدل الحقائق فتاه أهل المدينة بين ما تراه أعينهم رأي العين في المساجد وما تسمع آذانهم في منابر الاعلام المغرضة. أهل المدينة والولاية عموما أقل حظا في الارهاب و المساجد الخارجة تحت السيطرة أيام زمان وذلك لحسن تعامل السلط القائمة و الائمة مع جموع الشباب التائه فاحتوت معظمهم قبل أن تعبث يد الدمغجة الدعشوشية بعقولهم فسلّم الله المدينة من القلاقل وسلّم البلاد من الفتن. لصفاقس يا كرام سور يترجم شموخ وأنفة أهلها و تعلقهم الشديد بالمحافظة على الهوية والدين في سابق العصور و أيام الاستعمار. ذلك السور الذي أرهق المستعمر لما ولج أرض تونس فكانت آخر المدن سقوطا لما اشتغلت الوشاية والخديعة. صار لصفاقس سور ثان بعد الثورة لما منعت مسيرة الأئمة اعلان الاضراب العام ولما طالبت بالتنصيص على الهوية الاسلامية العربية في الدستور و مجابهة أفكار الدولة اللائكية الصرفة التي استقدمت من الغرب. لصفاقس أئمة اعتدال ذوو معرفة وشهائد وتكوين زيتوني لا يزايد أحد على مالكيتهم وأشعريتهم ولكن شيوخ التخميرة بارعون في قلب الحقائق و تخويف الناس من الفتن الدينية التي لم تعترض تونس أصلا على مدى تاريخها. أئمة صفاقس على موعد مع نشاط جديد لجمعيتهم التي جعلت خطبة اليوم مقتضبة و مذكرة أن المساجد لله احتجاجا على منطق العزل لأجل الترتيبات المسجدية التي لا يعلم لها أحد تفسيرا غير وزارة النمط الديني. هؤلاء قوم يتجنبون النقاش و الاقناع و يتجاوزون القوانين المنظمة و يتصرفون كما لو كانت تونس لم تشهد ثورة ولم تغيّر دستورها و يتناسون وجود برلمان مختلف التركيبة السياسية على ما كانت عليه تونس قبل الثورة. مشائخ التخميرة خرجوا من المقصورات والزوايا لينفثوا تمتماتهم و تعويذاتهم و ينشروا رقصاتهم "الخمّورية" ثم يجعلون كل ذلك المظهر السوي للاسلام "التونسي". أين هؤلاء مما ترك لنا الشيخ العلامة محمد الطاهر بن عاشور مطور علم المقاصد، كم كتبوا في هذا الميدان، للأسف كتب الدكتور الشيخ نور الدين الخادمي أكثر من كتبهم لو اجتمعت. سور صفاقس الثاني لا تناله سهام طرق الشعوذة و الطوائف الدخيلة المتزوتنة البعيدة كل البعد على سماحة الزيتونة. فلو كان خيرا في الماضي لحافظ على الزيتونة ونشر علوم مشائخها كما فعل القائمون على القرويين والأزهر فتقام لهم المدارس و تلج علومهم المناهج ولكنهم كانوا كاذبين بالأمس واليوم فتفطن أئمة صفاقس لذلك الخطر وحذروا منه فكانوا هدفا لاعلام العار. الخير الخير في ترك المدينة آمنة بمساجدها و متأصلة في هويتها الفقهية والعقائدية والفكرية التي حددتها مئات الأعوام ولن تغيرها وهابية ولا حبشية ولا قادرية ولا غيرها مما ورد على بلادنا من الخارج.