بشغف بالغ تنتظر الساحة الثقافية التونسية عرض الشريط الوثائقي الحدث "الصفر" الذي تردد صداه هذه الأيام في نيودلهي العاصمة الهندية. الشريط من اخراح نضال شطا المعروف عنه التزامه وجرأته في مقاربة أعماله لقضايا عصره وربطها بارثها الفكري والحضاري بأسلوب فني راق. وفي تحد فريد من نوعه اختار أن يطلق أخر أعماله من "بوليود" ثاني أهم تجمع لصناعة السينما في العالم بعد هوليود، حيث تم هذه الأيام عرض شريطه "الصفر" في بادرة هي الأولى من نوعها بالنسبة إلى السينما التونسية ووسط احتفاء باهر من السينمائيين والإعلاميين الهنود. خاصة وان الهند تعتبر الحاضنة التاريخية لهذا الرقم السحري والأشهر على الإطلاق كما تكمن جرأة المخرج وتحديه في اختيار الموضوع الذي يسبر أغوار رقم الصفر، ويفكك تعقيداته ورموزه الدينية والعلمية والفلسفية في رحلة شيقة عبر المكان والزمان بأسلوب مشوق يصطحب فيها الأب (هشام رستم) ابنه الصبي "الطلعة" لحظة حيرة وجودية في سن يخضع فيها كل شيء للمسائلة....بما في ذلك رقم "صفر" المدهش....أكثر الأرقام شهرة وغرابة وروعة. ويحاول الأب أن يقدم أجوبة ترفع الحجاب "عن الصفر" بأسلوب مبسط وجميل وشيق يجمع بين استقراء الوثائق التاريخية وتحليل الخبراء المختصين واستنطاق الآثار وذاكرة الأمكنة التي كانت مسرحا لظهور الصفر وتطوره وارتداده وقوة دفعه. وبحبكة درامية متينة وإخراج سينمائي عالي الجودة يسافر المخرج نضال شطا بالمشاهد عبر مختلف الحضارات في إنتاجها وتفاعلها مع هذا الرقم السحري... عبر الحضارات البابلية والإغريقية والهندية والعربية الإسلامية والغربية، والذي تطور من مجرد تسهيل للحساب بالدلالة على معنى اللا شيء وملء المنزلة الخالية لحفظ ترتيب المنازل، إلى تسخيره ليكون قلب التقنية والعلوم الحديثة وأساس ما بلغته الحضارة المادية اليوم. وبين هذا وذاك يخوض الشريط في الأبعاد الميتافيزيقية "للصفر" في مراوحتها بين المبتدى والمنتهى وبين اللانهاية واللاشيء وبين الكل والعدم، وكيف أدى اكتشافه إلى زعزعة الثوابت والمسلمات الدينية والفلسفية والعلمية. وفضلا عن تفرد المقاربة العلمية والفكرية للموضوع وجمالية المعالجة السينمائية لفكرة هي اقرب للتجرد، يعود الفضل لتميز الشريط قدرة المخرج نضال شطا على إحاطة نفسه بفريق عمل متجانس فكريا وإبداعيا، حيث نطالع اسم فريد مميش احد المساهمين في الإنتاج، وهو شخصية تفضل العمل بعيدا عن الأضواء غير أن بصماتها جلية على الساحة السينمائية حيث خاض تجربة الإنتاج لأعمال تتسم بالرقي على ندرتها، فالرجل ولئن ولج الساحة السينمائية من باب الهواية إنما يحمل في جرابه رؤية ومشروعا لدور السينما في الارتقاء الفكري والثقافي والنهوض الاجتماعي يستمده من تكوينه الأكاديمي في الحقوق والفلسفة والصحافة في الجامعات الفرنسية ومن نضاله السياسي لترسيخ قيم الديمقراطية والحرية و لرضا الغرياني و دومنيك ليسناي Dominique LAISNEY أيضا دور بارز و هام في إنتاج الشريط الوثائقي الصفر الذي شهد يوم 9 أكتوبرالجاري ولادته الأولى في بوليود وحتى نرتقي إلى "الصفر" يستفز الشريط ملكة النقد ويغذي الحيرة المعرفية ويحثها على عدم الاستكانة للثوابت والمسلمات وإعمال الفكر والسؤال الدائم لفهم الوجود .....ولقصة "الصفر" تجربة تحتذى Publié le: 2015-10-13 09:54:12
