أبو مازن الوحدة الوطنية المطلوبة في ظرف عصيب كالذي نعيشه أضحت مجال جدال و تسجيل نقاط بالسلب و الايجاب. كذلك ارتأت الجبهة وساندها في ذلك المسار اذ تعترض هذه التشكيلات و هي من صنف "الاثنان في واحد" على عقد مؤتمر وطني أو اقليمي ضد الارهاب. يحتج الفريقان على انعقاد هذا المؤتمر رغم ضعف مردودهم الانتخابي و فراغ الجعبة السياسية من البرامج الواضحة المعالم لأوضاعنا المتردية اقتصاديا وسياسيا و أمنيا و اجتماعيا. يقنعك أحدهم أنه لا يقدر أن يمدّ يده لمن تلطخت أيديهم بدماء الشهداء ومارسوا الارهاب فتطالبه بالأسماء فلا يقدم لك اسما واحدا و تطالبه بالأحكام القضائية أو محاضر البحث فيرتاب و يصيح من قتل شكري ومن قتل الحاج البراهمي وبقية الشهداء رحمهم الله. لا يعلم المتابع لمثل هذا الكلام ان كان ما يقال على قارعة التلفزة هو مجرد خواطر أو تلفيقا أو عنادا من باب "معيز ولو طاروا". يجتهد منتسبو الترويكا الى تقديم التوضيح في كل مرة و أنّ القضاء قد استدعاهم كمجرد شهود ولكنهم يصرّون و يبتّون في الأحكام قبل أن يصدرها القاضي بل قد يشيرون في بعض الأحيان أنّ اتفاقا قد عقد بين الحزبين الكبيرين في البلاد على غضّ الطرف مقابل الهدوء والاستقرار. يحتار المواطن البسيط و يتيه مع هؤلاء السياسيين الذين يتفردون بهذه البضاعة فيطالبون العدالة بالقبض على الفاعلين السياسيين و يخرسون لما صاح بن غربية في لحظة انكسار أنه يملك حقيقة الاغتيالات و تأزم المرحلة الانتقالية أيام الترويكا و الأيام التي تلتها. لم يطالبوا ولو بتصريح واحد سماع هذا الادعاء ثم غضّوا الطرف نهائيا عنه لمّا عاد وصرّح المسكين بأنه كان تحت ضغط نفسي رهيب. هنا دبّ الشك في نفس المواطن فعلم يقينا أن الجماعة يقتاتون من مثل هذا القول والصنيع فكذلك تبقى نار كسرى مستعرة و يبقي الكاهن على منصبه في المعارضة. يحتار المواطن أيضا حين يلحظ بأمّ عينيه تناغم مواقف الأحزاب الأولى في البلاد بعد ما جدّ من ألم و حزن للمؤسسة الأمنية و ما كان يمكن أن يصيب الرئاسة وكافة البلاد من ويلات جراء هذا العمل الاجرامي الشنيع. ولكنه يشعر في نفس الوقت أن جماعة الماعز الذي يطير يغردون خارج السرب و يروون قصيصات علاء الدين و المصباح والعفريت حين يلوّحون بأنّ الارهاب متواجد في مجلس النواب و أنّ ازدواجية الخطاب هو أعتى أسلحة هذه الأحزاب. ولعل رفت أو تجميد عضوية بن فضل في مجلس أمناء الجبهة أكبر دليل لمثل هذا التعصب الأعمى و الدكتاتورية اليسارية الموعودة التي تتخذ قاعدة "ان لم تكن معي فأنت ضدي". لم يعلم القوم الى اليوم أنّ سجال الجامعة في أواخر السبعينات والثمانيات بات من الماضي البعيد و أضحى أثرا تاريخيا قد ينفع في اتخاذ المواقف المعتدلة المجمعة للتونسيين تحت لواء الحرية والكرامة في كنف الديمقراطية الناشئة. لم يقدروا على التخلي عن تلك المتاهات الايدولوجية أين ينظر للمتدين امّا درويشا أو متطرفا و أنّ دكتاتورية العلمانية هي المخلّص من الفقر والجهل لهذا الشعب. القوم يرفضون كل ما استرابوا في أمر يحمل صفة اسلامية فلا صكوك ولا جمعيات خيرية ولا خطب للأئمة في الشأن العام و لا املاء قرآني في اطار قانوني. كل هذا يمثل لهم الخطر الكبير على الماعز الذي يحلق في الفضاء في أذهانهم فيزبدون و يرعدون و يولولون بصوت عال في الاعلام أن الخطر حر طليق و يرتع في مجلس النواب. لن تبنى الجمهورية الثانية بأضغاث الأحلام و لن ترقى البرامج الى اقناع المواطنين بالتصويت اذا ما انحصرت في ترهات الايديولوجيا فروجت للحقد والكره والتقسيم و التفتيت للمجتمع التونسي المتأصل في هويته وتقاليده و حضارته و نمطه الاجتماعي. Publié le: 2015-11-27 00:30:00