أبو مازن أزمة سياسية و دستورية باتت تتعمق أكثر فأكثر لا سيما بعد عزم رئيس الحكومة الحالي الذهاب الى البرلمان لتجديد أو سحب الثقة. أزمة دستورية انطلقت بوادرها من مراوغة لرئيس الجمهورية أراد فيها محاكاة الماضي بعد شبه اقتناع أن الصيد مجرد وزير أول وأن النظام شبه رئاسي. لعل التململ على الدستور كان واضحا قبل الانتخابات في عديد التصريحات من هنا وهناك حتى أن المواطن لم يجد مصدّقا لما حُبّر بالمجلس التأسيسي غير نوابه وبعض أتباعهم السياسيين. هل ارتقى فعلا المواطن التونسي و المسؤول الجهوي و الحكومي الى المعاني التي تضمنها الدستور الجديد الذي صادقت عليه أغلبية ساحقة من نواب الشعب؟ الصيد قبل أن يكون رئيسا للحكومة هو موظف و اطار سامي لدى الدولة التونسية لم تكد تصيبه على حد علم المواطن المراقب للوضع تهم تورطه في ماضي المخلوع الأسود بل اشتغل مع عدد من الحكومات المتعاقبة قبل وبعد الثورة وتنقل بين وزارة الداخلية والاستشارة لدى الحكومة الى حد تكليفه بقيادة الحكومة الحالية. الصيد وان لم يكن له نجاحات اقتصادية او اجتماعية كبرى الا أنه ، بشهادة الجميع، أعاد نوعا من استقرار الأمن و مكافحة الجريمة. ولا ننسى في هذا المضمار الضربات الاستباقية الناجحة للارهاب المعشش داخل المدن وعلى الحدود الجبلية والصحراوية. ولعل مثال "حرب بنقردان" ضد الارهاب تبقى النجاح المحقق لاستراتيجية الحكومة في دحر الاجرام الداعشي التكفيري في هذه الربوع. الصيد كان حل الوسط أيضا ساعة اختلاف مكونات المجلس النيابي المنتخب على اسم القيادة العامة للائتلاف السياسي المزمع تكوينه وقتها؟ لا تنسوا أيضا ان النداء هو من طرح اسمه فأيقن الجميع أن الرجل يتحمل مسؤولية التكليف وينقاد الى سياسات الحزب الحاكم صاحب الأغلبية في ذلك الوقت. ما الذي تغيّر حتى يطالب النداء بتغيير رئيس الحكومة فتتنصل النهضة أول الأمر من ذلك الطلب ثم تساير الحال على مضض وكأنها لا زالت تعول على عنصر المفاجأة و "وقفة الزنقة عند الهارب". النداء راغب في تنفيذ برنامجه الذي كتبه مائة وعشرون خبيرا بعد سنة من تعهد الصيد بتنفيذه بحذافيره. و لكن النداء لم يعد نداء بسب طيش نوابه ودخولهم بوتقة الفعل ورد الفعل فانقسم فرقا وكتلا بل وصار النائب يشترى في الصباح ليباع في المساء فهو رحالة على مدى شهور لا يكاد يستقر في مكانه وفي كتلته ويلتزم بسياسات حزبه. ماذا ترك النداء للصيد حتى يتّبع أهواءهم؟ ما الذي اتفق عليه النداء حتى يحاسب ويلام الصيد. لقد كان الحزب الفائز بطرقه الخاصة صولات قبل الانتخابات حتى خال الجميع أن الماضي بأسوده وبعض أبيضه عائد لا محالة ولكنها كانت مجرد نوستالجيا انتخابية لم تتجاوز تاريخ الرابع والعشرين من أكتوبر أين أيقن حزب النداء أنه مقيد بدستور لا يمكن له الايقاع به و بنسبة تكاد تجاوز الثلث بقليل من أصوات الناخبين و بأسقام اجتماعية واقتصادية لا تداويها الخطابات والفهلوة البلاغية للرئيس ولمعاونيه ولقائد حملته ولكافة الفريق الذي تعب لنيل أغلبية مطلقة في البرلمان فلم يحالفه الحظ المنكود. أمّا اذا تركنا نواب النداء و من خرج عنهم تائهون في أمرهم المحيّر فاننا سنصدم بمواقف مختلفة بعضها يصب في استعجال انتخابات تشريعية جديدة لا نملك المال و لا العتاد لادارتها في أقرب الآجال والتي قطعا سترمي بنفس النتائج تقريبا. تلك كتل قليلة العدد يطمح بعضها الولوج الى الحكومة و يطمع البعض الآخر في تحسين رصيده الانتخابي ليفوز بمقعد أو مقعدين في لاحق المواعيد. اذن من يملك الحل؟ النهضة بكتلتها الكبيرة نسبيا والتي تملك الثلث المعطل لسحب الثقة والتي عرفت أيضا بالتزامها المبدئي بوحدة التصويت لا تملك أيضا حلا سحريا لهذه المعضلة الدستورية فهي تتقلب بين الوفاء لرئيس الجمهورية الحليف الأساسي لها في الحكم و بين أبنائه الذين انفضوا من حوله. النهضة أيضا لن تربح كثيرا سياسيا اذا تخلت عن الصيد مقابل المشاركة في الحكم بعدد أكبر من الوزراء. ستعصف بهذه الحكومة منذ الوهلة الأولى القلاقل الداخلية في الائتلاف فما بقي من النداء مستعد ان يتجزأ في أي لحظة و القلاقل الخارجية التي تجعل عدد المعارضين يزداد لما كان لبعض المعارضين من احترام وتقدير لشخص الصيد في نزاهته و وطنيته. لعل الحل الأنسب الذي يجنب البلاد مآزق سياسية هي في غنى عنها لا سيما وضعها الاقتصادي المتردي هو التوفيق بين مبادرة رئيس الجمهورية بعد اعتبارها مجرد فكرة قابلة للتطوير و تغيير حكومي شامل يحتفظ فيه الصيد بالقيادة. هنالك سيكون قطع الطريق أمام اللوبيات المالية المركزية و الجهوية المتنفذة في صياغة القرار الوطني فترتدع لحين وتعلم علم اليقين أن الدستور الجديد يحتم عليها القبول بقواعد لعبة جديدة. ولا يكون هذا الأمر الا بتصويت على تجديد الثقة يتجاوز على الأقل المائة والعشرين حتى يحفظ رئيس الحكومة جانبا من المصداقية لقراراته. أما انقسام الأصوات لصالح الصيد أو ضده ليظفر او يخسر حقيبته بصوت أو صوتين فسيزيد الاحتجاجات التهابا وسيسرّع نسق الاعتصامات اذا علمنا أن لنا باع في هذا الأمر لا سيما في جو اقليمي يتسم بالعبث بمقدرات الشعوب واستقرارهم وامنهم. كما أن انحدار الأصوات الى عدد هزيل لصالح الصيد سيحرك مشاعر اللاثقة في السياسيين عموما والنواب خصوصا لا سيما وانّ الصيد بات يتمتع بشعبية شبه محترمة أيدها انتصاره للدستور وعدم رضوخه الى غباوة أهل المال والأعمال والتهديد والوعيد.