يقول زعيم الجمهوريين "توم دي لاري" إن الله وضع "بوش" في البيت الأبيض لكي يغير العالم بما يتوافق مع الرؤى التوراتية. من المهم أن نعرف أن الرئيس الأمريكي الثالث والأربعين في تاريخ الولاياتالمتحدة, منذ جلوسه على كرسي الحكم في واشنطن, لا يمكن أن يبدأ عقد أي اجتماع يدعو إليه أعضاء حكومته إلا بعد أن (يُصلّي)!. اليوم, يلحظ المراقبون والمحللون, هنا وهناك, أن لغة "الدين" و"العناية الإلهية", تطغى, بشكل لافت, على خطابات بوش السياسية, كما هو شأن خطابه الأخير "حال الاتحاد", ما حمل صحفيا فرنسيا في "لوموند" على الكتابة: "إنه فعلا صراع حضارات ولكن بين أوروبا والولاياتالمتحدة", وفقا لما نقله "مارك صايغ" عن الانطباع الغريب الذي خلفه ذلك الزخم الديني في كلمة الرئيس الأمريكي على مواطنين أوروبيين عاشوا في دول علمانية منذ أكثر من قرن, وهي الملاحظة الذكية التي انطلق منها مسؤول القسم السمعي - البصري لصحيفة لوموند في كتابة تعليقه. في المقابل, أي في بغداد, لا يكاد يخلو خطاب أو كلمة يلقيها الرئيس العراقي من مثل هذا النوع من "التبشير الديني" وإن اختلفت الأساليب وتباينت المنطلقات. فهو, أعني صدام حسين, مرة يعلو صوته مقسما بالله قبل أن يسكت لثوان, ربما ليرمز, من خلالها, إلى هيبة قسمه وجلاله وتوقير المقسِم للمقسَم به, وأخرى يستشهد بآيات من القرآن الكريم مستدلا على يقينه بنصرة الله له ودحره أعداء الدين داعيا إلى مضيهم في الجهاد ضدهم. هو الآخر, من مكان ما على هذه الأرض, يدفع بصوته إلى الظهور على المشهد, على المسرح, تحمله رسائل تنسب إليه, كالرسالة (المبثوثة) أول أيام عيد الأضحى المبارك, من فضاء "قطر" عبر جزيرته التلفزيونية, حيث مازال بن لادن" يدعو, باسم الله, إلى استباحة دم ومال الأعداء الكفار, أمريكيين غربيين كانوا أم عربا, وباسم الله (يكفِّر)كل من يخالف نهجه ولا يقتنع بفكر تنظيمه, من الحكام العرب والمسلمين على السواء, في إشارة إلى أن تنظيم القاعدة وما يقوم عليه من أفكار وركائز ومنهج إنما هو منهج الإسلام, وكل قول غير ذلك هو كفر وضلال. باسم الله أيضا يحرض "بن لادن" شباب العراق وشباب الأمة ومستقبلها على (الانتحار) وتفجير أنفسهم وإزهاقها - (ياللبشاعة) - مفتيا بأن الله يبارك هذه الأعمال, كأنما الله هو من يوحي إليه بهذا! كما أن زعيم تنظيم القاعدة لا ينسى أن يهب العراقيين شيئا من خططه الحربية, كحفر الخنادق واستدراج الخصم إلى حرب المدن, ما يمكن النظام العراقي من الصمود وتطويل المعركة ومن ثم الظفر بالنصر في نهاية المطاف. وبن لادن إذ يبادر ويعرض خططه القتالية لمن يعدُّهم اشتراكيين وكفارا, فإنه لا يرتد عن فكرته ونهجه, إنما التقاء المصالح, كما يقول, هو ما يجيز ويبيح له تعاونا كهذا, على الرغم من أنه لا يتعاون مع العراقيين في هذه الحالة, بل إن رسالته الأخيرة, في توقيتها وفي أجزاء مباشرة منها, تقدم عاملا يدعم الأمريكيين, بقوة, ويسرع من خطواتهم المستعرة نحو الحرب الموعودة. غير أن هذا موضوع آخر, تماما كما هو الحديث عن تناقض صارخ وتخبط واضح في فكر زعيم تنظيم القاعدة الذي سبق له أن أعلن اعتراضه مسوقا عدم الشرعية الدينية للتحالف السعودي مع أمريكا أيام أزمة الخليج الثانية مطلع التسعينيات الميلادية من القرن الماضي, فلم ينظر بن لادن حينها إلى المصالح المشتركة. مرة أخرى أقول بأن هذا حديث آخر لا علاقة له بما أرادته سطور الكاتب وهدفت إليه لعلي أكمل غدا.