مهدي عطية عندما تأتي زيارة الوزير الأول الفرنسي بعد أيام قليلة من تحركات ديبلوماسية جبارة نحو الشريك الإستراتيجي قطر و الدعم السخي و العائدات الثقيلة من تلك الزيارة عندما يرتفع حجم التبادل التجاري لتونس مع دول آسيوية كالصين و ترتفع نسبة صادرات الغلال التونسية بنسبة 75% نحو دول الخليج و عندما تعقد تونس صفقة للحصول على طائرات البيرقدار التركية لتضمن التفوق الجوي في مجال الاستطلاع الجوي العسكري و عندما تعقد عشرات الاجتماعات الرسمية بين مسؤولين من الجارتين تونس و ليبيا و توقع عشرات عقود الشراكة بين الدولتين و أضعافها عقود استثمارية بين مستثمرين من البلدين في بضعة أيام بين طرابلس و جربة و عندما يتدفق عشرات العمال نحو المعابر الحدودية التي تشهد حركية تجارية ضخمة قد تصبح عملاقة في صورة فتح المزيد من المعابر الحدودية أمام تنقل المسافرين و البضائع و عندما تتلقى تونس وعودا بهبات ضخمة من دولتين شقيقتين تحميانها من صندوق النهب الدولي قدر الإمكان و من إملائاته و حين يتحدث السفير الأمريكي عن تونس كبوابة لإفريقيا و عندما يتحدث رئيس الحكومة الليبية عن ألمانيا و أمريكا و تركيا و الصين و تونس و مصر كدول ذات أولوية في الحصول على عقود إعمار ضخمة حينها سنفهم السبب الحقيقي لهذه الزيارة الديبلوماسية الوازنة التي اقتنعت معها فرنسا أن المعادلة تغيرت و أن البوابة التونسية لم تعد مستعمرة فرنسية رغم أذرعها القديمة و العديدة بل قوة تتشكل في قلب معادلة إقليمية تعددت أطرافها مساعدات اقتصادية و طبية و منحات جامعية و إتفاقيات تعرف فرنسا أنها تحمي جزءا من مصالحها و نفوذها المتآكل في تونس و لكنها هذه المرة فيها إقرار رسمي و ضمني و اعتراف و لو جزئي بالسيادة التونسية التي فرضها الواقع الجديد للمنطقة .... و حين نسمع كاسيوس يتحدث عن تونس كالوجهة الأولى للسياح الفرنسيين و المستثمرين الفرنسيين نفهم مقدار العجز الفرنسي أمام الواقع التونسي الجديد و مقدار ما يمكن أن تقدمه فرنسا للحفاظ على جزء من ثقلها في تونس و مراهنتها على تونس كشريك استراتيجي لدخول السوق الليبية التي خسرتها بوقوفها في المعسكر الخاسر في البداية و هو سر دعوة رئيس منظمة الأعراف أن تكون تونس بوابة فرنسا نحو تونس مقابل شراكات بين بين مستثمرين من تونس و فرنسا... و عندما تسارع شركة تكنولوجية لعقد إتفاقية مع مارد الفضاء التونسي تالنات للإستفادة من خبرته في تكنولوجيا الفضاء و إرساء شراكة لصناعة عشرات الأقمار الصناعية في إنترنت الأشياء تفهم تغيير الديبلوماسية الفرنسية لسياستها بعد الهزيمة الساحقة في ليبيا و مراهنتها على تونس من باب الشراكة الندية و المصالح المشتركة المتوازنة و تفهم أن حتى دولة تسعى للهروب من الإفلاس و تجاوز أزمة إقتصادية خانقة كتونس قد تكون رقما صعبا في المعادلة الإقليمية إن امتلكت ديبلوماسية اقتصادية نشيطة و شخصيات وازنة تجوب العواصم و تؤسس الشراكات الإستراتيجية بحثا عن الحلول و جلب الإستثمارات و الأموال بعيدا عن الخطب الإنشائية الجوفاء...