"ليصمت كل شيء هنا ,هذه الجمعة ,أغاني الرعاة ,آذان الصلاة قل لهم :لا تصلوا ولا تقرؤوا الفاتحة هذه الجمعة, وقفوا مثل ما يقف التونسيون والتونسيات هذه الجمعة رتلوا :الحمد للشمس وهو يكورها في يديه, نحن منه إذ نكون عليه ,رتلوا صامتين رتلوا :الحمد للأرض وهو يدور بها ويدور في يديه". لقد حسبت وانأ استمع على صفحات الفايسبوك للشاعر الذي يلقي هذه القصيدة وردة الفعل الهستيرية للجماهير بعد الانتهاء منها وكأنني في إحدى المحافل الماسونية أو الإلحادية أو في إحدى احتفالات عبدة الشيطان ولكن دهشتي كانت عظيمة وبلغ مني الاستغراب ما بلغ عندما اكتشفت أن هذه قصيدة للشاعر منصف لوهايبي وهو شاعر تونسي من أبناء جلدتنا وعضو فاعل في حركة التجديد القي قصيدته المثيرة للجدل في اجتماع عام أقامته الحركة بمدينة صفاقس. لا تلوموني على إحساسي بالحنق والغضب وعلى استغرابي الكبير فالحداثة لم تسيطر علي لدرجة أن تتبلد مشاعري وان يصبح الاعتداء على الذات الالاهية فنا مقدسا وجب احترامه وان كل من يخالف ذلك وينتقد هذا العمل بمرجعية دينية وأخلاقية ينعت بكل النعوت من الجهل والتخلف والرجعية إلى آخره من العبارات المتكلسة والقوالب الجاهزة من قبل من صنفوا أنفسهم أوصياء على الفكر والحداثة. . دعوني أقول أن البعض و"ليس الأغلبية من حسن الحظ" صدموني بتعليقاتهم على تلك القصيدة أكثر من القصيدة نفسها فهم يعتبرون أن ذلك من حرية التعبير وأنها تندرج في إطار حرية المعتقد ناسين بذلك ان تونس دولة عربية مسلمة ترفض الاعتداء على العقيدة وان هنالك قوانين زجرية تجرم بالسجن كل من يعمل على ازدراء الأديان والتحقير من المقدسات و اهانة الذات الالاهية أو التبشير المنظم بالإلحاد. لم اقصد من وراء هذا الكلام التحامل على حزب معين حتى لا يلومني أنصاره ولكن ما صدر عن هذا الحزب في ذلك المؤتمر يضرب عرض الحائط كل التعهدات التي قطعها بالحفاظ على هوية الدولة وعوض أن ينتقدني أنصار حركة التجديد عليهم ان يلوموا قيادات حزبهم فان كنتم تنتقدون بعض الأحزاب وتعتبرونها مستغلة للدين لأغراض سياسية لان الخطاب الديني يمتلك من القدرة على الاستقطاب ما لم يملكه خطاب آخر فانه من الغباء السياسي ان يلتجأ حزب إلى قلب تلك المعادلة بان يستهزأ بالدين نفسه و يقوم بالاعتداء على عقيدة شعب اغلبه مؤمنون مهما كانت درجة التزامهم.. هذا الانتحار السياسي لم يتجرا عليه أكثر الأحزاب غلوا في العلمانية ومعاداة الدين كحزب العمال الشيوعي الذي يعمل جاهدا على إعطاء تفسير جديد لكنه مضحك لعبارة ماركس "الدين أفيون الشعوب" لتجميل صورته أمام الشعب التونسي المسلم. لا اعتقد أن غاية الثورة وأهداف الشهداء والثوار ان يتم الاستهزاء بعقيدة شعب ينتظر ان تحل مشاكله لا أن يهان دينه على الملا وفي اجتماع حزب حرره هذا الشعب المؤمن يوم الجمعة 14 جانفي يوم هروب المخلوع. ما نقوله هو دفاع على عقيدة الشعب الذي لم يستطع النظام المخلوع طمسها طوال أكثر من عقدين بإتباع سياسة تجفيف المنابع والسماح لأصحاب النفوس المريضة بمحاولة التصدي للخطاب الديني المتصاعد ولكن لا جدوى, ما نقوله هو كذلك تحذير كي لا يستفز خطاب حركة التجديد او غيره مشاعر المجتمع فيضطر متطرفوه إلى الرد بطريقة عشوائية, ما نقوله هو دفاع عن دور مساجدنا كي لا ندخله يوما لنسمع خطبة عن الشيخ أو "الصحابي الجليل" ماركس بعنوان "الدين أفيون الشعوب ".