بقلم الأستاذ بولبابة سالم لو شاهد شهداؤنا الأبرار ما يحصل اليوم في تونس لبكوا دما على بلدهم و ما وصلت إليه الطبقة السياسية من انحطاط في الخطاب السياسي و الممارسة الميدانية . حواجز كبيرة في شارع الحبيب بورقيبة لمنع الإحتكاك بين أنصار الحكومة و أنصار المعارضة تذكّرنا بحواجز الميز العنصري رغم تفهّمنا للإحتياطات الأمنية التي اتّخذتها وزارة الداخلية , المئات من رجال الشرطة استعدّوا للحدث و كأنّنا ننتظر ساعة الصفر لبداية المعركة . مشهد مقرف لا يوحي أبدا بالإحتفال بذكرى الشهداء الأبرار الذين ضحّوا بأغلى ما لديهم في حوادث 9 أفريل 1938 . أعياد الشهداء و الإستقلال يجب أن تكونا مناسبات جامعة بين التونسيين لا سببا آخر للفرقة و الإنقسام , الإحتفال هو استحضار لمآثر شهداء الحركة الوطنية من الدغباجي و مصباح الجربوع و علي الفرجاني و غيرهم كثيرون ممّن سقوا بدمائهم الطاهرة تراب الوطن الغالي , هي مناسبة لتتعلّم الأجيال الجديدة تاريخ بلادها و تستمع إلى المؤرّخين و المختصين في مختلف المنابر الإعلامية لتستلهم معاني الوطنية الحقيقية و الفداء من أجل الوطن و مقاومة الإستعمار بعدما كان ذلك مستحيلا في عهد الزعيم بورقيبة الذي غيّب بقيّة المناضلين أو بن علي الذي همّش الجميع . أن نتذكّر ذلك الخطاب النّاري لزعيم الشباب علي بلهوان يوم 8 أفريل وهو يحثّ التونسيين على دحر جنود الإستعمار الفرنسي من بلادهم , لكن يبدو أن تلك الخطب النارية صارت خبزا يوميا بين التونسيين لسبّ و شتم بعضهم البعض في صراع محموم على السلطة يستعمل فيه الكذب و التضليل و المناورة و كل شيء في سبيل محاربة أي خصم سياسي. تعبئة و تجييش من مختلف القوى السياسية و تحضيرات مكثّفة للتلاقي في شارع الحبيب بورقيبة و كلّ يغنّي على ليلاه وسط دهشة المواطن البسيط الذي يتابع ما يجري بسخرية و اشمئزاز حتّى شبّهه بعضهم بصراع الدّيكة , شعارات مندّدة و أخرى مؤيّدة , تبادل للإتّهامات و المصيبة أنّ الجميع ينادي بنبذ العنف وهم يمارسون العنف اللفظي في أبشع معانية , أفليس العنف اللفظي مقدّمة للعنف المادي ؟ أين القادة السياسيون و دورهم في ترشيد أنصارهم ؟ أين التأطير السياسي داخل الأحزاب التي تدعو أغلبها – و يا للغرابة – إلى مؤتمر وطني لنبذ العنف؟ طغت رايات الأحزاب على الرّاية الوطنية وقدسيّة المناسبة لم يقع احترامها . سؤال واحد بقي يؤرّقني وهو : لماذا لم ينطلق الجميع من شارع بورقيبة- بعد تبادل ذلك السّيل من الشتائم- إلى روضة الشهداء للترحّم عليهم ماداموا قد خرجوا من أجلهم ؟ أسأل و أحبّ أن أفهم . لقد طالب الجميع بالحريّة في عهد بن علي , و لمّا هرب بن علي صار الجميع يطالب بالكرسي و نسي الحريّة . فتبّا للكراسي إذا كان ثمنها دماء تسيل و شعب يقاسي , و صدق ذلك المواطن البسيط – و الحكمة تخرج من أفواه البسطاء- عندما قال : "حالتنا متعبة أصل" .