محمد الحمّار قبل أيام، اطلعت بكل ابتهاج وارتياح على خبرٍ مفاده أنّ حمة الهمامي الناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية "يلتقي فريد الباجي" (جريدة "المغرب" بتاريخ 7-2-2014)، الشيخ الذي اقترن اسمه بمعارضة المدّ الوهابي في تونس. و أحمد الله الذي لبى رغبتي القديمة والمعلنة في رؤية زعماء العلمانية واليسار يهتدون إلى سبيل الشعب وشخصيته وهويته وثقافته. لكن كان ابتهاجي وارتياحي نسبيا لأنّ ما يزال المشوار طويلا لكي يتحد اليسار السياسي مع الإسلام. فما أعيبه على حمة الهمامي، الذي احترمه كثيرا بل وأكنّ له حبا صادقا لأنه مناصرُ المسحوقين بحق، هو خلطه بين الإسلام بوصفه ديانة وتعبدا ومناسكا من جهة والإسلام بوصفه تاريخا لأمة ولشعوب بِطُم طميمها، وفكرا متجذرا في الثقافة التونسية من بين ثقافة الشعوب المسلمة الأخرى. كما كنت حاضرا في يوم 7 فيفري بقصر المؤتمرات لمشاركة الجبهة الشعبية إحيائها للذكرى الأولى لاغتيال الزعيم شكري بلعيد رحمة الله عليه. وقد تطرق السيد حمة الهمامي أثناء كلمة ألقاها بالمناسبة إلى لقائه مع الشيخ الباجي قبل يوم. وقال إجمالا إنه اتفق مع الشيخ على أن المشكلة في تونس ليست مشكلة مؤمنين قبالة كفار حيث إنّ المرأة المتحجبة والسافرة مثلا تتعايشان في مجتمع واحد وأنّ المشكلة تتعلق ببرامج التنمية من أجل التقدم الاجتماعي. وقد جدد التعبير عن اتفاقه مع الشيخ - الذي نقلته "المغرب"- والذي مفاده أنّ "الصراع (في تونس) (...) إنما هو صراع سياسي، حتى وإن غلفه البعض بالدين وتحديدا بالوهابية (...) وأنّ مدار هذا الصراع هو: الديمقراطية أم الاستبداد، التقدم أم التخلف (...)". ما أعيبه على حمة الهمامي، واستطرادا على الشيخ فريد الباجي الذي وافقه الرأي، أنهما استفردا بموقف يُلزمهما ويُلزم مَن ناصر الجبهة الشعبية دون سواها أي دون سائر التونسيين وربما دون بقية العالم من مسلمين تواقين إلى التحرر، والحال أنّ كل مثقف حر يتمنى لهاته الجبهة مزيدا من التوحّد والتألق والتوسع والتقدم على درب مناهضة الاستبداد أيًّا كان مأتاه. إن شيخ اليسار وشيخ الإسلام يقعان في نفس الخطأ الذي يعيبانه هما – واليسار العلماني عموما- على الإسلام السياسي وكل من " غلف (الصراع) بالدين". منطقيا، إذا أنت تلوم طرفا على "تغليف" القضية بالدين وبما يتطلبه التغليف من محاولة لمصادرة حرية الآخرين في التديّن من عدمه ومن محاولة لفرض العقيدة الإسلامية عليهم ، فلست مطالبا بالضرورة بأن تقصي الفكر الإسلامي – وهو ليس بالدين- بل ليس من حقك مصادرة هذا الفكر وهو الذي يملكه ال12 مليون نسمة الذين تعدهم البلاد بناءً على أنه جزء لا يتجزّأ من التراث ومن التاريخ ومن الثقافة ومن العقل. بالتالي فإنّ على حمة الهمامي والشيخ فريد الباجي، بما أنهما وقعا في فخ الإقصاء هما بدورهما أن يراجعا موقفهما – الموحّد- وذلك بأن يختلطا بمنابع الفكر الإسلامي، وأعيد وأكرر بأنّ هذا الأخير ليس هو الدين ولا العقيدة ولا الإيمان ولكنه ما مَكثَ من آثار كل ذلك – آثار تتضمن الجيّد و السيئ على حدّ سواء- في عقول التونسيين كافة بعد مرور 15 قرنا من الثقافة الإسلامية، كما أنه الفكر المستحدث الذي يُغزَل يوميا على صفحات الكتب والنشريات وعلى ألسنة الفاعلين في مجال الفكر الإسلامي. واختلاط الرجلين القديرين بمصادر الفكر الإسلامي المعاصر سيكون هو الدليل على أنهما مستعدان لإخراج الصراع من بوتقة الديني وإنزاله منزلته التي يستحق طبقا لنتائج التشخيص الذي قاما به بنفسهما والذي انتهى بهما إلى تصنيف الصراع بأنه سياسي. أي أنّ إسهامهما في نقل الصراع إلى المجال الفكري والسياسي، باعتماد لا بإقصاء الفكر الإسلامي، سيُتوّج حتما بالتأثير على كل طيف تسوّل له نفسه بأن يحشر الديني في السياسي مباشرة ومن دون التصفية والغربلة عبر الفكر عموما. في نهاية المطاف يبقى السؤال مطروحا: هل أنّ قادة اليسار السياسي على غرار حمة الهمامي وكذلك المشايخ على غرار فريد الباجي مهيئون لتلبية هذا الشرط أم أنهم سيتمادون في مطالبة الطرف المقابل بالمراجعة الذاتية من دون أن يراجعوا هُم أنفسهم؟