محمد خليل قموار مرّة أخرى تصدمنا الهيئة العليا للإعلام السمعي البصري بطلعة جديدة و مفاجأة غريبة , بعد أن استبشرنا بندوتها الصحفية التي أعلنت فيها عن عزمها منح تراخيص أخرى في الفترة القادمة لوسائل إعلام جديدة فقد جاءتنا بكرّاس شروط تعيدنا خطوات إلى الوراء و تعيق انتعاشة القطاع الإعلامي في بلادنا . لقد استبشر التونسيون و الصحفيون الشبان و الدارسون في معهد الصحافة و علوم الاخبار بتنوّع و ثراء المشهد الإعلامي بعد ثورة الحرية و الكرامة خاصة بعد توافد الكثير من وكالات الأنباء الأجنبية التي بعثت فروعا في تونس لمواكبة التجربة الديمقراطية الوليدة , لكن عندما يمنع رجال الأعمال المشتغلين في الحقل السياسي أو المنتمين إلى أحزاب سياسية من الإجازة لبعث قنوات تلفزيّة مع منعهم من الحصول على نسبة تفوق 5 بالمائة إذا كانوا مساهمين في شركات أخرى فإنّنا نقول : من يريد تقييد الحريات الإعلامية ؟ كيف نمنع رجال الأعمال من دخول عالم السياسة و استثمار أموالهم في الحقل الإعلامي ؟ هناك مفارقات و عجائب و غرائب لا تحدث إلا في تونس ' رجال السياسة لا يدخلون عالم الرياضة و قد تابعنا العام الفارط مسرحية رديئة عندما أراد الكاتب العام للحكومة إزاحة السيد سليم الرياحي من رئاسة النادي الإفريقي لولا وقفة جماهير الأحمر و الأبيض الحازمة التي أعادت الرشد لأهل القرار , و اليوم تحاول الهايكا وضع كراس شروط على مقاس سليم الرياحي بعد أن أصبح مالكا لقناة التونسية , وهو ما يطرح أكثر من سؤال حول أسباب هذه الحملة الكاسحة على " التونسية " و برامجها بعد تولّي سليم الرياحي إدارة القناة , لماذا لم تتحرّك هذه الأصوات في السابق رغم علم الجميع بأنها كانت تنتمي إلى رموز الفساد في العهد البائد بل وجدنا من دافع عنها بشراسة تحت شعار تهديد الحريات الإعلامية . الحقيقة المرّة هي وجود إرادة لمنع سليم الرياحي من ملكية قناة التونسية بعد أن أصبح الخط التحريري لبعض البرامج الجديدة مزعجا لبعض بارونات المال و السياسة و الفساد و الثورة المضادة . هل فات الهايكا ما يمتلكه برلسكوني من مؤسسات إعلامية في إيطاليا و الذي يلقب بامبراطور الإعلام , وهو مالك نادي آ سي ميلان و رئيس حزب " فورزا إيطاليا " , هل سمعت الهايكا بنجيب ساويرس مالك قنوات "دريم" المصرية و رجال المال و السياسة في لبنان و غيرهم . على الهايكا أن تراجع هذه الشروط التعسّفية و تلغي الحسابات السياسية و تبحث عن المصلحة العليا للوطن و للصحفيين و خاصة فرض الإلتزام بميثاق الشرف الإعلامي و أخلاقيات المهنة و مراقبة التوظيف الحزبي للقنوات التلفزية و الإذاعية دون تقييد إجازة الحصول عليها . للأمانة و رغم استضافة قناة التونسية لأغلب رموز السياسة التونسية فإنّ الحزب الوحيد الذي لم نسمع عنه في هذه القناة هو الإتحاد الوطني الحر , و الشخصية السياسية التي لم تحضر بل و إن حضرت ففي شكل نقد قاس هو السيد سليم الرياحي . نرجو أن تستفيق الهايكا و تتفاعل مع اللحظة الثورية و تزيل الفصلين التاسع و العاشر لأنهما يشكّلان مهزلة لتونس الجديدة , فحتى الدستور وقع تعديله أكثر من مرّة قبل أن يتم التوافق حوله . و علينا ألاّ نستعيد أغنية الشيخ إمام الشهيرة " كل يوم يا بلدي بتزيد فيك الممنوعات.