بعد الحرب اليمنية الثالثة حرب - 1994م - ظهرت جماعة أطلقت على نفسها - جماعة التفكير بالهجرة - وهي جماعة لا علاقة لها بتلك الجماعة التي ظهرت في مصر وعرفت باسم - جماعة التكفير والهجرة - ومع أنني كنت أحد مؤسسي هذه الجماعة وأول من فكر بالهجرة، إلا أنني الوحيد من بين أفراد الجماعة الذي بقي في اليمن ولم يهاجر... وقبل أيام اتصل بي صديق من أستراليا - هو أحد أفراد الجماعة - وقال لي بأن أحواله جيدة وأنه في غاية الاستقرار، كما أن إحساسه بالغربة قد زال بعد أن غادر الوطن... أما أنا فقلت له بأني مغترب في الداخل وأن إحساسي بالغربة يتعاظم يوما بعد يوم... قال: ولكنك كنت أكثر حماسا للهجرة فما الذي جعلك تتخلف عن الجماعة وتختار البقاء وأنت كبيرنا الذي علّمنا السحر؟ قلت بأنني لا أستطيع أن أفارق وطن المنجزات والانتصارات لأعيش في بلدان ودول لا منجزات لها ولا انتصارات... وقلت له بأن أفراد الجماعة مهندسون وأطباء ومحامون، والوطن لن يتأثر بهجرتهم لكن الأمر يختلف بالنسبة لي، فأنا كاتب ومهمتي هي أن أبقى هنا لأكتب عن المنجزات العملاقة وأشيد بالانتصارات العظيمة... وأرصد بقلمي القفزات الثورية والتحولات السياسية والديمقراطية، والنقلات التاريخية فضلا عن المنعطفات الحضارية وغيرها من المنعطفات والانعطافات التي يمر به الوطن ... قال: ولكني أخاف عليك من هذه المنعطفات الحضارية والمنحنيات التاريخية وأخشى أكثر ما أخشى أن أجدك بعد عودتي وقد انعطف ظهرك وتقوس وانحنت قامتك قلت بأنني: أنحني كل يوم أمام المنجزات الشامخة والعملاقة وأن هذه المنجزات التي تتحقق كل يوم تستحق أن ننحني لأجلها بكل فخر واعتزاز... وحين سألني عن حقيقة هذه المنجزات التي تحققت بعد الحرب وبعد مغادرته اليمن! وإن كان بمقدوري أن أبعث له بصور عن هذه المنجزات لكيما ينحني أمامها! أجبته بأن هذه المنجزات والقفزات، وكل هذه التحولات والمنعطفات لا يمكن تصويرها أو رؤيتها بالعين وإنما هي تسمع بالأذن المجردة... نسمع عنها من نشرة أخبار التلفزيون كل مساء... وهنا صرخ صديقي الذي هاجر إلى أستراليا وقال: لقد قطعت عهدا على نفسي ألا أعود إلى الوطن إلا بعد فصل التلفزيون عن الدولة أو فصل المذيعين... وأضاف قائلا بأنه منذ أن وصل إلى أستراليا لم يسمع أي حديث عن المنجزات والتحولات والمنعطفات الحضارية... ومن كلامه هذا تبين لي أن صديقي هذا قد هاجر إلى بلد قفر... وأنني أحسنت صنعا حين اخترت البقاء في بلدي اليمن مهد العمارة ومهد الحضارة... J Abbas