أبو مازن عرفناك محمرّ الوجنتين مضطرب الملامح مفتوح الثغر لمّا ألقى عليك الباجي أوراقه و دفاتره فلم تنبس ببنت شفة ولم تستطع حتى النحنحة، يومها أصابك عرق كثير و هلع كبير في حضرة ذلك الشيخ المبجل عندك، فتقهقرت و تقهقرت معنوياتك التي كنت تكتسبها إثما وعدوانا عند مجالسة غيره من أهل السياسة. لا ضير فيما سجلت من نقاط في مرمى العديد من نواب التأسيسي و سابق الوزراء و قيادي الأحزاب فلا عذر لهم لما تركوك ترتع في حماهم وتتمرغ فتنال من أحدهم كلما أشيعت الشائعات و غيبت الحقائق فتنتصر للون بعينه وتطمح في لحظة زهو عودة القديم الذي رحل دون رجعة. ولكن تجنّيك على الاعتكاف وارتياد المساجد في هذا الشهر المبارك بيّن جهلك بالدين وقلة حيلتك في كل ما تعلق برمضان وسننه ونواهيه من ارتياد المساجد لإحياء لياليه. وحتى لا أتهم بالتجني و الانحياز لطرف فإنني أذكرك بما روي عن سيدنا و حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم كلما اقتربت العشر الأواخر من رمضان،لقد روت عائشة ام المؤمنين لقول السيدة عائشة: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان). وتعد هذه العبادة دعوة من الله للمؤمنين بالتقرب بالطاعات منذ عهد ابراهيم عليه السلام، قال تعالى : وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود. اعلم يا عتاهية الإعلام إنّ في الاعتكاف لا تصطحب الزوجة و لا يختلط بها لقول رب العزة في كتابه الحكيم، قال تعالى: وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ، و اعلم أيضا أن هذه العبادة الراقية والتي تأتي كخلاصة شهر صيام أفسدته القنوات بخليع المسلسلات و قمار الصناديق فيتفرغ الإنسان إلى عبادة ربه بتهجد و خشوع لعلّه ينال رضاه، فهو تلاوة قرآن وذكر وصلاة لا رابع لها ولا خامس فلا تتجنّ عمن حنّ لعبادة ربّه فترميه بنعوت شتّى وهو الذي يدعو ربه تضرعا وخيفة فيأتمر بأمره وينتهي بنواهيه. إنّ صفاء النفس عند الاعتكاف نشوة لا تضاهيها لذة أخرى لما يترجى العابد الطائع الخانع من رضا ربّه و غفرانه. هذه عبادة تتمّ أمام أعين الجميع وبمباركة أيمّة المسلمين منذ العصور الأولى لهذه الرسالة المحمدية العظيمة فلا تثقل كاهلنا بحديث الإرهاب فأهله يهدمون الجوامع والصوامع و مراقد الانبياء كما تفعل داعش الكفر والنفاق، فهم لا يصلّون وان التحوا وحفوا الشوارب. و لا تتجنى ثانية على المسجد فتستنقص استعمال التكييف الذي أضحى عليه معظم مساجد تونس فتوحي للمتفرج بترهات إهدار المال العام و تنسى إضرابات و اعتصامات دامت لشهور. انّ المعتكفين تونسيون مثلك كفل لهم الدستور القديم والجديد حرية العبادة و حياد المساجد عن الشأن الحزبي. لو لملمت بعض المعاني و راجعت بعض كتب علماء الزيتونة قبل خوضك في موضوع الاعتكاف لكنت على بيّنة ممّا تقول، فلا توصف بالجاهل العتاهية و لا توصف بالغرّ المتطفل على مجالس العلماء تجالسهم ولا تفقه ما يقال وما يناقش.