أبو مازن سأل الصافي لما كان ضيفا عند الوافي: عن أي دولة حديثة نتحدث وطرقنا السيارة لا تتجاوز الثلاثمائة كيلومتر و سكة الحديد على عهدها منذ ان هجرها الاستعمار؟ كلام مختصر لحال دولتنا الفتية التي جاوز عمر استقلالها الخمسين سنة. أما انقطاع الكهرباء يوم الأحد فقد كان ورقة توت آخرى تسقط لتكشف لنا واقعا مريرا بناه فكر الزعيم ورجالاته الذين أحبوه و عبدوه و تحدثوا عن بطولاته و بنائه لدولة حديثة متقدمة نشر فيها التعليم والصحة وخلفه ابنه الصالح الذي واصل الانجاز متبعا طريق معلمه وملهمه. خرافات تهوي كل يوم أمام أعيننا ولكننا لا نتعظ. ان انقطاع الكهرباء مرغ وجه تونس الثورة في الوحل وجعل منها موضعا للتندر على عديد شاشات القنوات التلفزية العالمية فمتى نترك القيل والقال وننصرف الى العمل وبناء دولة حديثة بين مصاف الدول الافريقية على الأقل؟ مهما كان سبب انقطاع التيار الكهربائي، عطبا كان أو بفعل فاعل، ومهما توالت التفسيرات وحمل الافراد أوزار هذه الفعلة الشنيعة فان الحدث ضرب صميم امن الدولة القومي وبين أن تونس ملعب مفتوح للارهاب بكافة أدواته وآلياته. ليسأل التونسي ماذا لو أصابنا لا قدر الله مصاب غزة؟ ماذا لو نالنا نزر يسير مما ينال اخواننا في العراق؟ سنتحول في لحظة الى ركام و تنهار منظومتنا في رمشة عين رغم الكفاءات المستقدمة والوزراء المختصين. لقد عبثوا بالتعليم والتعيين و ها نحن نشاهد رأي العين انموذجا تستحي دول صغيرة و حديثة عهد بالاستقلال ان تطبقه. لقد اسقط انقطاع الكهرباء على كامل تراب الجمهورية اسطورة الحداثة المزعومة التي استغلت ولا زالت تستغل لتشوش على الثورة الأصيلة الهادئة التي هدرت بها حناجر فلام اتباع الماضي أهل الثورة وانتقدوا اخفاقتهم ثم حكموا عليهم بالفشل و لكنهم تغاضوا وتغاضى الشعب بأسره على اخفاقات متتالية منذ الاستقلال في منوال التنمية والاقتصاد وفي بناء الدولة الحديثة التي تنتج قوتها وتحمي كيانها. عذرا أيها التونسي لو تخليت للحظة عن الزهو بنفسك و بثقافتك و لهجتك و تفكيرك ثم نظرت بفطرتك الى شعوب استقلت في خمسينات القرن الماضي وقد انشأت الدولة الوطنية التي حدثونا عنها، هؤلاء قد نجحوا حين فشلنا و أضحوا دويلات ديمقراطية ومتقدمة بموازينها التجارية الرابحة و شركاتها ذوات الشهرة العالمية. هي شعوب متقدمة تعمل دون انقطاع فتقتات من عرق جبينها وتبني منشآت استراتيجية عظيمة ليخلد اسماءها التاريخ. ان عديد الأمثلة الآسيوية والافريقية تجعل التونسي صاحب الحضارة المتأصلة البالغة القدم يفكر مليا فيما قيل له عن تقدم تونس كلما قورنت بدول ناشئة. ان نظرة سريعة لما يعانيه الداخل التونسي تجعلك معاصرا للبايات و لثورة البطل على بن غذاهم، فحال الداخل لم تغيره الأيام لولا أعمدة الكهرباء المنقطع. نصيحتي لأبناء وطني ان ينصرفوا الى العمل و يطلقوا بالثلاث جلوس المقاهي لساعات يقتلون الوقت الذي لا يموت بل تتجاوزنا السنون والعقود بتكنولوجياتها و صناعاتها وثقافتها وأدبها فيفوتنا الركب و يصعب البناء والتقليد، حينها نتأسى بخليجنا المستهلك للخيرات فنجازف بالاستيراد ولكننا لا نجد ما ندفع فلا بترول ولا ثروات وقد بددت عبثا أيام الاستقلال وصرفت كما اتفق.