الدكتور رضوان المصمودي رئيس مركز دراسة الإسلام والديمقراطية للضمير: تصريح الوزير الفرنسي غبي وواشنطن لن تسمح بانقلاب "خارجي" على الشرعية كيف تقيم الوضع الحالي في البلاد وأين تتجه الأمور في تقديركم ؟ المصمودي: أولا أريد أن أترحم على الشهيدين شكري بلعيد وناظر الأمن لطفي الزار وان أعزي عائلتيهما والشعب التونسي الذي يشعر بصدمة كبيرة لان الاغتيال السياسي غريب عن مجتمعنا، ولان هذه الجريمة النكراء تهدف للفتنة ودفع الأمور نحو الفوضى التي لا تخدم إلا مصلحة الثورة المضادة. واكبر دليل على ذلك هو التحريض الإعلامي الكبير،والإصرار على توجيه التهمة للنهضة. نحن نمر بأزمة سياسية سببها الوضع الاقتصادي والاجتماعي الصعب الذي لم يساعد الحكومة على تنفيذ برنامجها وخاصة في التشغيل والتنمية الجهوية. كذلك الوضع الدولي وتغير المواقف من الربيع العربي ومن صعود الإسلاميين للحكم وخاصة الموقف الفرنسي الذي تحول من البرود والاحتراز إلى العداء الواضح وحتى التلويح بالتدخل في الشؤون الوطنية كما ورد على لسان وزير الداخلية الفرنسي الذي تعهد بدعم ما سماه " القوى الديمقراطية" في تونس. وهو بالمناسبة تصريح غبي، يحرج المعارضة ويصورها - ظلما وبهتانا-وكأنها عميلة للاستعمار، ويقيم الدليل على صدقية ما ذكرته الحكومة عن وجود مؤامرة تقف وراءها اياد خارجية، ويزيد بالتالي في شعبية النهضة ومصداقيتها، لأن السؤال الذي سيطرحه الناس هو كيف وبماذا "سيدعم" وزير داخلية فرنسا قوى سياسية في تونس؟ المعارضة أيضاً كانت مطالبة بإيجابية أكبر داخل التأسيسي وخارجه. للأسف البعض أصبح يتبنى شعار إسقاط النظام متناسيا انه نظام منتخب من طرف الشعب. وحتى مبادرة رئيس الحكومة بتشكيل حكومة تكنوقراط لم تكف بل خرجت أصوات تطالب بحل المجلس التأسيسي وباستقالة حمادي الجبالي نفسه. الإعلام أيضاً يتحمل مسؤولية تحمله إلى جبهة معارضة وكشفت منابر الحوار التلفزي والإذاعي بعد اغتيال شكري بلعيد ذلك بجلاء. طبعا المسؤولية الأولى عن هذه الأزمة تتحملها الترويكا الحاكمة والحكومة بسبب الأخطاء الفادحة في التسيير وأبعاد الكفاءات .الأيام برهنت على انه ربما كان من الأفضل لو شكل حمادي الجبالي حكومة مصغرة تضم وزراء تكنوقراط في الوزارات التقنية ووزراء سياسيين في وزارات السيادة والقطاعات الحساسات التي تحتاج إصلاحات جذرية مثل التربية وأملاك الدولة ... عموما الوضع دقيق جداً ومبادرة رئيس الحكومة بالتوجه لحكومة تكنوقراط دون استشارة الأحزاب مغامرة بعثرت كثيرا من الأوراق، في حين كان المفروض شيئا آخر وهو تحديد موعد الانتهاء من كتابة الدستور وتنظيم انتخابات حرة، وقبل ذلك تنفيذ مبادرة رئيس الجمهورية المؤقت بإجراء حوار وطني دون شروط أو إقصاء. ماذا تعني بالضبط بحوار دون شروط او اقصاء. هل تعني جلوس النهضة مع "نداء تونس"؟ المصمودي: المسالة أعمق بكثير وأنا أتصور أن هناك من يريد أن يعاقب النهضة لأنها أخذت موقفا سلبيا من حزب الباجي قايد السبسي، ويريد أن يضعها في زاوية ضيقة تجبرها على محاورة نداء تونس من موقع الضعف. هذا منطق لا يشجع على تنقية الأجواء وسيعمق الخلافات. البديل هو أن يتحاور الجميع، وان تكسر النهضة بعض "التابوهات" ليس بالضرورة في اتجاه "نداء تونس" الذي تحول إلى "جبهة لإسقاط الحكومة " -وخاصة بعد ان طالب زعيمه بحل التأسيسي واستقالة الجبالي ودعا صراحة إلى دعم خارجي للقوى الديمقرطية-، بل في اتجاه "كل"القوى الملتزمة باحترام الشرعية، لتحقيق "اختراق تاريخي" يمهد لانتخابات شفافة تحدد بصورة واضحة ونهائية ملامح الخارطة السياسية في نظام متوازن مستقر. نعود لحكومة التكنوقراط، ويبدو انك تراها حلا مفيدا ؟ المصمودي: أولا قبل تشكيل حكومة الجبالي كنت أدعو إلى حكومة وحدة وطنية تضم جميع الأحزاب ، التي راهن بعضها على أن البقاء في المعارضة أفضل للاستفادة من فشل الحكومة الحالية. تأجيل الصراعات الحزبية كان سيؤدي إلى تهدئة الأوضاع وبناء مؤسسات ديمقراطية في جو من الاستقرار السياسي والاجتماعي. دعوة الجبالي احترمها واقدر إخلاصه لتونس ورغبته في تهدئة الأوضاع ولكن للأسف المعارضة أجهضتها حين اختارت التشدد ورفع سقف المطالب بالمطالبة بحل التاسيسي ورحيل الجبالي. من الغد راجعوا امورهم وتبنوا "خط الدفاع" عن حمادي الجبالي، ولكن بعد قرار المكتب التنفيذي للنهضة رفض فكرته. النية كانت واضحة، تصوير موقف الجبالي على انه استسلام من النهضة، ثم العمل على ضرب وحدة الحركة التي كان من الممكن ان تقبل المبادرة منذ البداية لو تحلت المعارضة بالعقلانية، واكبر دليل هو انسحاب قايد السبسي من الملف التلفزي الذي قبل راشد الغنوشي المشاركة فيه. هل كانت خطوة حكيمة من الجبالي، خاصة وانها وضعت حزبه في حرج كبير؟ المصمودي: هي خطوة متأخرة أولا، وطرحت في توقيت غير مناسب للمرة، وطريقة طرحها دون استشارة وموافقة الترويكا والنهضة تحديدا، أمر غير مقبول ، لن تؤدي إلى استقرار الأوضاع لأنه سيشجع بعض القوى التي ترى إن النهضة في موقف ضعف على الانقضاض على السلطة، وسيشجع قوى الثورة المضادة على التصعيد ومزيد الجرأة على الثورة. المشكلة الأكبر هي في البرنامج الذي ستنفذه هذه الحكومة. هل هو برنامج النهضة ام برنامج الترويكا ام برنامج أخر ؟ وماذا يمكن ان تفعل في وقت قصير جدا؟ ان كانت حكومة مهمتها فقط.. هل كانت خطوة حكيمة من الجبالي، خاصة وانها وضعت حزبه في حرج كبير؟ المصمودي: هي خطوة متأخرة أولا، وطرحت في توقيت غير مناسب للمرة، وطريقة طرحها دون استشارة وموافقة الترويكا والنهضة تحديدا، أمر غير مقبول ، لن تؤدي إلى استقرار الأوضاع لأنه سيشجع بعض القوى التي ترى إن النهضة في موقف ضعف على الانقضاض على السلطة، وسيشجع قوى الثورة المضادة على التصعيد ومزيد الجرأة على الثورة. المشكلة الأكبر هي في البرنامج الذي ستنفذه هذه الحكومة. هل هو برنامج النهضة ام برنامج الترويكا ام برنامج أخر ؟ وماذا يمكن ان تفعل في وقت قصير جدا؟ ان كانت حكومة مهمتها فقط تنظيم الانتخابات فهذا معقول، ويمكن ان تقوم به الحكومة الحالية كحكومة تصريف أعمال. إما ان كان المنتظر منها حلولا للأمن والتشغيل والتنمية... فالأفضل هو حكومة وحدة وطنية او حكومة مصغرة منبثقة من الأحزاب المؤتلفة ومن يدعمها ومطعمة بالكفاءات في الوزارات التقنية، او الإبقاء على الحكومة الحالية وإلغاء التحوير الوزاري مع تحديد موعد نهائي للانتخابات، والتزام الحكومة بضمان الأمن وحرية العمل السياسي وحق الاجتماع والتظاهر السلمي، للجميع ومعاقبة كل جهة تخل بذلك . كل البدائل ممكنة والمهم تجاوز الازمة وتفويت الفرصة على اعداء الثورة. لماذا في تقديرك كان توقيت الإعلان عنها غير مناسب؟ المصمودي: أولا جاءت اشهرا قليلة قبل تنظيم الانتخابات وتشكيل حكومة جديدة سيربك العمل الحكومي وسيؤثر على الادارة وبالتالي ليس من الثابت أن تنجح الحكومة المنتظرة في إنجاز شيء يذكر وهو ما سيؤدي إلى معاقبة أحزاب الترويكا والنهضة تحديدا في الانتخابات القادمة . وثانيا طرحت المبادرة والترويكا في وضع هش ومباشرة بعد اغتيال الشهيد شكري بلعيد. المنتظر كان هو طمأنة المواطنين وتوجيه رسالة قوية لمن قتل بلعيد بأنه لم يحقق أهدافه . وليس الانسحاب برمي المنديل، لأن قرار الجبالي فتح الباب للمزايدات والتهجم على النهضة والترويكا، عوض أن يكون عامل تهدئة. النهضة تخلصت من وضع "ابتزاز" الشركاء، خلال مفاوضات التحوير إلى وضع استهداف أكثر خطورة، لأن المطلوب لم يعد حملها على تغيير وزير أو تحييد وزارة وإنما إجبارها على ترك السلطة والتخلي عن شرعية 23 اكتوبر، وهو مطلب قوى عديدة كانت مصرة على إفشال الحكومة وإسقاطها، والانقلاب على شرعيتها، . وأتمنى على كل حال التوصل إلى حل توافقي يضمن تشكيلة حكومة جديدة وقوية تحظى بمباركة الترويكا وحركة النهضة تحديدا، لأني مقتنع أن حمادي الجبالي سيحترم القرارات الصادرة عن مؤسسات الحركة التي اختارته لرئاسة الحكومة ، وأن مؤسساتها ستتعامل بايجابية وعقلانية مع أي مبادرة لحلحلة الاوضاع ، تكون في مصلحة تونس. صحيح إن مبادرة حمادي الجبالي جاءت بعد اغتيال الشهيد شكري بلعيد وفي سياق أزمة اثر المصمودي: مفاوضات التحوير الوزاري، ولكن هناك من يرى أن رئيس الحكومة يريد بوضوح " فك الارتباط" مع الشيخ راشد الغنوشي المتهم بتعطيل الحكومة والتضييق على رئيسها؟ اتهام الشيخ راشد الغنوشي بتعطيل الحكومة ظالم ومرفوض ولا يستحق الرد عليه. لان من عطل الحكومة هم أساسا إلى جانب العوامل التي ذكرتها سابقا، الوزراء الفاشلون الذي كان على الجبالي إقالتهم منذ البداية. رئيس الحكومة نفسه اعترف بوجود عجز اتصالي ولكنه لم يبادر بتغيير مستشاره الإعلامي مثلا. الغنوشي على العكس أحبط كثيرا من المؤامرات ودافع عن الحكومة وحافظ على الترويكا من الانفجار بفعل التصادم المستمر بين قرطاج والقصبة. لا يعني هذا أن الجبالي لم يدفع ثمن بعض التوجهات الخاطئة أو المتشددة ليس من مؤسسات النهضة فقط بل من شريكي الحكومة أي التكتل والمؤتمر. فك الارتباط بين الجبالي والغنوشي لا اعتقد انه يخدم مصلحة الطرفين وان كان بينهما خلاف في وجهات النظر فمؤسسات النهضة قادرة على استيعابه وإدارته وتجاوزه . راشد الغنوشي اثبت انه رجل ديمقراطي كما اثبت حمادي الجبالي انه رجل دولة بالمعنى الحقيقي وانه يعرف جيدا حاجة الحكومة إلى حزب قوي يدعمها وإلا فالحكومة ستسقط بعد فترة وجيزة. أنا مقتنع بأنه لا مستقبل لحكومة لا توافق عليها النهضة، وإجبارها على ترك الحكم انقلاب على الشرعية وليس حلا لازمة لا تتحمل النهضة مسؤوليتها. نعود إلى ما ذكرته عن تغير الموقف الفرنسي من تونس، ماذا تقصد بالضبط وما هو انعكاسه على استقرار البلاد ونجاح الانتقال الديمقراطي؟ المصمودي: فرنسا -أو على الاقل بعض القوى فيها- تبدوغير متحمسة للديمقراطية في تونس أو هي ترى أن الديمقراطية تعني شيئا واحدا هو سيطرة العلمانيين والفرنكوفونيين تحديدا على الحكم. وفي هذا الإطار عليها أن تفهم أن الديمقراطية حتمية تاريخية وان ما حدث في بعض مستعمراتها السابقة وفي أفريقيا تحديدا لا يمكن أن يتكرر في دولة لها مؤسسات جمهورية قوية وجيش موالي للشرعية وشعب مثقف وواع وثائر على الظلم والاستبداد وعلى فرنسا أن تحترم إرادته خاصة وأنها دعمت الدكتاتور المخلوع إلى آخر لحظة، وهي غير مؤهلة لإعطائنا دروسا في البناء الديمقراطي ويجب عليها أن تحترم استقلالية قرارنا. أيضا فرنسا تدرك جيدا ان التوازنات الدولية لا تسمح لها بمغامرة في تونس. و من يتصور ان واشنطن غيرت موقفها من النهضة ومن الانتقال الديمقراطي في تونس بعد أحداث السفارة الأمريكية فهو واهم. وأنا على يقين من أن أمريكا قد تكون.. المصمودي: فرنسا -أو على الاقل بعض القوى فيها- تبدوغير متحمسة للديمقراطية في تونس أو هي ترى أن الديمقراطية تعني شيئا واحدا هو سيطرة العلمانيين والفرنكوفونيين تحديدا على الحكم. وفي هذا الإطار عليها أن تفهم أن الديمقراطية حتمية تاريخية وان ما حدث في بعض مستعمراتها السابقة وفي أفريقيا تحديدا لا يمكن أن يتكرر في دولة لها مؤسسات جمهورية قوية وجيش موالي للشرعية وشعب مثقف وواع وثائر على الظلم والاستبداد وعلى فرنسا أن تحترم إرادته خاصة وأنها دعمت الدكتاتور المخلوع إلى آخر لحظة، وهي غير مؤهلة لإعطائنا دروسا في البناء الديمقراطي ويجب عليها أن تحترم استقلالية قرارنا. أيضا فرنسا تدرك جيدا ان التوازنات الدولية لا تسمح لها بمغامرة في تونس. و من يتصور ان واشنطن غيرت موقفها من النهضة ومن الانتقال الديمقراطي في تونس بعد أحداث السفارة الأمريكية فهو واهم. وأنا على يقين من أن أمريكا قد تكون منزعجة من التقصير الأمني الذي كان وراء الأحداث ولكنها لم تفقد حماسها للربيع العربي، ولن تسمح بأي انقلاب خارجي على الشرعية في تونس. المشكلة الأساسية هي أن فرنسا لا تعترف بوجود إسلاميين معتدلين، وهو ما يفسر رضوخها لقرار بن علي منع الشيخ راشد الغنوشي من دخول أراضيها لمدة 20 سنة . وهي مدعوة إلى مراجعة حساباتها لان علاقتها بالعالم الإسلامي ومصالحها الإستراتيجية مهددة بالتراجع إن اقترن اسمها بمحاولات إفشال الانتقال الديمقراطي ومعاداة الإسلام المعتدل والمستنير، خاصة مع الصعود المتنامي لتيارات الإسلام السياسي المعتدل في المغرب وتونس وليبيا ومصر والأردن وفي سوريا ... هذا ما فهمته الولاياتالمتحدة وألمانيا وبريطانيا ويبدو أن فرنسا مازالت محكومة بمنطق العلمانية المتطرفة التي لا تعترف للدين بأي دور في الحياة العامة . طبعا لا نلقي باللوم على فرنسا فقط فالنخب الإسلامية المعتدلة بما في ذلك حركة النهضة عليها أن تكثف من جهودها لإبلاغ صوتها واثبات أنها على مسافة بعيدة عن الفكر المتشدد. هل يعني هذا أن النهضة لم تبذل هذا الجهد خاصة وأنك ذكرت أنها مقصرة في معالجة ملف السلفية؟ المصمودي: في موضوع السلفية لنكن واضحين أن النهضة لا تمارس الخطاب المزدوج وان محاولات الإيحاء بان الشيخ راشد الغنوشي يراهن على التيارات المتشددة كرصيد انتخابي، باءت بالفشل والغريب أن كل وسائل الإعلام أفردت الشريط حول لقائه ببعض السلفيين باهتمام واسع ولكن لم أجد أي اثر أو تناول إعلامي أو سياسي لتهجم زعيم تيار أنصار الشريعة أبو عياض عليه وعلى النهضة. ما اعرفه جيدا عن الحركة وعن فكر الغنوشي انه فكر معتدل ، ديمقراطي يؤمن بالدولة المدنية وبالمواطنة والحريات العامة والخاصة . النهضة لا تملك مشروعا لتغيير نمط المجتمع التونسي ولا مجال للتشكيك في ذلك . ولكن ندرك جميعا حساسية ملف الظاهرة التي عالجها النظام المخلوع دون فائدة بالقمع والتعذيب والاضطهاد وهو ما وسع قاعدة شعبيتها من الطبيعي أن تراهن النهضة على الحوار والمشاركة السلمية للسلفيين في المجتمع وفي الحياة السياسية ولكن هناك نقص في توضيح مبادئها ومواقفها وتوضيح خلافاتها الفكرية والسياسية الجوهرية مع التيار السلفي لكي يفهم الرأي العام الداخلي والخارجي أن الحوار مع السلفيين لا يعني التوافق معهم في الرأي . المشكلة في الإعلام والاتصال وتوضيح الرؤى، وهو ما يفسر الحملة الإعلامية الشرسة التي تشن حاليا ضد النهضة وفي فرنسا بالتحديد...