عامان مرا على الثورة السوريّة ولا يزال الوضع على ما هو عليه بل تتفاقم أعداد اللاجئين السوريين إلى دول الجوار يوميّا بأعداد مهولة هرباً من بطش نظام الأسد، الذي لا يزال إلى اليوم يحاول وبكلّ الطرق وأد الثورة وقمعها بشتى وسائل الترويع والتقتيل. وانتشر الملايين من السوريين الفارين من ديارهم إلى الأردن وتركيا ومصر ولبنان والجزائر ووصل القليل منهم إلى تونس راغبين في وطن يحميهم إلى حين التمكّن من العودة إلى ديارهم، بعد أن فرّوا من نيران الحرب الدائرة. وتونس من البلدان التي يتطلب دخول السوريين إليها الحصول على تأشيرة الحدود بالمطار ووضع ختم على جواز السفر يحمل تاريخ الدخول، ولا يمكن لأي أجنبي البقاء في التراب التونسي بصفة غير قانونية. مأساة عائلات سوريّة ترغب في الإقامة عائلات عديدة فرت إلى تونس ورغم وجودهم في مأمن بعيدا عن ميدان الخطر، إلاّ أنّهم لم يتخلصوا من هاجس الخوف من "الشبيحة" المتربصة بهم، فأيّ مكان فيرفض بعضهم الظهور إعلاميا، أو يتحدثون عن شواغلهم دون حضور إعلامي. دخل أغلبهم تونس عبر الجزائر "خلسة" أو عبر التأشيرة ومن يتعدّ منهم الفترة القانونيّة للإقامة يعتبر مقيم بطريقة غير شرعيّة ويكون معرضا للعقوبات، فيجبر على مغادرة نحو بلد لا يطلب تأشيرة للسوريين كتركيا ولبنان وموريتانيا ومصر لكنّهم لا يقدرون على مغادرة التراب بسبب الضرائب التي تراكمت في حقّهم وبعضهم يضطّر إلى التسوّل لضمان مصاريف الحياة اليوميّة هم يخافون قضية اللّجوء لأنّه في حال بقاء النّظام السوري الحالي سيتعذّر عليهم العودة إلى سوريا ربّما سنوات، هم يشكرون الشعب التونسي على كرمهم و مدهم يد العون في حين يتذمرون من تقاعس السلطة في تقديم حلّ يساعدهم في قضاء شؤونهم. عائلات تطلب منحهم الإقامة في تونس والاستثمار فيها من خلال رؤوس أموال سورية ، ويقول أحد السوريين لقد "تغيرت صورة سوريا بتونس بعد قطع العلاقات مع السفارة سابقا، وأصبح مفرد سوريا من المحظورات". وهناك منهم يحسبون على شبيحة النظام السوري دخلوا تونس وهم مطاردين من قبل الجيش السوري الحرّ ثلاثة أشخاص، الأول يدعى (ب.ش) والثاني يدعى (ع.ن) تمّ ترحيل أحدهم مؤخرا من تونس، وبقي اثنان وهناك بعض السوريين الذين يرغبون فقط في الظهور إعلاميّا على غرار آخرين لا يزال الخوف يتربصهم من كابوس شبيحة النظام ويلاحقهم أين ما كانوا. وهناك من العائلات دخلت عبر التهريب وثائقها غير مكتملة وحتى من يرغب في الخروج من تونس لا يستطيعون بسبب أداءات الضرائب على الإقامة حيث يدفع كل فرد 10 ألاف في أواخر كلّ أسبوع ضريبة على إقامته في التراب التونسي ويعجز العديد على سدادها. عائلة أمير زينو: صاحب شركة "شام ديكو" أمير محمد زين سوري دخل إلى تونس منذ سنة منذ حكم الباجي القائد السبسي عائلته تتكون من 12 شخصا يدرس الأطفال السبعة في مدرسة خاصة وله شركة "شام ديكو" وهي شركة قانونيّة. يعيش مع زوجته وأطفاله الأربع وأخته وزوجها وأطفالها الثلاث في منزل مؤجّر في ولاية بن عروس ولديه عقد عمل لعامل أجنبي في المنطقة الصناعية ببن عروس. ويقول أمير أدخلت أبنائي تهريبا عبر الجزائر عن الطريق الواسطة والأموال اتصلت في عديد المناسبات برئاسة الجمهورية وبوزارة الداخليّة وبالوزارة الأولى وبالمجلس الوطني التأسيسي لكي أتحصّل على الإقامة لكن لا جدوى من كلّ محاولاتي ولم يرض أيّ محام استلام دعوى المطالبة بالإقامة فقط لأنني سوري الجنسيّة. وأضاف أمير "اتصلت بي بعض وسائل الاعلام وطلبت مني شتم الحكومة لكن أنا ليست مشكلتي معارضة وترويكا لا أرغب أن يكون الملف السوري كرة تتقاذفها المعارضة والاعلام والحكومة". يقول أمير "لا أستطيع فتح رصيد بنكي ولا ادخال أطفالي إلى مدرسة عموميّة ولا الذهاب إلى المستشفى العمومي للعلاج ما دمت لا أملك الإقامة أريد فقط الإقامة لتسوية وضعيتي أنا وعائلتي لأتمكن من قضاء شؤوني في العمل وفي تدريس أبنائي، فأنا غير قادر على العمل بأكمل وجه بسبب عدم حصولي على أوراق الإقامة". وأضاف "أنا مقيّد لا أقدر على تحويل نقود إلى الخارج أو استلام نقود ضمن العمل وحتى المستثمرين السوريين لا يستطيعون الاتصال بي..تعرّضت إلى عديد المضايقات والمشاكل الإيقافات بحجّة عدم حصولي على إقامة ووجودي غير القانوني والشرعي في التراب التونسي". وتابع أمير قوله "لقد واجهت عديد المشاكل عند ادخال زوجتي وأطفالي للتراب التونسي عبر الجزائر بسبب الاجراءات، واستغرب لكون تونس البلد الأوّل الذي يعلن طرد السفير النظامي ثمّ يمنع دخول السوريين إلى أراضيها". وأكّد أمير أنّ كل السوريين الموجودين في تونس يواجهون نفس الإشكال، مضيفا "هنا في تونس عشت معاملتين معاملة أعداء ومعاملة أخوّة فحين قدمت إلى هنا كان معي 3 دنانير فقط ووجت مساعدة من قبل الشعب التونسي وبعض الجمعيات". واستغرب أمير كيف أنّ سوريا تحتضن عديد الطلاب التونسيين في سوريا من طلاب العلوم الشرعية وتونس غير قادرة على استضافة بعض السوريين الهاربين من آلة الحرب. مضيفا أنّ التونسيين المقيمين في سوريا الذين هدّمت ديارهم كثيرون وقد انخرطوا في الجيش الحر للدفاع عن سوريا. وقال إنّ "الإخوان المسلمين يشكّون أنّنا مخابرات وأنّ السوري أصبح خطا أحمر وأصبحت التهم جاهزة في حقّنا "يعني سوري يساوي إرهابي أو استخباراتي". وقال أمير استغرب من الذين عاشوا لاجئين في دول أوروبيّة فتحت لهم أبوابها يمنعون دخول سوري كلاجئ في بلادهم في بلد استبق الثورات على الظلم. وقال أمير هناك عائلات عديدة تستحق الإقامة في تونس وأنا قدمت طلب في هذا الغرض أكثر من مرة ويتم رفض طلبي رغم أنّ كل أوراقي ومراسيم دخولي إلى تونس كانت قانونيّة. "نَوَرْ" سوريا في تونس يمتهنون التسوّل النَوَرْ هو اسم يطلق على غجر سوريا وهم الرحل الذين يتنقلون من مكان لأخر وأغلبهم من ريف حمص وحلب جاؤوا هنا إلى تونس ويعيشون في منطقة العمران الأعلى وحي التضامن وآخرين متفرقين في مناطق الساحل التونسي. يتسولّون أو يمتهنون أمام الجوامع صناعة الأسنان وإبدالها "طبيب أسنان متنقل" ويتفرقون في جوامع البلاد وأغلبهم أكراد، دخلوا تونس عبر الجزائر بعد أن رفضوا العيش داخل المخيمات السورية هناك، وعديد منهم غادروا نحو مصر. السفارة وقطع العلاقات نفت وزارة الخارجية التونسيّة أنّها قدّمت سفارة في تونس لصالح الائتلاف الوطني السوري مؤخرا كما تداولت أخبار تفيد بأنّ تونس والمغرب بصدد مناقشة منح سفارة للمعارضة السورية. وقال عدد من السوريين في تونس لم نجد أذنا صاغية، لا سيّما في ظلّ قطع العلاقات بين تونس ودمشق وواجه سوريون مشاكل جمّة منذ وصولهم إلى تونس، إذ اعتقل البعض لفترات بلغت عشرة أيّام قبل إطلاق سراحهم. وأصبح من أهم شواغلهم تلك الوعود بتسليم سفارة ومتابعة أوضاع السوريين هنا بعد قطع العلاقة مع السفارة النظام وتجاوز عديد المشاكل الأخرى مثل الحصول على الأوراق القانونية وإلغاء الضرائب على السوريين الذين يودّون الخروج من تونس وإعفاءهم من الخلاص.