المرزوقي مُتخوّف من ''اغتيال ثالث'' وحمّة يُروّج ل ''انقلاب عسكري/ أمني'' ...الجبهة الشعبية تغازل قصر قرطاج...فهل يكون السبسي أكبر المتضرّرين!
على الرغم ممّا يبدو من تكلّس وانقطاع واحتمالات للمواجهة او الصدام بسبب تعثّر مبادرة الرباعي للحوار الوطني ، وعلى الرغم من التحشيد والتجييش والدعوة الى التعبئة والنزول الى الساحات والشوارع ، بالرغم من ذلك لا ينفكّ الفاعلون السياسيّون عن المناورة والتكتيك وربّما ربح الوقت لدى البعض وتوفير مناخ أفضل للحوار أو الضغط على الخصم من أجل إرباكه او دفعه الى المزيد من التنازلات. والجلي الان أنّ هذه المناورات في آخر محطاتها وهي المحطة التي استدعت خطابات التصعيد والتهديد بالمواجهة وإشعال الحرائق وضرب الاقتصاد وعودة الحديث عن الاغتيالات وتحديدا "الاغتيال الثالث"وأيضاً الى وهو الأدهى والأشد خطرا الدعوة الى استنساخ السيناريو الانقلابي في مصر على اعتباره الحل الأمثل لإخراج البلاد من أزمتها وإسقاط حكومة النهضة كما ردّد ذلك زعيم الجبهة الشعبية حمة الهمامي ليلة أوّل أمس. - مشعل "الاغتيال الثالث" أكثر من تحدّث عن الاغتيال الثالث هو حمة الهمامي وعدد من قيادات الجبهة الشعبية بل ان حمة قد تقدّم أشواطا في التنبؤ بطبيعة هذا الاغتيال الثالث وحدّد وجهته ( وجه سياسي إسلامي) ، هذا المشعل انتقل فجأة الى أجندة الرئيس محمد المنصف المرزوقي الذي لم ينتظر عودته الى أرض الوطن ليُعلن من العاصمة الامريكيةنيويورك عن تخوّفه الكبير من عملية اغتيال جديدة (يعني اغتيال ثالث) مشيرا إلى أن حادثتي اغتيال بلعيد والبراهمي أصابتا الجهود السياسية بانتكاسة وبدا أنهما جرى توقيتهما بهدف عرقلة الانتقال إلى حكومة جديدة، واضح إذن ، من تصريحات المرزوقي والهمامي ، العلاقة الوطيدة بين "الاغتيال الثالث" ( المنتظر بالنسبة للهمامي والمتخوف من حصوله بالنسبة للمرزوقي) ومخطط الإطاحة بالحكومة والتمهيد للانقلاب على الوضع القائم الذي انطلق باغتيال بلعيد والبراهمي ويبدو لم ينته بعد. ما الذي دفع المرزوقي الى هذا القول ؟ هل هو مجرّد تخوّف مشروع في وقت تتقطّع فيه سبل الحوار الوطني وتتهدّد فيه المخاطر مسار الانتقال الديمقراطي؟ ، هل لدى المرزوقي من المعطيات الامنيّة والاستخباراتية ما يُعزّز لديه تلك "المخاوف" ؟ وما الفرق بين هذا" التخوّف الرئاسي" و"التنبؤ السابق لحمة الهمامي"؟. أم أنّ الأمر أعمق من ذلك وأبعد حيث سيناريوهات الإزعاج والتخويف وبثّ الرعب وتوتير الأوضاع وفرض تصوّرات جديدة على خارطة الطريق المنتظرة للخروج من الازمة السياسيّة المتواصلة منذ اغتيال الفقيد الحاج محمّد براهمي؟. من يُنزّل التصريحات والتلميحات التي يُدلي بها الفاعلون السياسيّون في سياقاتها الكبرى المرتبطة أساسا بتعطّل مفاوضات ومشاورات الحوار الوطني وما بات واضحا من أنّ عدّة أطراف لا ترتضي مبادرة الرباعي وترغبُ في تعديلها وإضافة محاور أخرى لها ، ذلك أنّ بداية هذا الاسبوع كشفت عن احترازات مهمة لدى أطراف سياسيّة على غرار: - حزب نداء تونس الذي انطلق في نقد شديد لمبادرة الرباعي مؤكّدا أنّها قاصرة على اخراج البلاد من أزمتها ما لم تُلحق ملف تغيير رئاسة الجمهورية في إطار رؤية تحمّل الفشل الحالي الى كامل منظومة الحكم القائمة منذ انتخابات المجلس الوطني التأسيسي وترى أنّ رئيس الجمهورية كان أحد عناوين هذا الفشل وتُشرّع لمرحلة انتقالية ثالثة تقلب الوضع رأسا على عقب وتُسقط نهائيا القانون المنظم للسط العمومية لفائدة قانون جديد يحمل الباجي قائد السبسي الى قصر قرطاج. - الجبهة الشعبيّة التي باتت هي الأخرى غير مقتنعة بمبادرة الرباعي وغير واثقة من قدرات المنظمات الراعية وخاصة الاتحاد العام التونسي للشغل على فرض المبادرة بقوّة الاحتجاج واستدعاء الشارع وشنّ المزيد من الإضرابات وتعطيل حركة الانتاج وتوتير الأوضاع الاجتماعية والأمنية ، مثلما يتوضّح ذلك في حالة التوتّر التي تبدو على قياداتها وخاصة زعيمها حمّة الهمامي الذي أصبح لا يرى السبيل الى إسقاط حكومة علي العريض وإخراج غريمه حزب حركة النهضة من الحكم غير الانقلاب عليها أمنيا وعسكريا ، فخلال استضافته في برنامج حوارى على قناة حنبعل أول إمس اعتبر زعيم حزب العمال الشيوعي والناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية أنه لا فائدة من الحوار مع الترويكا مصرّحا بأن تكرار السيناريو المصرى أي الانقلاب هو الحل للتخلص من الترويكا وعلى رأسها النهضة وقال " أنا متأكّد أن الجيش والأمن سيدعمان المعارضة للإنقلاب على حكومة النهضة ". وما يزيد الصورة ضبابيّة الخلاف الناجم بين مكونات الاتحاد من أجل تونس وخاصة جبهة الانقاذ والتي من بين مكوناتها نداء تونس والجبهة الشعبية في لقاءاتهم وبياناتهم الاخيرة حول إلحاق محور تغيير الرئيس المرزوقي الى نص مبادرة الرباعي ، فالنداء متمسّك والجبهة رافضة وهذا أمر غريب لا يستقيم بين حليفين ما فتآ يؤكدان أنّهما على خط واحد وأنّ التفاهم بينهما والتنسيق بين مناضليها وقياداتها كبير وسيكون حاسما في المواجهة المرتقبة مع الحكومة وحركة النهضة. - الرئاسة واختلافات الساسة الغريب أنّ حمّة الهمامي الذي يدعو الجيش الى التدخل ومساندة تحركات الاحتجاج والمساعدة على إسقاط حركة النهضة لم يتطرّق أبدا الى ملف رئاسة الجمهورية: هل هي الصداقة القديمة بين حمة والمرزوقي ام مناورة لكسب ودّ المرزوقي أم هي ثقة بان المرزوقي قد يضحي بالنهضة ويقبل الانفكاك عن الترويكا مُقابل بقائه في رئاسة الجمهوريّة. والغريب أيضاً أنّ نداء تونس انخرط بعد في حملة دعائية وإعلامية وسياسيّة ترشيحا لرئيسه قائد السبسي لتولي زمام رئاسة الجمهورية ، وكانت إشارة السبسي نفسه في اجتماع الأحد الفارط بمثابة شارة البدء في تنفيذ مخطط جديد والضغط من أجل تعديل مبادرة الرباعي ، فالناطق الرسمي باسم الحزب رضا بلحاج أكّد ليلة أوّل أمس في تصريح تلفزي أنّ مبادرة اتحاد الشغل ينقصها المطالبة بإقالة رئيس الجمهورية المنصف المرزوقي مُعتبرا أنّ ضمان نجاح المرحلة الانتقالية القادمة مرتبط بتغيير الحكومة وأيضا بتغيير رئيس الجمهورية وصرّح بأن الباجي قائد السبسي شخصية توافقية وهو الأنسب لمنصب الرئيس. في هذا كلّه ، الهمامي يصطفّ موضوعيا الى جانب المرزوقي ولا يخوض أبدا في مغادرته قصر قرطاج ،وهو في نفس الوقت يتعارضُ كليّا مع حليفة السياسي الأبرز أي حزب نداء تونس الذي بدأ حملة الإطاحة بالمرزوقي وتصعيد رئيسه قائد السبسي مكانه!!. وهو ما يطرح جملة من الأسئلة : هل بدأ حمة في التخوف من تفاهم محتمل بين النهضة والنداء وذهب بحثا عن حلف جديد مع القائد الأعلى للقوات المسلحة، والذي اعلن صراحة انه لن يغادر قرطاج إلا بعد انتخاب رئيس جديد؟ هل شعر حمة بان تحالفه مع النداء حقق أهدافه وقد يتحول الى عبء ثقيل بعد اتجاه الحزب الى الانفتاح على التجمعيين وضم محمد الغرياني لصفوفه وهو ما سيجعل " البوكت" في وضع انتحار سياسي ان بقيت علاقته بالنداء قائمة؟ هل يسعى حمة لفرقعة الترويكا باستقطاب المؤتمر، لعزل النهضة التي تلقت ضربة موجعة بتعليق المجلس من حليفها بن جعفر الذي وضع بيضه في سلة اتحاد الشغل؟ هي مناورات سياسيّة بالتأكيد ، ولكنّها تؤكّد أنّ أمورا عديدة تجري في الكواليس وبعيدا عن أنظار الرأي العام والمتابعين وأنّ الحسابات تكثّفت هذه الأيّام لتحقيق مكاسب سياسية وحزبيّة وشخصية (انقلابيّة وغير توافقيّة ) على أنقاض أزمات البلاد المتعدّدة ودون انتظار للاستحقاقات الانتخابيّة القادمة لاستفتاء الشعب وتحكيم إرادته والاستماع الى خياراته. المشهد السياسي متحرّك ومُتحفّز للمفاجآت وربّما السيناريوهات الأقل توقّعا والأبعد استشرافا. هل سيتواصل "شهر العسل" بين النداء والجبهة ؟ وما هو موقف بقية مكونات الاتحاد من أجل تونس وجبهة الانقاذ؟ وهل يقبلُ الرئيس المرزوقي بمؤامرات خصوم حليفه المركزي في الترويكا أي حركة النهضة وهو المعروف بعلاقته الوثيقة بالنهضة وتمسكه بالترويكا التي يعتبرها زواجا كاثوليكيا؟ حمة الهمامي يبحث الان دون شك عن بديل للباجي قائد السبسي، ويبدو قصر قرطاج وجهته المفضلة، لاعتبارات عديدة مازالت تصطدم الى حد الان بالعلاقة الوثيقة بين المرزوقي والنهضة وبلاعب من أبرز لاعبي المعركة الرئاسية وهو احمد نجيب الشابي الذي لم يقل كلمته الأخيرة في هذا الموضوع وان كان يبدو حسب آخر تصريحاته الصحفيّة أمس رافضا لتعيين رئيس للجمهورية او اختياره بعيدا عن الانتخاب وصناديق الاقتراع.