موكب تسليم المهام بين خالد النوري وسلفه كمال الفقي    أخبار المال والأعمال    ب30 آلية عسكرية.. الاحتلال يقتحم مدينة جنين شمالي الضفة الغربية    ليفركوزن الألماني يضم الكأس للبطولة    من هو كمال المدوري، وزير الشؤون الاجتماعية الجديد ؟    مع الشروق .. استدامة المؤشرات الإيجابية    كلفة تأجير الموارد البشرية في تونس تعد الاضعف مقارنة بنظيراتها وبالبلدان المتقدمة    اعفاء المندوب الجهوي للتربية بتونس 1 (وزارة التربية)    يوميات المقاومة...مع تزايد القتلى والمعوقين ونقص العتاد ...جيش الاحتلال يغرق في غزّة    وزير الدفاع الوطني يشرف في رمادة على الذكرى 66 لمعركة رمادة الخالدة    رابطة الابطال الافريقية لكرة القدم - الاهلي المصري يفوز على الترجي الرياضي 1-0 ويحرز اللقب    الرابطة 1 - التعادل السلبي يحسم لقاء النجم الساحلي والملعب التونسي    مختصة في علم النفس توصي بضرورة تخفيف الضغط وتجنب كل ما من شأنه توتير أجواء المنزل خلال فترة الاعداد للامتحانات    الهلال الأحمر: الرفع بداية من الأسبوع القادم في نسق العودة الطوعية للمهاجرين من دول جنوب الصحراء إلى 400 شخص في الأسبوع    " وزارة الشؤون الثقافية ستواصل ككل سنة دعم المهرجانات لكن دون اجحاف وفي حدود المعقول مع الحرص على ضمان التوازنات المالية للمهرجانات" (بوكثير في تصريح خاص بوات)    القصرين : الموقع الأثري هنشير البقر 1 و2 بمعتمدية العيون يشهد حفرية أثرية علمية ثانية مع بحث تكويني جامعي    أولا وأخيرا: في خبر كان    ندوة علمية حول ابن خلدون والأبعاد الكونية لكتاب "المقدّمة": ابن خلدون هو الأب العلمي والعقلي لعلم الاجتماع    البنك المركزي :العائدات السياحية و عائدات العمل تغطي 68 بالمائة من خدمة الدين الخارجي إلى يوم 20 ماي 2024    لاعب مغربي يجمع بين جائزتي الهداف و الافضل    الرابطة المحترفة الثانية (الجولة 23): نتائج مباريات المجموعة الثانية والترتيب    تخصيص ميزانيات ضخمة للمهرجانات لجلب فنانين باسعار قياسية..المنصف بوكثير يوضّح    بمناسبة "يوم إفريقيا".. تونس تؤكد أهمية تكثيف التشاور والتنسيق والتعاون بين حكومات الدول الإفريقية    اتصالات تونس تتوج لمجهوداتها في مجال الالتزام البيئي    سليانة: مندوبية الفلاحة تدعو الى إتخاذ جملة من التدابير اللازمة للتوقي من الحرائق    قبلي: توفر 6 آلاف اضحية بالأسواق وورشات التسمين و12 ألف رأس لدى العائلات    إصابة أحد مشجّعي الترجي أمام "استاد القاهرة"    بطولة العالم لالعاب القوى لذوي الاعاقة - آمان الله التيساوي يتوج بذهبية سباق 1500م ويحطم الرقم القياسي العالمي    قيس سعيد: لم يقع تتبّع أي شخص من أجل رأي ونحن نرفض رفضا قاطعا أن يُزج بأحد في السجن من أجل فكرة    أليست الاختراعات التكنولوجية كشفٌ من الله لآياته في أنفس العلماء؟    لأول مرة في تونس: عملية استئصال ورم في قاعدة الدماغ بالمنظار، عن طريق الأنف    مفزع/ حوادث: 18 حالة وفاة خلال 24 ساعة..    فلسطين تطالب بضرورة محاسبة الكيان الصهيوني على جرائمه بحق الشعب الفلسطيني    زغوان: حجز بضائع مهربة فاقت قيمتها 360 ألف دينار    قابس: ضبط أكثر من 10 آلاف قرص مخدر مخفية داخل مكيف هواء..    من بينها البطاطا المقلية: عادات غذائية تسرع من الشيخوخة..اخذروها..    الهلال السعودي يدخل موسوعة "غينيس" بأطول سلسلة انتصارات متتالية    فلسطين حاضرة في ذاكرة الاغاني شامخة في الوجدان التونسي    المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك توحه نداء عاجل لرئيس الدولة..    معهد الفلك المصري يحدّد موعد أول أيام عيد الأضحى    معهد الفلك المصري يكشف عن موعد أول أيام عيد الأضحى    اليوم على " ستاد القاهرة" … الترجي يتحدى الاهلي من اجل الظفر بلقبه الخامس برابطة ابطال افريقيا    هبوط اضطراري لمروحية رئيس وزراء أرمينيا    قفصة: الكشف عن محل لصنع مادة "مسكّرة"    عاجل/ بوتين يفجر مفاجأة عن مقتل رئيس إيران ومروحية مرافقيه..    ما علاقة استخدام الهواتف الذكية ومشاهدة التلفزيون بمرض السمنة لدى الأطفال؟    عاجل/ بعد قرار محكمة العدل الدولية: قوات الإحتلال تقصف رفح..    الطقس يوم السبت 25 ماي 2024    انتحار شاب ثلاثيني شنقا..    بينها سما دبي: رئيس الجمهورية يدعو إلى إيجاد حلّ نهائي للمشاريع المعطّلة    قيس سعيد يشدد على ضرورة ترشيد النفقات العمومية وحسن التصرف في الموارد    نجاح طبي جديد/ لأوّل مرّة في تونس: استئصال ورم في قاعدة الدماغ بالمنظار عن طريق الأنف    رئيس قسم الأعصاب بمستشفى الرازي يوجّه هذه النصائح للتونسيين    نابل: يوم إعلامي حول التجربة المغربية في المقاومة البيولوجية للحشرة القرمزية بمزارع التين الشوكي    تسع مدراس ابتدائية تشارك في الملتقى الجهوي للكورال بسيدي بوزيد    حُبّ أبي بكر للرّسول صلى الله عليه وسلم    المديرة العامة للإذاعة الوطنية : 60 ألف دينار معلوم كراء إذاعة الزيتونة    مواقف مضيئة للصحابة ..في حبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أبو يعرب المرزوقي يقيم مسار الثورة التونسية - الجزء الثاني


الشعب مدرك لهدف الثورة العميق

فكل محاولة لحصر قيم الثورة في مجرد العيش على فضلات النظام الرأسمالي وصدقات المجموعة الأوروبية والولايات المتحدة لتوطيد التبعية لا يمكن أن يعتبر الفهم الصحيح للثورة وأهدافها. وسيان عندي أن يكون ذلك معتقد ابن علي أو أي حزب آخر بما في ذلك حزب النهضة الذي تبدو بعض قياداته ميالة لمقايضة البقاء في الحكم بالكثير من التنازلات فينتهي بهم الأمر إلى موقف جنيس. لذلك فإني عارضت وأعارض بكل قوة محاولة الاندماج في المنظومة الأوربية. فهذا الاندماج خيانة لأهداف الثورة سواء كان بقيادة ابن علي أو بقيادة الحكومة الحالية. إنه بعبارة أوضح مواصلة لسياسة التبعية. وهو يعني في الحقيقة وعلى المدى القريب جدا تحويل بلدنا إلى تابع مطلق.
فيصبح أبناؤنا خدما في الشركات الأوروبية بصورة مباشرة وفي التروستات (المجمعات الصناعية والتجارية) الصهيونية بصورة غير مباشرة. أعني أن مستقبل القدرة يصبح عديما لأن الاقتصاد التابع سيجعل الشباب التونسي نوادل في الفنادق وعبيدا في المناولات. كما أن مستقبل الإرادة يصبح فقيدا لأن الثقافة التابعة ستجعل الشباب مغتربا وفاقدا لكل إيمان بذاته وبحضارته. وعندئذ تكتمل شروط الوجود العبودي: لا يرى الشباب غضاضة في الخدمة الذليلة للأسياد الذي طموحه الوحيد هو التقرب منهم والتشبه بهم ما أمكن له التشبه. وحينئذ يكون آباؤنا وأجدادنا الذين سعوا إلى مقاومة الاستعمار قد ضحوا من أجل لا شيء بل إن الأحفاد سيعتبرونه أغبياء لأنهم ضيعوا عليهم فرصة الاندماج العبودي إذ إن بقاء الاستعمار المباشر كان يمكن أن يحققه بصورة أفضل: فتربية الشعوب على قيم العبودية بالإذلال والتجويع مع طلاء التحديث السطحي يجيدها أسياد هذه النخب أفضل منهم في هذه الحالة.
ذلك أن هدفي الثورة لو كانا كما يفهمهما أصحاب الاندماج لسد الحاجات المباشرة وعلاج الآزف من الاختناقات ظنا أن ذلك لن يكون إلا بصورة مؤقتة للحد من الغليان الثوري لكان ما نعتبره ثورة مجرد لوم للنظام السابق بالتقصير في تحقيق أهداف النخب العميلة بالاندماج في المجموعة الأوروبية اقتصاديا وثقافيا والخروج النهائي من الانتساب إلى الحضارة العربية الإسلامية أعني يأسا نهائيا من إمكانية توحيد المغرب العربي بداية والوطن العربي وسيطا بين هذه المرحلة ومرحلة الكامنوالث الإسلامي الذي سيكون القطب المعدل للتوازنات الدولية في مستوى شروطها المادية والقيمية. فلا تكون النخب فهمت أن الشعب قد ثار على الاستبداد والفساد وأسباب التبعية التي قضت على شروط الكرامة والحرية بل هي تعتبر الثورة مقصورة على تقصير ابن علي ومافيته في تحقيق حلمهم بالقضاء النهائي على كل ارتباط بما يؤمن به الشعب من قيم وتاريخ وانتساب.
فإذا فهمنا ما حصل في ما نطلق عليه اسم الثورة العربية هذا الفهم كان ذلك دليلا على أن النخب تسعى إلى محو كل إمكانية لعودة الأمة لأداء رسالتها الكونية أعني المعنى الوحيد لتحقيق أهدافها التي هي شروط الرسالة إذ ما من ثورة تنازلت عن رسالة تحدد منزلة أمتها الوجودية في التاريخ العالمي يمكن أن تسمى ثورة. والمعلوم أن الأمة العربية خاصة والأمة الإسلامية عامة إذا مالت إلى هذه المفهوم تكون قد سلمت بأن كل الخيارات القيمية والوجودية الممكنة لا تكون إلا من جنس الخيارات التي تذهب بالعالم ماديا وروحيا إلى حتفه باسم حضارة الرأسمالية المتوحشة التي أفسدت البيئتين الطبيعية والثقافية واستعبدت جل البشرية من أجل رفاهية قلة مافياوية متحالفة ومنها هذه النخب التي تتغنى أقوالها بالديموقراطية وتتشبث أفعالها بالدكتاتورية واحتقار إرادة الشعوب.
ولعل عبارة منظر هذا النوع من النخب منظرهم لسياسة تجفيف المنابع (السيد محمد الشرفي) في اتهامه الرئيس بورقيبة بالتقصير الذي أدى إلى فشله حسب رأيه في فرض منطق تجفيف المنابع والقطع النهائي مع الحضارة الإسلامية هو القصد من كل ما نراه من مناورات مؤداها أن الحلف مع ابن علي لم يكن كافيا لتحقيق هذا الحلم. خاب ظنهم ولم يبق لهم من مسعى إلا الذهاب إلى الغاية في التطرف بحل جنيس لما حصل في الجزائر أعني بحرب استئصالية. ولعل توقفهم دون ذلك حاليا علته أنهم لم يجدوا في الجيش الوطني جنرالات فاسدين أو فاسدين بما يكفي لأداء هذا الدور أو متورطين مع النظام السابق بالحد الذي يلجئهم إلى هذا الحل فضلا عن كون المناخ الدولي لم يعد يسمح بالانقلابات العسكرية: لذلك ترى أكثرهم وقاحة وسماجة يتحصرون على هروب ابن علي ويلومون الغرب إذ سلم بحق غيرهم في حكم البلاد بالطرق الديموقراطية مخوفين إياه من كل ما يشتم منه رائحة المرجعية الإسلامية مهما كان صاحبها معتدلا وحاصلا على كل ما يمكن أن يعد من علامات الحداثة السليمة.

علل الالتزام بخوض المعركة السياسية مباشرة
تلك هي علل الالتزام بالعمل السياسي الذي ظننت أني قطعت معه منذ النهاية الأليمة لمحاولة المرحوم محمد مزالي إنقاذ النظام وإعادة البلاد إلى محيطها الطبيعي وقررت التفرغ لتفسير القرآن وترجمة بعض الأمهات من الفلسفة الألمانية جمعا بين ما اعتبره سنن الحضارة السوية: الجمع بين فهم تراثنا النقلي وتثقيف زادنا العقلي. لكني عدت إلى العمل السياسي لأني رأيت نفس التوجه الذي جاء بابن علي يحاول أن يئد الثورة ليبقي على نفس القطيعة بين البلاد ومحيطها الحضاري وبينها وبين شروط التحرر من التبعية السياسية والاقتصادية والثقافية والتربوية. وهذا التوجه يمثله حلف بين المعالم مؤلف من خمس قوى هي عين رؤوس المافية التي تقاسمت امتصاص دم البلاد منذ ذلك الحين. وليس في القول بهذا إيمان بنظرية المؤامرة أو بحث عن تبرير لتعثر الحكم الحالي بل هو وصف لعين ما يحصل فعلا:
أفسد ما الحزب الدستوري الذين أصبحوا زبائن التجمع بعد انقراض أفاضلهم
وأفسد ما في النخب السياسية والثقافية والتربوية التي تحالفت معه
وأفسد ما في الاتحاد العام التونسي للشغل الذي له هو بدوره مافيته
وأفسد ما في الإعلام الذي كان يملع المافيتين في الداخل والخارج بمقابل معلوم
وأفسد رجال الأعمال مهدمي شروط استقلال الاقتصاد الوطني وتكوين الثورة الوطنية
ولعل هؤلاء هم عينهم الذين يحاولون فرض نفس السياسات منذ هروب المخلوع للإبقاء على النظام من دون رأسه ودائرته الضيقة وإن بتقديم بعض التنازلات والترضيات مع تلغيم ساحات العمل الذي يحقق أهداف الثورة السياسي منها والاقتصادي والثقافي والتربوي (ونفس الأمر في مصر منذ سقوط مبارك: فمثل هذه الظاهرة نراها تحدث في مصر بحيث إن الوضع متماثل في الحالتين ليس في أحداث الثورة فحسب بل وكذلك في أحداث الثورة المضادة). لذلك فالهدف هو منع الثورة من تحقيق أهدافها الحقيقية تقديما للفهم السطحي من هدفي الكرامة والحرية الهدفين اللذين حصرت دلالتهما في معناهما المباشر وليس في شروطهما التي تغني عن حصول ما يحول دونهما والتحقق الفعلي. والخطة التي لا تزال متواصلة إلى الآن تلخيصها في هذين المسعيين البينين لكل ذي بصيرة:
المسعى الأول هو إجبار من يختارهم الشعب على الغرق في معادلات الوضع السابق بسبب سيف ديموقليس المسلط على رقابهم. وأمضى سيف في هذه الحالة هو هشاشة الوضع الاقتصادي. وحتى يتأكدوا من مضائه ذهبوا بهذه الهشاشة إلى أقصاها بتأجيج المطالبات وتوظيف البعض من ذوي التأثير في الاتحاد العام التونسي للشغل ممن كان دائما حليف الاستبداد والفساد تأثيرهم الذي بدأ منذ الحرب الأهلية بأن شارك في حسمها بالتعاون بين الحزب والاتحاد والاحتلال. وحتى المخلص من قيادات المعركة الوطنية ذات الشرعية التاريخية فإنها فقدت بالتدريج القدرة على تغطية الاستبداد فاضطرت هي بدورها للقبول بسريان الفساد في جسم البلاد جمعا بين شرطي الإبقاء على التبعية لمستعمر الأمس.
والمسعى الثاني هو اصطناع مناخ من الفوضى وانعدام الأمن حتى تفشل كل محاولات استصلاح الأوضاع سلميا وبعمل عادي لأدوات الدولة لإجبار متولي السلطة الشرعية على اللجوء إلى استعمال القوة استعمالها الذي يتحول بالتدريج إلى دكتاتورية يكون فيها ضحايا الأمس جلادي اليوم مع تعويض الإسلامي النهضاوي بالإسلامي السلفي ووضع البلد في حرب أهلية بين الإسلاميين لإفشال المصالحة بين الأصالة والحداثة التي هي شرط التحرر من التبعية في المجالين السياسي الاقتصادي والتربوي الثقافي. ومن غريب ما يحصل في الحرب النفسية الإعلامية الداخلية والخارجية هو قيس صفة رجل الدولة بحدة الضرب على سلفية التأصيل الذين يعتبر موتاهم دون الحيوانات قيمة و لطف التسيب المطلق إزاء سلفية التغريب الذين تعتبر شكواهم فوق منزلة المقدسات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.