مع الشروق .. قمّة بكين ... وبداية تشكّل نظام دولي جديد    انطلاقا من غرة جوان: 43 د السعر الأقصى للكلغ الواحد من لحم الضأن    رئيس الحكومة يستقبل المدير العام للمجمع السعودي "أكوا باور"    توقيع مذكرة تفاهم تونسية سعودية لتطوير مشروع إنتاج الهيدروجين الأخضر في تونس    شهداء وجرحى في قصف لقوات الاحتلال على مدينة غزة..    بطاقتا إيداع بالسجن ضد أجنبيين تورّطا في تنظيم عمليات دخول أفارقة لتونس بطرق غير نظامية    بداية من اليوم: خدمة جديدة للمنخرطين بال'كنام' والحاصلين على الهوية الرقمية    صفاقس: إيقاف 21 افريقيا وصاحب منزل أثر معركة بالاسلحة البيضاء    جنيف: وزير الصحة يؤكد أهمية تعزيز قدرات الدول الإفريقية في مجال تصنيع اللّقاحات    عاجل/ هذا ما قرّرته 'الفيفا' بشأن المكتب الجامعي الحالي    وزارة الصناعة: توقيع اتفاقية تعاون بين أعضاء شبكة المؤسسات الأوروبية "EEN Tunisie"    مفقودة منذ سنتين: الصيادلة يدعون لتوفير أدوية الإقلاع عن التدخين    كلاسيكو شوط بشوط وهدف قاتل    أول تعليق من نيللي كريم بعد الانفصال عن هشام عاشور    بالفيديو: بطل عالم تونسي ''يحرق'' من اليونان الى إيطاليا    مراسم استقبال رسمية على شرف رئيس الجمهورية وحرمه بمناسبة زيارة الدولة التي يؤديها إلى الصين (فيديو)    عاجل/ فرنسا: إحباط مخطّط لمهاجمة فعاليات كرة قدم خلال الأولمبياد    وزارة المرأة تحذّر مؤسسات الطفولة من استغلال الأطفال في 'الشعوذة الثقافية'    بن عروس: حجز أجهزة اتصالات الكترونيّة تستعمل في الغشّ في الامتحانات    بطاقة إيداع بالسجن ضدّ منذر الونيسي    مجلس نواب الشعب: جلسة استماع حول مقترح قانون الفنان والمهن الفنية    رئيس لجنة الفلاحة يؤكد إمكانية زراعة 100 ألف هكتار في الجنوب التونسي    المنتخب الوطني يشرع اليوم في التحضيرات إستعدادا لتصفيات كأس العالم 2026    النادي الصفاقسي في ضيافة الاتحاد الرياضي المنستيري    الرئيس الصيني يقيم استقبالا خاصا للرئيس قيس سعيّد    قبلي : تنظيم اجتماع تشاوري حول مستجدات القطاع الثقافي وآفاق المرحلة القادمة    وزير التعليم العالي: نحو التقليص من الشعب ذات الآفاق التشغيلية المحدودة    عاجل/ حريق ثاني في حقل قمح بجندوبة    مستشفى الحبيب ثامر: لجنة مكافحة التدخين تنجح في مساعدة 70% من الوافدين عليها على الإقلاع عن التدخين    منظمة الصحة العالمية تمنح وزير التعليم العالي التونسي ميدالية جائزة مكافحة التدخين لسنة 2024    صفاقس: وفاة امرأتين وإصابة 11 راكبا في اصطدام حافلة ليبية بشاحنة    تطاوين: البنك التونسي للتضامن يقرّ جملة من التمويلات الخصوصية لفائدة فلاحي الجهة    بمشاركة اكثر من 300 مؤسسة:تونس وتركيا تنظمان بإسطنبول أول منتدى للتعاون.    رولان غاروس: إسكندر المنصوري يتأهل الى الدور الثاني لمسابقة الزوجي    الشايبي يُشرف على افتتاح موسم الأنشطة الدّينية بمقام سيدي بالحسن الشّاذلي    الدخول إلى المتاحف والمواقع الأثرية والتاريخية مجانا يوم الأحد 2 جوان    آخر مستجدات قضية عمر العبيدي..    الانتقال الطاقي: مشروع للضخ بقدرة 400 ميغاواط    انتخاب التونسي صالح الهمامي عضوا بلجنة المعايير الصحية لحيوانات اليابسة بالمنظمة العالمية للصحة الحيوانية    رولان غاروس: أنس جابر تواجه اليوم المصنفة 34 عالميا    حادث مروع بين حافلة ليبية وشاحنة في صفاقس..وهذه حصيلة الضحايا..#خبر_عاجل    بعد الظهر: أمطار ستشمل هذه المناطق    جبنيانة: الإطاحة بعصابة تساعد الأجانب على الإقامة غير الشرعية    الرابطة المحترفة الأولى: مرحلة تفادي النزول – الجولة 13: مباراة مصيرية لنجم المتلوي ومستقبل سليمان    الأوروغوياني كافاني يعلن اعتزاله اللعب دوليا    عاجل/بعد سوسة: رجة أرضية ثانية بهذه المنطقة..    إلغاء بقية برنامج زيارة الصحفي وائل الدحدوح إلى تونس    تونس والجزائر توقعان اتفاقية للتهيئة السياحية في ظلّ مشاركة تونسية هامّة في صالون السياحة والأسفار بالجزائر    بنزرت: الرواية الحقيقية لوفاة طبيب على يدي ابنه    الإعلان عن تنظيم الدورة 25 لأيام قرطاج المسرحية من 23 إلى 30 نوفمبر 2024    منبر الجمعة .. لا يدخل الجنة قاطع صلة الرحم !    مواطن التيسير في أداء مناسك الحج    من أبرز سمات المجتمع المسلم .. التكافل الاجتماعي في الأعياد والمناسبات    شقيقة كيم: "بالونات القمامة" هدايا صادقة للكوريين الجنوبيين    محكمة موسكو تصدر قرارا بشأن المتهمين بهجوم "كروكوس" الإرهابي    مدينة الثقافة.. بيت الرواية يحتفي ب "أحبها بلا ذاكرة"    الدورة السابعة للمهرجان الدولي لفن السيرك وفنون الشارع .. فنانون من 11 بلدا يجوبون 10 ولايات    عندك فكرة ...علاش سمي ''عيد الأضحى'' بهذا الاسم ؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تونس تحتل المرتبة 134 في تصنيف حرية الصحافة سنة 2011: التقرير الكامل لمراسلون بلا حدود لواقع الإعلام في تونس بعد 14 جانفي
نشر في ديما أونلاين يوم 26 - 01 - 2012

احتلفت تونس المرتبة 134 في تصنيف حرية الصحافة سنة 2011 وهو ما يعتبر تراجعا مخيفا بعد ثورة 14 جانفي. وبمناسبة الذكرى الأولى للثورة التونسية، تعدّ مراسلون بلا حدود تقريراً حول تطور المشهد الإعلامي في تونس .
ضرورة وجود إطار قانوني متين
لا يمكن ضمان استقلالية وسائل الإعلام في غياب إطار قانوني متين. بالرغم من التعديلات التي ما زال بالإمكان إجراؤها على النصوص، بيد أن تبنّي مشروعي القانونين (قانون الصحافة وقانون الإعلام المرئي والمسموع) في خلال جلسة مجلس الوزارء الأخيرة قبل انتخابات 23 تشرين الأول/أكتوبر 2011 قد يسمح بتفادي الفراغ القانوني والحؤول دون تطبيق قوانين كانت سائدة في عهد زين العابدين بن علي.
في الواقع، ينبغي أن يشكل قانون الصحافة، حتى لو ما زالت العيوب تشوبه، الحد الأدنى من الحماية، باعتبار أن هذا التشريع ينص على حرية التعبير كمبدأ يجدر ذكره بوضوح في الدستور المستقبلي. ومن الآن فصاعداً، يجب تطبيق الأحكام الخاصة بالصحافة وحدها وإلغاء أي أحكام مخالفة.
ولا بدّ في المستقبل من التأكد من تطبيق هذا النص بالتحديد على الانتهاكات المرتكبة ضد حرية التعبير، باستثناء الأحكام العامة لقانون العقوبات. وفي خلاف ذلك، يقضى على النص تماماً.
ويبقى هذا النص عاجزاً عن تأمين الحماية الفعلية لحرية التعبير ما لم يكن مصحوباً بإصلاحات جوهرية تجرى على الأنظمة الإدارية والقضائية. ويجدر بالسلطات الجديدة والإدارة التي لم تجدد غداة 14 كانون الثاني/يناير 2011 أن تتخذ تدابير ملائمة لضمان التعددية والاستقلالية.
إلا أن التعيينات الأخيرة على رأس وسائل الإعلام الرسمية التي أعلن عنها رئيس الوزراء في 7 كانون الثاني/يناير خلافاً لأحكام المادة 19 من المرسوم رقم 2011-116 بتاريخ 2 تشرين الثاني/نوفمبر 2011، تشكل انتهاكاً صارخاً لمبدأ الاستقلالية. ويعتبر حاجة ملحة إنشاء الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري لتحل مكان الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال بما تمثله من هيئة استشارية شكلتها الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي. وتنطبق الحاجة نفسها على إنشاء لجنة لمنح البطاقة الوطنية للصحافيين المحترفين.
لا يعالج قانون الصحافة قضية الإنترنت ووسائل الإعلام الإلكترونية بشكل كافٍ. مع أن هذا القانون ينص على مبدأ حرية التعبير الذي سيشكل حتماً الأساس لحماية مستخدمي الشبكة، ولكنه يحتفظ بالصمت إزاء خصوصية مسؤولية وسائل الإعلام الإلكترونية.
اللامركزية: رهان حرج
بالنسبة إلى الغالبية العظمى من المواطنين، تعتبر حرية التعبير من الانتصارات الكبرى للثورة. ولكن التونسيين يلومون وسائل الإعلام الوطنية على تركيز اهتمامها على الأحداث التي تشهدها العاصمة من دون إيلاء المناطق أهمية كبيرة.
تشهد شبكة الإنترنت أيضاً على التنمية غير المتوازنة بين تونس العاصمة وسائر مناطق البلاد. ومع أن هذا البلد يعرف معدل نفاذ مرتفع يبلغ 34 بالمئة وفقاً لأحدث الأرقام الصادرة عن شركة إنترنت ورلد ستاتس (في 30 حزيران/يونيو 2010)، غير أن التونسيين الذين يعيشون خارج المراكز الحضرية الرئيسة نادراً ما يملكون الإنترنت في منزلهم.
الواقع أنه خارج تونس العاصمة، في عهد بن علي، كانت وسائل الإعلام الوحيدة المتوفرة هي وسائل إعلام رسمية، بهدف منع انتشار الحركات الاحتجاجية الاجتماعية. وبالتالي، كانت خمس من المحطات الإذاعية المناطقية الست رسمية. لذا، من المتوقع أن يسمح ظهور إذاعات جديدة بتعزيز تطور القطاع وانفتاح المناطق. أما الصحافة، اليومية والأسبوعية الوطنية، فنادراً ما تحظى بمكاتب لها في المناطق، معتمدةً على مراسلين محليين يشكل افتقارهم إلى الاحتراف والتدريب عبءاً ثقيلاً على جودة المعلومات المنقولة.
لتصحيح الاختلالات المناطقية على مستوى التغطية الإعلامية، أوصت الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال في 29 حزيران/يونيو 2011 بمنح تراخيص ل12 إذاعة، يقع ثمانٍ منها في المناطق. وفي السياق نفسه، من المرتقب أن يتم توفير تغطية أفضل للمناطق، بعد أن تحوّلت قناة التلفزة الوطنية الثانية الوطنية 2 إلى قناة المناطق في 2 كانون الثاني/يناير 2012.
سياسة ميّالة إلى وسائل الإعلام القائمة
الإذاعات: بين تكلفة الإنشاء وغياب المُعلنين
يحتكر الديوان الوطني للإرسال الإذاعي والتلفزي التابع لوزارة الصناعة والتكنولوجيا والمنشأ في العام 1975 [1] بث مجمل البرامج الإذاعية والتلفزيونية. ويتولى، من بين أمور أخرى، تحديد تكلفة البث.
في أيلول/سبتمبر 2011، حدد الديوان الوطني للإرسال الإذاعي والتلفزي ب110000 دينار/السنة (57000 يورو) ضريبة البث الإذاعي، أكانت الإذاعة خاصة أو نقابية. وقد أجمع مدراء المحطات الإثنتي عشرة التي تلقت توصية في حزيران/يونيو الماضي من الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال على أن هذا المبلغ فادح ويندرج في إطار الممارسات الرقابية المقنّعة. وحدها المحطات الإذاعية الخاصة التي تملك رأس مال كبيراً ستكون قادرة على تسديد ضريبة سنوية من هذا القبيل.
رفضت عدة إذاعات توقيع اتفاق مع الديوان الوطني للإرسال الإذاعي والتلفزي لأسباب مالية ولكن أيضاً من حيث المبدأ. فقد أعلن كل من راديو 6 في تونس العاصمة وصوت المناجم في قفصة رفضهما معتبرين أن المبلغ الذي حدده الديوان الوطني للإرسال الإذاعي والتلفزي غير متكافئ مع وضع الإذاعات المجتمعية. وإذا بدأ راديو 6 بالبث بشكل غير قانوني، فمن المرتقب أن يقوم صوت المناجم ببث برامجه على الهواء قريباً. ولكن إذاعات أخرى وقعت الاتفاق وباشرت بالبث مثل أوكسجين أف أم (بنزرت) وأوازيس أف أم (قابس) وراديو 6 (إذاعة غير شرعية في تونس العاصمة). أما ابتسامة أف أم فهي في مرحلة الأتمتة.
لمواجهة الصعوبات التي تعترض الإذاعات الجديدة ولحل المشاكل التي يمر بها قطاع الإعلام، توجهت الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال في 28 كانون الأول/ديسمبر 2011 برسالة إلى السلطات الجديدة أوصتها فيها بتنفيذ 14 إجراء طارئاً. فاقترحت تعزيز المزايا الضريبية لضمان إثراء المشهد الإعلامي وتنوّعه على أساس الشفافية والنزاهة مشيرةً إلى أن الوضع يقتضي تخفيض تعريفات بث الإذاعات الجديدة واعتماد أسعار رمزية للمؤسسات المرئية والمسموعة غير التجارية.
بالإضافة إلى ذلك، تُمنح التراخيص لمدة ثلاثة أشهر فقط حتى يتسنى لوسائل الإعلام توقيع دفتر شروط لم يعرض عليها بعد. ومن شأن الطبيعة غير المحسومة لهذه التراخيص أن تضع الإذاعات في مواقف محرجة حائلة دون الاستثمارات الخاصة. ولكن استقرار النظام الإعلامي يتوقف على منح هذه التراخيص بصورة دائمة في ظل إجراءات رقابية في حال الإخلال بأي موجبات.
وبالرغم من ازدياد عدد مشاريع إنشاء الإذاعات، إلا أن الإعلانات الخاصة باتت نادرة بفعل المناخ الاقتصادي الحالي السائد. ويفضّل المعلنون الخاصون القليلون التوجه إلى إذاعات معروفة في تونس العاصمة، أنشئت جميعها في ظل النظام القديم في غياب أي آلية شفافة لتخصيص الترددات والتراخيص.
الصحافة: مفارقة تشهد على نجاح الصحف القديمة في المحافظة على مصالحها على حساب الصحف الجديدة
من المفارقات أن الصحف الجديدة التي أبصرت النور وأخذت تسمع آراء جديدة لم تتمكن من أن تحافظ على مصالحها لأن الفائزين الفعليين في الثورة هم صحف كانت موجودة في عهد زين العابدين بن علي.
إنها صحف تتمتع بمكتسبات بسبب قدمها (إعلانات عامة وخاصة، ولاء القراء، شبكة توزيع، شبكات نفوذ، بنية تحتية). أما الصحف الجديدة فتفتقر إلى الموارد والنفوذ ولا يستقطب التزام بعضها السياسي بالضرورة المستثمرين.
على صعيد آخر، يفترض بالسلطات الجديدة أن تنهي مهام الوكالة التونسية للاتصال الخارجي التي تكمن إحدى وظائفها في توزيع الموارد المالية الناجمة عن الإعلانات العامة على مختلف الصحف. وقد أدانت النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين والنقابة التونسية للصحف الحزبية والمستقلة استمرار المنشورات التي كانت قائمة في ظل عهد الرئيس بن علي والمرتبطة مباشرة بالوزارات، في تلقي الأموال من الإعلانات العامة. وهي منشورات يمكنها أن تلجأ أيضاً إلى وسائل ضغط ملتوية خاصةً من خلال التوزيع (الشبكات ومنافذ البيع) بغية منع وسائل الإعلام الجديدة من التطوّر.
التلفزيون: انفتاح ضعيف
على عكس الإذاعات، يقع مقر قنوات التلفزة التونسية الجديدة كافة في العاصمة معززةً بذلك تركّز وسائل الإعلام فيها.
في 7 أيلول/سبتمبر 2011، أوصت الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال بمنح تراخيص لخمس قنوات تلفزة جديدة. ومنذ ذلك الحين، حصلت كل القنوات على اتفاق مبدئي من رئاسة الوزراء والتزام خطي من الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال يفيدان بأن مدراء قنوات التلفزة سيتلقون دفتر الشروط النهائي من الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري. ومن بين هذه القنوات، بدأت قناة الحوار التونسي وقناة TWT ببث برامجهما على القمر الصناعي نايل سات ولكن أياً منهما لا يبث على القناة الهرتزية. وستضطر القنوات الجديدة لانتظار حدث التلفزيون الرقمي الأرضي المرتقب في تونس في العام 2014 لتكفّ عن البث عبر الأقمار الصناعية.
إعادة تقدير ضرورية لأهمية المهنة
حاجة كبيرة إلى التدريب للحد من نقص الاحتراف في العمل
يفتقد بعض الصحافيين غير الخاضعين لأي تدريب في كثير من الأحيان والرازحين تحت وطأة ممارسة الانتقاد الصعبة إلى الاحتراف في تعاملهم مع الأخبار ومعالجة القضايا الحساسة. كذلك، تتسم الطلبات على التدريب بأهمية بالغة.
قامت عدة هيئات إعلامية ومؤسسية بتنظيم عدة دورات تدريبية (بي بي سي، دويتشه فيلله، راديو فرانس أنترناسيونال، بعثة الاتحاد الأوروبي...(
حتى لو كانت هذه المساهمات معتبرة، إلا أن الدورات التدريبية تبقى مبادرات آنية في حين أن المشكلة الأساسية تكمن في غياب التعليم الجامعي المرموق. ومعهد الصحافة وعلوم الأخبار هو المؤسسة الوحيدة التي توفر تدريباً عالياً في مجال الصحافة، مع أنه تجدر مراجعة كل الدروس الموفرة فيه لتزويد الطلاب المستقبليين بمسيرة رفيعة المستوى عبر إعادة تقدير أهمية الدورات التدريبية وتنقيح صورة المهنة نفسها التي كانت تشوبها تسويات وسائل الإعلام مع السلطة في عهد بن علي. فضلاً عن ذلك، من البديهي أن يسمح إنشاء مؤسسات جامعية أخرى خاصة وعامة تعنى بإعداد إعلاميين محترفين في رفع مستوى طلاب الصحافة.
إعادة تقدير مالية لضمان استقلالية الصحافيين
استخدم نظام زين العابدين بن علي المال لسنوات طويلة وسيلةً للضغط على الصحافة. فحوّل ظروف الصحافيين المعيشية المتردية إلى سلاح فعلي يتلاعب به لصالحه. وكانت مداخيل الصحافيين المتدنية تورّطهم في علاقة إذعان لأرباب عملهم المتزلّفين بدورهم إلى النظام المؤيّد للمحسوبية والفساد والرقابة الذاتية.
اليوم، يتلقى الصحافي أجراً يتراوح بين 250 و1200 دينار شهرياً (بمعدل حوالى 500 دينار). بالرغم من وجود اتفاقات جماعية ونشاطات نقابية، إلا أن صعوبات الصحافيين المالية ما زالت قائمة منذ بدء الثورة نتيجة مقاومة أصحاب وسائل الإعلام الرافضين للتغيير، في حين أنه ينبغي أن يحظى الإعلاميون المحترفون بمستوى معيشي لائق يشكل الضمانة الوحيدة لاستقلاليتهم الفعلية إزاء محاولات الرشاوى.
أخلاقيات للمدوّنين
بالتوازي مع رفع قيمة مهنة الصحافة ومكافحة ترشيح الإنترنت، من الضروري توعية المتصفّحين إزاء الأخلاقيات على الشبكة، ذلك أن القدح والذم والتشهير وانتهاك الخصوصية باتت من الأعمال الرائجة على الشبكات الاجتماعية شأن فايسبوك (2.7 مليون مستخدم)، ما يتسبب بتشويه سمعة الويب.
ويفتقد عدد كبير من الصحافيين ومستخدمي الإنترنت إلى الحس بالمسؤولية عند نشر المعلومات، متناسين إحدى القواعد الأخلاقية الأساسية: التحقق من المعلومات في عصر أصبحت الشائعات تنتشر فيه مثل النار في الهشيم.
"خطوط حمراء" مختلفة، ولكن أيضاً متحرّكة
لم تتوقف التهديدات لحرية الإعلام عن الازدياد منذ سقوط زين العابدين بن علي. ومع أن "الخطوط الحمراء" لم تعد مطابقة لتلك التي كانت موجودة قبل 14 كانون الثاني/يناير 2011، بيد أنها أصبحت تتخذ أشكالاً متعددة يصعب تعرّفها.
الرقابة غير المباشرة والرقابة الذاتية
صحيح أن الصحافيين لم يعودوا معرّضين لرقابة مباشرة يفرضها النظام بدقة، غير أن عملهم يتعرّض لعرقلة يومية بموجب مجموعة من العقبات التي تشكل أعمال رقابة غير مباشرة بقدر ما يصعب تحديدها وإحصاؤها.
لعل أبرز المشاكل التي أثارها الصحافيون تكمن في النفاذ إلى المعلومات، بالرغم من التصويت في 26 أيار/مايو 2011 على قانون يضمن الوصول إلى المصادر. كما اشتكى عدة صحافيين من غياب النقاش في أسر التحرير مشددين على أن مدراء الصحف أصبحوا فارضي الرقابة الجدد.
تشكل الضغوط التي يمارسها المواطنون على الصحافيين ولا سيما في المناطق والخوف من أن يحاكموا بسبب ما يقولونه أو يبثونه عوائق جديدة تعرقل عملهم. وتزداد هذه الضغوط إذا ما كانوا يغطون الاحتجاجات والإضرابات التي يتم في خلالها التهجّم عليهم بانتظام نتيجة التشكيك في حيادهم.
الدين، قضية حساسة
ترى أقلية من الأصوليين الدينيين أن حرية التعبير تتعارض مع احترام الدين. منذ 14 كانون الثاني/يناير 2011، تعرّضت عدة وسائل إعلام للهجوم. ووقع صحافيون ضحايا تهديدات لفظية أو اعتداءات جسدية. ولا شك في أن أعمال العنف هذه تمثل تهديداً خطيراً لحرية التعبير موجهاً بشكل خاص ضد الصحافيين المهتمين بتحليل المجال الديني وعواقبه على الساحة السياسية والإعلامية.
إثر بث فيلم الرسوم المتحركة برسبوليس في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2011، تم الاعتداء على قناة نسمة ومديرها نبيل كروي المتهم على أساس المادتين 4 و48 من قانون الصحافة السابق والمادتين 226 و226 مكرر من قانون العقوبات التي تقمع جميعها الإساءة إلى الأديان والآداب العامة والأخلاقيات العامة. وقد تم تأجيل جلسة المحاكمة التي افتتحت في 23 كانون الثاني/يناير 2012 في جو مشحون إلى 19 نيسان/أبريل المقبل بناء على طلب الجهة الاتهامية. ومن شأن هذا التأجيل أن يزيد حدةً الجدل حول العلاقات بين حرية التعبير والدين. وفي خلال الجلسة، تم التهجّم على صحافيين معروفين بمساندتهم لقناة نسمة منذ انطلاق النقاش حول بث الفيلم.
بالرغم من خلافات التونسيين وضراوة نقاشاتهم حول الهوية الدينية، إلا أنهم يدركون هشاشة مبدأ حرية التعبير وضرورة حمايته.
ردود الفعل البوليسية القديمة
في 5 و6 أيار/مايو 2011، بعد أن أدلى وزير الداخلية السابق فرحات الراجحي بتصريح، هزّت موجة من الاحتجاجات البلاد، ما حدا بعناصر القوى الأمنية إلى قمع التظاهرات المنظّمة في تونس العاصمة بعنف معتدين ومتهجّمين على الإعلاميين الذين كانوا يغطون الحدث. ومنذ ذلك الحين، لم تتوقف دوّامة العنف كما رأيناه في تموز/يوليو الماضي ومؤخراً في أوائل كانون الثاني/يناير.
من شأن أعمال العنف هذه التي يرتكبها عناصر القوى الأمنية أن تذكرنا بردود الفعل البوليسية التي كانت سائدة في عهد بن علي كما أنها تعكس الصعوبة التي تواجهها وزارة الداخلية لإصلاح الشرطة.
استئناف ترشيح الإنترنت
في 15 آب/أغسطس 2011، صادقت محكمة الاستئناف في تونس على القرار الصادر في 27 أيار/مايو 2011 عن المحكمة الابتدائية والقاضي بمنع النفاذ إلى مواقع إباحية. فبات يفترض بالوكالة التونسية للإنترنت التي تعدّ النقطة الوحيدة لولوج الإنترنت في البلاد إرساء نظام للرقابة والترشيح. وبما أن الوكالة لا تملك القدرة المالية والتقنية لتنشئ نظاماً مماثلاً، لم تتمكن من تطبيق الحكم وطعنت به. ومن المرتقب أن تصدر المحكمة العليا قرارها بشأن عودة الترشيح في شباط/فبراير المقبل. إذا تمت المصادقة على الحكم، ستلزم الوكالة التونسية للإنترنت بفرض الرقابة على أي محتوى يعتبر مخالفاً للقانون بعد تقديم شكوى، مؤديةً بهذا دور السلطات في فرض الرقابة على شبكة الإنترنت فيما يجدر بها أن تكون مستقلة.
لا شك في أن ضبط الويب أساسي، إلا أنه ينبغي تطبيقه بما يتوافق مع المعايير الدولية وحرصاً على احترام حرية التعبير عبر الإنترنت.
إن مراسلون بلا حدود لتعارض عودة الرقابة هذه وتأمل في أن تستبدلها السلطات التونسية بأدوات الرقابة العائلية. وفي غضون ذلك، يجدر بالمجتمع المدني والمدوّنين التعبئة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.