إنّ الهدف لأغلب الكتّاب الذين يوصّفون أو يبحثون عن تغيير وضع النّساء هو العمل على إلغائهنّ وبالتالي إلغاء كلّ اختلاف في النوع. وذلك انّ الكلمات التي تُستعمل تجاه النّساء كلّها كلمات مشحونة بالسيطرة الذكورية وهي تُلمّع بكل صفاء وجه الدونيّة والنّجاسة بل وحتى النضال ضدّ اللامساواة. إنّ العنف والممنوعات لا يبدوان قادرين على رسم هدف طموح عدا تكريس الاختلافات بين الرّجال والنّساء أين تلعب هذه الاختلافات دائما في غير صالح النساء. فبعض منهنّ تطمح الى مجتمع مثلي أمّا البعض الآخر فيطمحنّ ببساطة إلى إلغاء الإشارة للجنس أثناء عروض الشغل وطلبه وأنّ يعمّ (وربّما فرضه) الاختلاط في حدّه الأقصى الاماكن العمومية. إنّ هذه الحالة من التفكير والتي تنشأ بذاتها لدى جلّ النّساء عندما يعين أشكال الدونية التي تضربهنّ تنشأ أيضا لدى أكبر المثقفات النسويات اللواتي يمارسن تأثيرا عميقا على الساحة الفكرية والفنية خاصة في الولاياتالمتحدةالامريكية وبعض البلدان الاوروبية ومع ذلك هنّ يحتججن ضدّ الافكار المسبّقة التي تمارس ضدّهن وهنّ اللواتي ناضلن ضدّ فكرة »الطبيعة الانثوية« وحتى ضدّ فكرة »علم نفس النساء« هذا قياسا بالمبادئ التي تتغّذى من علم نفس تحليلي مقتصر على تطبيق مفاهيم مبتكرة على النّساء لفهم الرجال وتحصرهن إذا في وضع دونيّ من هنا ظهر مفهوم »الإجناسيّة« (1) (الجندرة) والذي فرض نفسه في مناطق كبيرة من العالم، ولكن هذا المفهوم لم يُتقبّل حقّا في بلدان كثيرة مثل فرنسا لأسباب ليست الاّ رديئة. إنّ إختزال النّساء إلى مجرّد كائنات اجتماعية وتعويض »اكتشاف الاسرار الانثوية« بتحليل الطريقة التي من خلالها يبني كل مجتمع أساليبه الجنسية والعلائقيّة بين المرأة والرجل دون إقصاء العلاقات اللواطيّة يُزعج بل يصدم أولئك الذين يتحدثون عن النساء بعبارات والهة وشاعريّة، فوراء هذه المساحيق قناعة بأنّ النساء كائنات هشّة وغير عقلانية ولكنّها ضروريّة لملذّات الرجال، إنّ اختراع فكرة الاجناسية وترويجها السريع خاصّة عبر »الدراسات الاجناسيّة« قد أنهى تلك المفارقة التي ومن خلال المظاهر الجميلة تجعل المرأة لم تخلق الا من أجل الرجل كما قالت ذلك سيمون دي بوڤوار في كتابها المؤسس (Le deuxiéme sexe, Gollimard 1949) ولكنّ هذه الفكرة كانت هدفا سريعا لهجومات جعلت من الأخطاء التي حفّت بها حكما عليها بالضّعف محتوما بينما يكرر الكثير من الكتاب بأن الأنوثيّة لا تعدو أن تكون تركيبة اجتماعية لانها عبارة لن تكون اكثر جذريّة من تلك التي تسم السلوك الاجتماعي للعادات الغذائية أو لبرامج التربية أو لجملة المفاهيم التقنية للامراض العقليّة أو لنسويات لجوجات ومتأثرات بالافكار الراديكالية لتلك المرحلة كنّ قد كسرن هذه العبارة الصالحة لكل شرّ واكتشفن من وراء الإجناسية السيطرة الذكورية وكإعتراف بالسلوك الاجتماعي بالأجناسيّة والذي لازال بدائيّا ليُنتج آثارا كبيرة تمّ تغيير نظريات أكثر تطوّرا منها تلك التي تعلن بأقل شكل ممكن سلطة الرجل على المرأة باعتبارها سلطة طبقة ذكورية على طبقة أنثوية فأصبحنا نتغنى بأنّ المرأة هي »بروليتاريا« الرجل ومستعمرته (son colonisé) استعارة سمحت لآخر أجيال الماركسيين والذين بقوا نشطين بعد الستينيات بالاعلان عن وحدة كل اشكال الصراع وتحويل نضال النساء باتجاه تشكيل »جبهة النساء« ضدّ الرأسمالية العالمية هذه الصياغة لها السبق في البساطة إذ نحسّ بأننا في حقل معروف ولكن لها أيضا سلبية خطرة هي إلغاء النّساء، إذ يتمّ إسكاتهنّ من طرف أسيادهنّ عن طريق الرشوة أو معلميهنّ عن طريق التأثير. من حسن الحظّ فإنّ بعض النسويات قد دفعنّ بالتحليل الى مداه الأبعد مرّة عن طريق تأثير مجموعة من الفلاسفة حيث أن قائدهم معروف وهو »جوديت باتلر« أو عن طريق توزيع راديكالية مجموعة (queer) أين يتقيد بها العديد من الفلاسفة وقد رأينا أن فرض فكرة أن مقاييس العلاقات بين الرجال والنّساء قد تمّ خلقها من أجل تأييد سيطرة منظومة اجتماعيّة ممّا يعطي احتكارا حقيقيا للعلاقات الجنسيّة غير اللواطيّة وإمتيازا لتوظيف تلك المقاييس من أجل إعادة إنتاج إجتماعي من خلال إيجاد العوائل التي تقام داخلها هيمنة ذكوريّة مبنيّة أساسا على رقابة الرجال للأشكال الإجتماعية لاعادة انتاج النوع وبالتّالي إنتاج المجتمع، إنّّها فكرة قويّة تغرز جذورها الى حدّ الوصول الى مؤلف »كلود ليڤي ستروس« الذي تمّ تطويره من قبل »فرانسواز هيربتي« في المجلد الأوّل ل »مؤنث مذكر« (أوديل جاكوب 1996) إنّ حركة »queer« قد أعطت شكلا جذريّا لهذه الافكار منتقدة أنواع الرجال والنساء ليس من خلال المطالبة فحسب بالاعتراف باللواطيّين والسحاقيّات بل ومنكرة الوجود الفعلي للأنواع التاريخيّة. إنّ الكتاب النسويّ المهمّ للجيل الحديث هو »اضطرابات إجناسيّة« ل »جوديت باتلر« (1990 1999) والذي يشكك في تشكل مفهوم المرأة حتّى من خلال مقاربة للعلاقات الجنسيّة غير اللواطيّة ويضع النوع الانثوي غير قابل للإشتقاق من ثنائيّة الذكور والإناث. فهذه المقاربة لا تقبل أيّ »مثالية« أو أي تعريف »داخلي« أو »طبيعوتي« للأنثوية تراه يتشكل عبر الممارسات الإجتماعية في حين ان التفكير المهيمن قد حدّد الأنثويّة كمنطق لوجود مسلكيات خصوصية للنساء. هذا النقد العام يرتكز خاصة على إحتجاجات اللواطيّين الذين يرمون تراجع الجنسيّة (la sescualité) الى التكامل بين الجنسين وهو يعطي أيضا (هذا النقد) للتحويل الجنسي وأنواع أخرى أهميّة كبرى في نفس الوقت الذي يؤكّد فيه على خصوصيّة »الباتش butch« بين السحاقيات، فمثلما اخترع الغرب المهيمن حسب »ادوارد سعيد« الشرق بأسراره وروحانياته وبربريته في نفس الوقت اخترعت الهيمنة الذكورية المرأة كوجه مخفيّ مضطرب وجذّاب للانسانية، فهذه التركيبة هي التي يجب تفكيكها إذا اتبعنا السبل المشار إليها من طرف »ميشل فوكو« و»جاك دريدا« »فجوديت باتلر« تدعونا الى محاولة المحاورة مع »الجينالوجيا« مثلما عرفها »فوكو« من الهويّة الانثوية بإعتبارها »دواخليّة« وبعيدا عن أن تكون حدثا أوّليا ولن تكون أبدا ناجحة من هذا التعارض الثنائي بين الرجال والنّساء والذي به أسس الرجل نفوذه الثقافي والاجتماعي على المرأة الطبيعيّة، فهذا التحليل ككل تلك التحاليل التي تحمل معه نقاطا مشتركة وحتى لا ننقاد تماما بهنّ تُظهر ضعف تلك الخطابات لصالح مساواة النساء (بالرغم من تأثيراتها الايجابية) وهذه المساواة تتطلب عادة رفع النساء الى مستوى الرّجال وإدماجهنّ في ذكوريّة عامّة وذلك من أجل التّيمة المعلنة للبحث في تكوين مجتمع »مثلي«. ولكن »انطوانات فوك« قد أجابت بأنّ هناك جنسين أساسهما بيولوجي قبل ان يكون اجتماعيا ولكن الاكثر راديكاليّة من النسويات الامريكيات رفضن هذا الرّباط الضيّق المحتمل لتوحيد النوع والجنس هذا إذ كان لا يوجد غير نوعين، انه لمن الصعب المقاومة امام التفكيكية المعتمدة من طرف »جوديت باتلر« وآخرين وأنا أيضا أتبنّى هذا المؤلف النقدي كنقطة انطلاق كما أتبنّى بأكثر اتساع الخشية وحتّى التخلي عن الأنواع التي تشكلت اجتماعيّا من طرف الرّجال من أجل إقامة حدّ للحركة النسوية فهذه الحركة إذا لن تكون حركة نساء في خدمة النساء ومساواتهنّ مع الرجال إضافة لكون هذه الصيغة تبدو للوهلة الأولى تتحرّك بذاتها وتقول البداهة. ولذلك فطريقي يبتعد فورا عن كل مقاربة بصيغة المساواتية منذ الحلم بمجتمع مثلي الى حدّ ما يمكن تسميته المساواتية غير النقدية والتي ترسلو على فكرة وجود طبيعة أنثوية مختلفة عن طبيعة الرجال وهذه الطبيعة تكون معروفة بالتساوي مع الفكرة ذاتها وهنا وكما في أي مكان آخر فإن مبدأ الهوية يخفي جيدا مخاطر قد أصبحت ظاهرة أيضا في مجال العلاقات الاثنية وحاملة الى »عبر ثقافويّة« multiculticulturalisme ومؤديّة الى إخفاء علاقات النفوذ في حدّ ذاتها وهذا ما يشكل خطورة أكثر إذ يعمل على شرعنة تكوين سلطات جديدة تفرض هيمنتها مقدّمة نفسها كممثلة ومدافعة عن هوية مهدّدة، إنه خطر ملموس خلال الحملات الوطنية النسوية ولكن هذا النقد الراديكالي لفكرة الاجناسيّة لا يشكل الا واحدة من الاهداف لهجوم عامّ، وبالنتيجة فالتوصيف النقدي لمفهوم النوع صارت له تأثيرات أخرى اكثر من تلك التي لم نقدر على رؤيتها منذ الوهلة الاولى إنّ فكرة الاجناسيّة تحمل إذا في ذاتها الحتمية الاجتماعية وكذلك الايديولوجية للمسالك الانثوية. إنّ النساء مطالبات بالتفاعل من خلال موقعهنّ في المجتمع فذاتويتهنّ لم تكن سوى مجموعة من الانعكاسات والاوهام ولن تجعل منهنّ قادرات على حركة مستقلة بذاتها. وإذا ومنذ تلك اللحظة التي نغيّر هذه الحتمية الغائمة ولكن عامّة هي الاطروحة الحادة للهيمنة الذكوريّة يجب الاخذ بعين الاعتبار كل ما تمّ الحصول عليه: التاريخ الشخصي، العواطف، العلاقات بين شخصية باختصار كل ما يتدخل في تكوين الشخصية ولذلك لا يجب الاختيار بين الحتمية الاجتماعية وبين الذاتية ذات البعد النفسي: فكل يهتم لإنشاء هويات متفرّدة. إنّها »نانسي شو دوروف«عالمة نفسانية ومختصة بعلم النفس التحليلي النّسوي أوّل من وجدت معنى لتعقيدات التجربة المعاشة وللانفعالات التي حاولت الحتمية الاجتماعية العنفيّة اصطيادها، إنّ تأثير "the powerof feelings" (سلاح العواطف) "yale university-press 1999" قد سمح بتحرير البحث النسوي للمبادئ التي تبدو أنّها أعطته قوّة كبيرة ولكن في الحقيقة قد أعاقته وهي في الوقت ذاته قد انتقدت بشكل نافع غياب مصالح علماء النفس التحليليين لاجل العوامل الاجتماعية لتطوّر الشخصية. 1 لقد اعتمدنا كلمة »إجناسيّة« كتعريب لكلمة genre بالفرنسية وgender بالانقليزية مع أن البعض من مثقفينا مثل السيدة ألفة يوسف قد ترجمتها ب (جندرة). آلان توران آلان توران دكتور في الاداب 1960 مبرز في التاريخ في المعهد الاعلى للترشيح يشغل حاليا مدير دراسات مؤسسة "EHESS" ❊ من أهمّ مؤلفاته: عمّال من أصل زراعي مع »راڤازي« الوعي العمّالي حركة ماي والشيوعية المثاليّة المجتمع اللامرئي المجتمعات التابعة موت يسار ما بعد الاشتراكيّة نقد الحداثة الخطاب والدّم ماهي الديمقراطية حوار حول اللائكيّة عالم النساء حركة Querr Queer كلمة انقليزية تعنى »غريب« أو بالاحرى »غرائبي« بمعنى مرفوض او غير مقبول من المجتمع بل وتعني »قليل الاختلاط« وقد أطلقت على جمهور العلاقات المثليّة بأسره للسخرية منهم وإستفزازهم. اما بعد ذلك فقد تحوّلت هذه الكلمة الى إسم لحركة فكرية قريبة من هؤلاء ومدافعة عن مثل هذه العلاقات وقد تبلورت سنة 1980 واتخذت شكلا نهائيا لها سنة 1990 حينما حدّدت مطالبها داخل المجتمع الامريكي وبدأ الاعتراف بها يغزو عديد البلدان وقد أسس مفكروها نظرية خاصة بهم ذهبت في مباحثها بعيدا إلى حدّ التشكيك في أصل الانواع والاجناس المتعارف عليها.. تعتبر Queer أهمّ حركة فكرية لهؤلاء وأهم مستند نظري لهم. عالم النّساء في هذا الكتاب يتناول توران قضيّة النّساء بطريقة جدّ مغايرة ومعاصرة ويذهب بعيدا عن المباحث المتعارف عليها في مباشرة قضية المرأة فينأى بها عن المجهودات الكلاسيكية التي تحصر المرأة في بوتقة المجتمع بكل مكوناته المادية فينظر لها من زاوية الاضطهاد بكل معانيه المادية والمعنوية، يخرج توران عن هذا المعنى ويلامس مناخات خاصة وداخلية هو الدفع بقضية النساء إلى تناولها من خلال دواخليّة المرأة بحدّ ذاتها ككائن مستقل إجتماعيّا وجسدانيا يتحرّك في الطبيعة والحياة بعيدا عن أية سلطة ونفوذ، ويستعين توران بتجربة مفكري OUEER الامريكية ويذهب في البحث لمداه المعقّد فيهدم اسوار الحتميات الإجتماعية والمواضعات المتعارف عليها بل ويذهب حدّ اسناد نظرية البحث في جذور المرأة ككائن مستقل عن كل الكائنات حتى الرجل في حدّ ذاته فيسقط بذلك كل أنواع الاحتمالات العلميّة والخرافاتية والدينية فهل كان محقّا.. ربّما.. أليس أصل الحياة أنثى.