المؤسسات الائتمانية منحت سندات الرهن العقاري الأميركية عالية المخاطر أفضل درجات التقييم مُما بدد مليارات الدولارات غيتي اعتماد المضاربة بشكل كامل و ليس الإعتماد علي الإقتصاد الحقيقي واليوم فإن أزمة دولة اليونان تحمل الصفات نفسها مع شركة إنرون وتدخٌل «جولدمان ساكس» يشابه إلى حد ما دور «آرثر آند أندرسون»، والفارق أننا نتحدث عن دولة في مقابل شركة، وأبعاد التلاعب المحاسبي لديون اليونان أصبح يحمل أبعادا إقليمية مباشرة لمجموعة اليورو وأبعاداً عالمية غير مباشرة على الاقتصاد العالمي، في وقت لا يحتاج العالم إلى أخبار سيئة أخرى قد تؤثر في طموحات النمو والخروج من الأزمة ?في البدء كانت اليونان ثم تلتها البرتغال، والآن جاء الدور على إسبانيا و إيطاليا و ما خفي من الأزمة المالية كان أعظم و خاصة علي الدول السائرة في طريق النمو أو تلك الصاعدة علي حد السواء و قد تبين أن رأس المال الخاص جبان لا يتحمل مسؤوليته و رأينا أن القطاع العام هو الذي قام بإنقاذ ما يمكن إنقاذه أو الحد من الأزمة المالية و القطاع العام هو المواطن العادي و دافع الضريبة و أكثرهم من العمال و الموظفين و أصحاب المهن الصغيرة و الساسة جميع أنحاء العالم يختارون الطريق الأقصر يعني كل الطبقات عليها أن تدفع ما أفسدته الطبقة المستنفذة التي يقع استثنائها من تحمل مسؤولياتها. أصبحت مؤسسات التصنيف الائتماني العالمية تحدث صدمة تلو الأخرى في أسواق المال وسط أزمات مالية تعاني منها الكثير من الدول في أعقاب الأزمة المالية والاقتصادية العالمية و قد كتبت في مقال حول نتائج الأزمة المالية أنه علي النظام المالي أن يضع ضوابط و أسس جديدة إن أراد الاستمرار و أقول أن رأس المال لن يموت و لكن عليه أن يصبح اعتماده علي الاقتصاد الحقيقي الذي ينفع الناس لا أن يواصل بالأسلوب القديم الجديد و أعني بذلك المضاربات و من بين آلياته مؤسسات التصنيف الائتماني و كم من الدول العربية التي كانت تمطر أذن المستمع بما أصدرته هذه المؤسسات و تفتخر نشارتنا الإخبارية بذلك و تقام الملفات التلفزية مطبُلة هذه الاختيارات مستميتة في دفاعها عن تلك الاختيارات و السياسات التي ستقضي علي الفقر و البطالة. وعادت هذه المؤسسات العالمية لاستعراض عضلاتها مرة أخرى، وذلك من خلال موجات الذعر التي تدفع بها عبر جميع أنحاء العالم وأدى تقييم مؤسسات التصنيف الائتماني السلبي للدول المدينة إلى إثارة المزيد من الذعر في أسواق المال المتوترة أصلاً. وينتقد بعض المراقبين و خاصة صندوق النقد الدولي الذي أصبح يشكك في هذا التقييم السلبي لدول بعينها من ناحية توقيته على الأقل، لأنه جاء وسط سباق مع الزمن من أجل توفير مساعدات بالمليارات لليونان، مما يؤدي إلى صب الزيت في النار. لكن القائمين على هذه المؤسسات يردون على هذه الاتهامات بأنه لا يجوز حجب الأخبار السيئة لاعتبارات سياسية و هم يتحكمون في رقاب الدول السائرة في طريق النمو عبر السياسة و الاقتصاد و إن لزم الأمر التدخل العسكري. و تعالت الأصوات مرة أخرى منادية بكسر نفوذ الجهات المصنفة لقدرة الدول المدينة على الوفاء بالتزاماتها المالية فمن هذه الأصوات يا تري, جهات علمية محايدة, نقابات, جمعيات غير حكومية تعني بمحاربة الفقر. فلم يمضِ عامان على تعرض أشهر مؤسستين في التصنيف الائتماني للدول، وهما «ستاندرد أند بورز» و«موديز أند فيتش»، لحملة من الانتقادات جراء بعض حالات التقييم الخاطئ، التي أسهمت في اندلاع الأزمة المالية العالمية، وذلك عندما منحت هذه المؤسسات سندات عالية المخاطر مطروحة في سوق الرهن العقارية في أميركا أفضل درجات التقييم ، ما جعل المستثمرين يتسارعون في الحصول على هذه السندات لتضيع عليهم عشرات المليارات فهل أتعض قادة الدول السائرة في طريق النمو؟ من كان يجرأ علي ذم الرأس المالية سنة 1999؟ كانت الموضة الخصخصة ومزيد من الخصخصة في جميع أنحاء العالم و كانت النتائج كارثية, مزيد من التهميش و البطالة و الفقر و بالمقابل الثراء الفاحش لقلة قليلة. كما كان تقدير هذه المؤسسات خاطئاً في بعض الأحيان في ما يتعلق بتقييم بنوك انهارت بعد قليل من حصولها على تقييم جيد من قبل هذه المؤسسات أكتب هذه الأسطر و كلي خوف علي مصير دول, دول بالكامل ستعلن إفلاسها و قد قلت هذا في المقال الذي كتبته و صدر بجريدة الشعب أكثر من سنة و تحدثت فيه عن البرتغال و إسبانيا و اليونان و اليوم سأقول إن واصلت الولاياتالمتحدةالأمريكية في هذا الطريق دون إصلاح النظام المالي فإن مصيرها هو مصير اليونان و لكن متي لست أدعي معرفة الغيب و أعوذ بالله من ذلك و كم من دولة ستنهار إذا انهار أكبر اقتصاد في العالم؟ لماذا اليونان؟ الحقيقة أن اليونان هي البداية، فالحكومة اليونانية السابقة حكومة حزب «الديمقراطية الجديدة» اليميني ، هي التي وافقت على شروط الاتحاد الأوروبي ، فهذه الشروط وهي في الواقع شروط الاحتكارات الأوروبية الرأسمالية الكبرى . إذ أرغمت اليونان على التخلي عن زراعات إستراتيجية مهمة كالزيتون والحمضيات، والتخصص باستبدال زراعة هاتين المادتين بزراعة الأزهار والورد، لأن زراعة الزيتون والحمضيات من اختصاص إيطاليا وإسبانيا، أما تربية الماشية فهي من اختصاص هولندا، وهكذا تحت ذريعة التخصصية فقدت اليونان قطاعاً حيوياً من قطاعاتها الاقتصادية المهمة جداً ، وتدفقت على اليونان رؤوس الأموال الاستثمارية في مشروعات تخدم في الواقع استثمارات دول رأس المال، دون الأخذ بعين الاعتبار قدرة اليونان على سداد المستحقات المترتبة عليه حيال هذه المشروعات. ولجأت الحكومة اليونانية إلى سياسة الخصخصة لجمع ما يمكن من مبالغ لسداد الديون، ووصل الأمر بالاتحاد الأوروبي أن طلب من الحكومة اليونانية أن تبيع عدداً من جزرها الجميلة جداً كي تسدد ديونها البالغة كما أسلفنا نحو 408 مليارات دولار. ولكن لا الحكومة الاشتراكية حكومة الباسوك ولا الاتحاد الأوروبي يقدّران بدقة نتائج هذه السياسة التي أنتجتها سياسات الليبرالية الانفتاحية منذ عشر سنوات، ورغم جميع المحاولات لتلافي الوقوع في الأزمة ولكن السياسة الخاطئة ستكون لها نتائج خاطئة بالضرورة. ولجوء الحكومة اليونانية لبيع العديد من المنشآت الحكومية لم تساعدها على تلافي الأزمة، وكما شبه الوضع أحد الاقتصاديين الأوروبيين الكبار بقوله: إنها تشبه عملية ضخ دم لمريض ينزف دوماً داخلياً. ورداً على إجراءات الحكومة هب المتضررون من سياسة التقشف الجائرة بإضرابات واسعة جداً شملت أكثر من عشرين مدينة يونانية. ويقول المناهضون للعولمة الاقتصادية الرأسمالية: إن الحل يكمن في تغيير النهج الاقتصادي القائم وإيجاد البديل الوطني القادر على حماية اليونان من الوحش الاحتكاري الأوروبي الكبير. ويقول المحللون: إذا ما عولجت أزمة اليونان في دومينو الأزمة سيصل بالضرورة إلى جميع الدول الأطراف في الاتحاد الأوروبي بعد دولة المركزية، ما يهدد بفرط عقد اليورو بوصفه عنوان الاتحاد الأوروبي الذي قال ذات يوم عنه في بداية القرن العشرين، وعندما كان مجرد شعار: إنه غير ممكن التحقيق أو سيكون رجعياً وتعسفياً في ظل الرأسمالية المتوحشة!! وأردت أن أقول كم دولة عربية استمعت باهتمام و طبقت نفس التوصيات التي أوصلت اليونان إلي ما هي عليه اليوم دون أن تعبأ بالرأي المخالف لتلك السياسات! فهل من مدكر يا تري من أصحاب المدارس الكبري وأن يتقوا الله في شعوبهم؟ أزرعوا الورد و الفراولة حتى تحصلوا علي نسبة عالية من الأسواق العالمية ! تخلوا عن الحبوب و شجر الزيتون فالسوق كفيلة وحدها بتوفيرها لكم من السوق, بأبخس الأثمان ! و يا للهول, الأزمة الغذائية التي كادت أن تأتي علي الأخضر و اليابس.