انتخب السيد ماهر الحنين عضوا للمكتب التنفيذي في المؤتمر 18 خارق للعادة وعايش عديد المراحل الهامة في تاريخ الاتحاد والحركة الطلابية وكان من الوجوه البارزة في جيله بانتمائه للفكر الاشتراكي وبخطابه الهادئ والموزون يواصل اليوم اهتمامه بالشأن العام عبر انخراطه في العمل السياسي. ❊ السيد ماهر الحنين نجحتم في إعادة بناء الاتحاد العام لطلبة تونس عبر انجاز المؤتمر 18 خارق للعادة مما أعاد للحركة الطلابية مكانة متقدمة في الحركة الاجتماعية لكن هذا الانجاز لم يعمر طويلا فكيف تقييمون الآن تلك التجربة؟ في الحقيقة لم يكن عقد المؤتمر 18 خ ع هو الذي أعاد للحركة الطلابية في تلك الفترة جماهيريتها ومكانتها الاجتماعية، فقد كانت الحركة الطلابية والشبابية عموما في مقدمة القوى الحية للمجتمع ولم يكن صمود الطلبة دفاعا عن استقلالية منظمتهم الا العلامة الأبرز في نضالات النخب والمجتمع ضد ارادة الهيمنة التي كان الحزب الحاكم يريد فرضها منذ مؤتمر بنزرت على منظمات المجتمع المدني وضد النزوع الشمولي للدولة التي لم تسمح بقيام منظمات مجتمع مدني مستقلة وديمقراطية ورأت فيها تهديدا لسيادتها التي لم تكن الا سيادة مطلقة. ما مثله عقد المؤتمر سنة 1988 بعد سنوات عديدة من العمل النقابي من خلال هياكل استثنائية ومؤقتة كان تتويجا لمرحلة هامة في تاريخ حركة الشباب التونسي وجاء في سياق التحول السياسي الذي شهدته البلاد بعد ثلاث عقود من الحكم البورقيبي. وبقدر ما مثل نجاح المؤتمر 18 في حد ذاته حدثا هز الجميع فأن غياب مشروع رؤية استراتيجية للدور المرتقب للاتحاد لدى القيادة الصاعدة وغياب التوافق صلبها حول مهمات المرحلة الجديدة أربك أداء المنظمة منذ الأسابيع الأولى فضلا على ان النخب التقدمية واليسارية عموما والتي كانت تمثل العائلة الموسعة لمناضلي الاتحاد العام لطلبة تونس لم تكن حينها وفي غالبيتها على قناعة راسخة بأهمية وجدوى النضال الاجتماعي والمدني القانوني والسلمي وكانت غير قادرة على بلورة برنامج عمل يفصّل ويميّز بوضوح بين التكتيك والاستراتيجية، مما جعل الحركة الطلابية ونتيجة عوامل اخرى طبعا غير قادرة من جهتها ولوحدها فقط ان تستمر جزءا من الحركة الشعبية ولأن القادة المفترضين للحركة الشعبية غابت عن رؤيتهم في تلك اللحظة نجمة الشمال مما ساهم في شرود سفينة الاتحاد. ❊ من المعروف في تلك الفترة الاعتراف الرسمي بالاتحاد العام التونسي للطلبة، فكيف تعاطيتهم مع الأزدواجية الهيكلية؟ وهل اثر ذلك على قدرة الحركة الطلابية في تحقيق مطالبها؟ لقد مكنت الحكومة التونسية دعاة المؤتمر التأسيسي للاتحاد العام التونسي للطلبة من عقد مؤتمرهم ثلاث سنوات قبل عقد المؤتمر 18 كان ذلك في سياق خيارات سياسية حكومية تسعى الى محاصرة الحركة النقابية العمالية ومن ورائها قوى اليسار في الساحة الاجتماعية عموما والطلابية تحديدا من خلال تمكين طلبة الاتجاه الاسلامي من منظمة شبابية طلابية يتولون قيادتها ويحققون من خلال وظيفتها كمنظمة نقابية إشعاعهم الجماهيري كفصيل سياسي كانت له قراءة معادية لتاريخ الاتحاد العام لطلبة تونس وكانت له رؤية مجتمعية سلفية، لقد كان هذا الخيار في الواقع خيار تقليدي يهدف الى تشتيت صفوف الطلبة. وقد مثلت استعادة الاتحاد العام لطلبة تونس لشرعيته القانونية كممثل تاريخي وشرعي لعموم الطلبة التونسيين انتصارا للحق وتتويجا لمسار طويل من التضحيات والصمود الا انها خلقت واقعا جديدا في الساحة الطلابية والمتمثل في التعددية النقابية بحكم القانون والامر الواقع وليس إفرازا طبيعيا لتاريخ الحركة ذاتها، لقد استمر موقفنا من اعتبار الاتحاد العام لطلبة تونس هي المنظمة المجسدة لشرعية التاريخ والمعبرة عبر تطور دورها وحضورها منذ تأسيسها في مرحلة الكفاح الوطني ضد الاستعمار الى ذلك الحين عن تطور وعي النخب وتجدد وظائفهم عبر مختلف المراحل التي مرت بها البلاد وحتى ان استمر التجاذب بيننا وبين الطلبة الاسلاميين في الساحة الجامعية فإننا تعاملنا مع التعددية كأمر واقع لم يكن من الممكن عمليا لنا جميعا إلغاؤه بحكم إشعاع الاتحادين في أوساط الطلبة من جهة وبحكم تعامل وزارة التعليم العالي والحكومة عموما مع الاتحادين في ذات الحين قبل ان يتم إلغاء التأشيرة القانونية للاتحاد العام التونسي للطلبة واعتقال مؤسسيه وقياداته في سياق حملة القمع الواسعة التي طالت الحركة الاسلامية بعد انتخابات 1989. ❊ السيد ماهر الحنين ظهرت خلال الفترة التي عشتموها داخل الجامعة بروز عديد التيارات الفكرية والسياسية فما تأثير ذلك التنوع على الحركة وعلى المنظمة الطلابية؟ يتفق اليوم كل المؤرخين والمتابعين للحركة الاجتماعية التونسية ان ما عاشته الجامعة منذ مطلع السبعينات وعلى مدى عقدين من حيوية ثقافية وفكرية وسياسية كان علامة حياة وثراء، لقد كانت الكليات هي الحاضنة الأولى للمبدعين والفنانين والكتاب والباحثين وكانت تعكس قيمة الحرية التي يتوق اليها المجتمع ككل، ولم تكن التيارات السياسية داخل الجامعة والتي هي امتداد للتيارات التي تشق المجتمع والنخب الا تعبيرا عن التحفز الذي ميز جيلين من الطلبة نحو الفعل السياسي والتوق الى التغيير، وحتى ان ظل هذا التحفز بلا خطة وبلا رؤية متكاملة الا انه كان مقترنا بمحاولات بناء نظري وبقيادة تحركات ميدانية ناجحة وبعطاء غزير حرر الطاقات وطبع الى اليوم المئات من خريجي الجامعة في تلك الفترة. ما كانت النخب الطلابية قادرة عليه من متابعة التحولات الفكرية والاجتماعية العالمية، وما كانت قادرة عليه من تواصل مع زخم وتراث حركات التحرر الوطني وعلى رأسها القضية الفلسطينية لم يرافقه مع الأسف نفس الاستعداد ونفس الوعي بأهمية النضال من اجل الديمقراطية والحقوق المدنية والسياسية وحتى رابطة حقوق الانسان كان أغلبنا في أفضل الأحوال حذرا منها متعاليا على أرضيتها. ❊ كيف تقيمون الواقع الحالي للاتحاد العام لطلبة تونس؟ يعيش اليوم الاتحاد أزمة عميقة لها في رأيي ثلاثة جذور رئيسية الاولى تعود الى التحولات العميقة التي شهدها المجتمع ومن خلالها الجامعة في مناهجها وبرامجها وطاقة استيعابها وخريطة توزعها الجغرافي على كامل تراب الجمهورية، ان تسارع هذه التحولات على امتداد عقدين نقلنا بالكامل من معايير الثمانينات الى معايير مغايرة هي معايير القرن 21، الجذر الثاني يعود الى عجز الحركة الطلابية عموما وقادة الاتحاد على تجديد الرؤى والاسباب وآليات الدعاية والانتشار... الجذر الثالث وله دور وازن يعود الى طبيعة النظام السياسي الرافض للانفتاح والتشريك وقيام المنظمات المستقلة في الجامعة وخارجها. ان أزمة الاتحاد العام لطلبة تونس هي احدى مظاهر أزمة المجتمع المدني والسياسي الصامد من اجل الاستقلالية والمتطلع الى لعب دوره وهي كذلك جزء من ازمة نظام حكم. مستمر في الانغلاق. ومع ذلك تعكس الارادة الصلبة التي برزت منذ سنتين تقريبا لعقد مؤتمر موحد للاتحاد ممرا ممكنا لإعادة بناء المنظمة وتجديد هياكلها واطاراتها، وحتى إن وزارة الاشراف في منع الاتحاد من عقد مؤتمره فإن ما ينتظر الطلبة اليوم وخاصة صناع الرأي في صفوفهم هو توظيف كل الامكانيات وهي عديدة رغم الحصار للدفاع عن مصالح الطلبة ومن أجل إفتكاك موقع فاعل لهم في صنع مستقبل تونس، فلا يمكن اليوم وامام تراكم مشاغل الشباب وامام فشل الوعود الحكومية للشباب الطلابي ان يظل بلا صوت حتى وان استمر الحصار على الاتحاد العام لطلبة تونس فالمطلوب اليوم هو تجاوز أزمة الفاعلية وليس فقط حل أزمة الهيكل النقابي لأن هذه الأخيرة ستجد طريقها الى الحل يوم تحتل حركة الشباب في تونس مكانها وتضطلع بدورها في الفضاء العام.