لا شك وان أهم قضية عرفتها منظمة »السيزل« هي قضية الاتحاد العام التونسي للشغل وأستطيع ان أقول بعد معرفة النتائج التي تم الحصول عليها بفضل نضالات النقابيين التونسيين وتضامن المنظمة النقابية العالمية معهم ان الحركة النقابية التونسية حققت نجاحات نقابية هامة فبعد تعرضهم للمصاعب والسجون تمكنوا من فرض الشرعية وعادوا الى الاتحاد العام وهو ما سأعرض له في حينه. أما الآن فإني أقدم نص الشكاية التي قدمتها »السيزل« ضد الحكومة التونسية وقد قمت بترجمة النص عن الفرنسية. شكاية »السيزل« المقدمة ضد الحكومة التونسية للمكتب الدولي للشغل: سيدي المدير العام، لقد كنا أعلمناكم سابقا بإنشغالنا بالوضع الذي جدّ بتونس إثر ايقاف قياديي المنظمة الشغلية، وهم قياديون منتخبون بصفة قانونية لتسيير هاته المنظمة المنخرطة بمنظمتنا وقد تم ايقافهم على خلفية اضراب عام لمدة أربعة وعشرين ساعة استثنى منه قطاع المياه والغاز والكهرباء (وذلك لأسباب إنسانية) وهذا الاضراب وقع إقراره بصفة شرعية من طرف قياديي المنظمة الشغيلة التونسية وقد توجهت بعثة من »السيزل« الى تونس وهي البعثة المتركبة من اعضاء بالمكتب التنفيذي لل »سيزل« وتبعا لتقرير هاته البعثة نقدّم بصفة رسمية هاته الشكاية ضدّ الحكومة التونسية وذلك من اجل خرقها للاتفاقية عدد 87. وهاته الشكاية تستند الى الوقائع التالية: يوم الخميس 26 جانفي 1978 وهو يوم الاضراب العام قام اعوان البوليس بغلق كل المنافذ الى مقرّ الاتحاد العام التونسي للشغل وبعد ذلك دخلوا الى مقرات الاتحاد وأوقفوا كل الاشخاص الذين كانوا موجودين بها، ثم قامت الحكومة بدعوة الجيش للتدخل وقد نتجت عن ذلك وفاة عدة أشخاص بلغ عددهم 46 حسب قول الحكومة وإثر هاته الأحداث تمّ ايقاف مئات الاشخاص والذين ينقسم مصيرهم الى ثلاثة أقسام فقسم من هؤلاء هم الأشخاص اللذين وقع ايقافهم اثناء المظاهرات والنهب وهؤلاء يتم تتبعهم من اجل ثلب رئيس الدولة والتجمهر في الطريق العام والنهب وعصيان أوامر السلطة وهؤلاء تمت محاكمتهم من طرف المحاكم الابتدائية وصدرت عليهم احكام خفيفة او تمت تبرئة ساحتهم والجلسات الحكمية لهؤلاء الرهط من الناس لازالت مستمرة وقد أكدت شهادات الشهود ان النهب كان من عمل شبان غير مراقبين والقسم الثاني من الاشخاص هم على الأخص موظفو الاتحاد العام التونسي للشغل والكتبة وعملة الهاتف وغيرهم وهؤلاء قد وقع إطلاق سراحهم كلهم تقريبا بعد استنطاقات مطوّلة وقد بقي بالسجن حوالي المائة من الموقوفين وهم المسؤولين بالاتحاد العام التونسي للشغل إما بالمكتب التنفيذي أو بالجامعات أو بالجهات. وقد بذلنا الجهد لضبط قائمة كاملة في الموقوفين ونمدكم صحبة هذا بقائمة في أسماء الموقوفين الذين اتصلنا لمعرفتهم. وهؤلاء الموقوفون لا يسمح لهم بالاتصال بمحامييهم، وعائلاتهم لم تستطع الاتصال بهم الا في حالات استثنائية وهؤلاء النقابيون الموقوفون هم بين أيدي البوليس منذ أن وقع القبض عليهم ولحدّ الآن لم يقع عرضهم على قاض ولم توجه لهم اية تهمة وبما ان قانون الاجراءات الجزائية التونسي لم ينص على اجل للاحتفاظ فإن هاته الحالة يمكن ان تدوم أشهرا. وكما ترون فإن ما وقع فيه مسّ وإعتداء على استقلالية منظمة نقابية وإعتداء على قيادييها المنتخبين بصفة شرعية. ولذلك فإننا نطلب منكم تطبيق الاجراءات المتخذة في الحالات المستعجلة. وتقبلوا سيدي المدير العام فائق الاحترام. »أوتوكرستين« الامين العام وقد أرفقت »السيزل« شكايتها بقائمة في أسماء النقابيين الموقوفين. قائمة اعضاء الموقوفين: (المكتب التنفيذي: الحبيب عاشور، حسن حمودية، حسين بن قدور، الصادق بسباس، الصادق العلوش، محمد عز الدين، خير الدين الصالحي، عبد الحميد بلعيد، عبد العزيز بوراوي، الطيب البكوش، مصطفى الغربي). الكتاب العامون للجامعات: سعيد قاقي (المعاش) سعيد الحداد (الكهرباء والغاز) محمد الدامي (الأشغال العامة) مسعود كليلة (السكك الحديدية) صالح برور (التكوين المهني) البشير المبروك (البناء) اسماعيل السحباني (المعادن) عبد السلام جراد (النقل) نور الدين البحري (التربية القومية) علي بن رمضان (الفلاحة) ناجي الشعري (الاذاعة والتلفزة) احمد الكحلاوي (التعليم الفني). الاتحادات الجهوية عبد الرزاق ايوب (تونس) الحبيب بن عاشور (سوسة) عبد الرزاق غربال (صفاقس) المكيّ بن عبد الرحمان (زغوان) صالح الشلي (الاتحاد المحلي حلق الواد). مسؤولون اخرون: محمد شعبان (صفاقس) رشيد سلوقة حمادي البوخالفي محمد حسين الكوكي (سوسة) الهادي الدّب (السكك الحديدية) محمد أيوب (صفاقس) محمد الدامي (صفاقس). كما أرسلت لي »السيزل« نسخة من برقية موجهة من »كرستين« الى الهادي نويرة بتاريخ 28 فيفري 78 ، وهذا نصها: (السيد الهادي نويرة الوزير الأول بتونس تبعا للمحادثة التي جرت بين وفد »السيزل« وبينكم اعلمنا عائلات النقابيين الموقوفين بإمكانية زيارتهم وعلمنا بكل اسف ان السلطات المختصة لم تسمح بذلك بعد، الرجاء التدخل شخصيا في الموضوع مع احتراماتي »أوتوكرستين« الامين العام لل »سيزل«). لكن كل هاته التدخلات من »السيزل« لم تغيّر من الامور شيئا فقد مضى كل شهر فيفري 78 والقيادة في الايقاف بإدارة الامن ثم انقضى شهر اخر اي اغلب شهر مارس وهم في مقرات وزارة الداخلية وقد فرضت على القيادة العزلة التامة ولم يكن لهم اتصال خارجي ولا يعلمون عن تطور الامور شيئا سواء بداخل البلاد أو خارجها. ولكن هناك استثناء واحد وبالنسبة الى الحبيب عاشور فقد تلقى زيارة وفد »السيزل« في شهر فيفري ثم زيارة من طرف عائلته. وعن فترة ايقافه بمقر وزارة الداخلية يقول الحبيب عاشور في مذكراته: (بعد أكثر من شهر في الايقاف بغرفة ذات 3 أمتار طولا و 3 أمتار عرضا اين يقيم بصفة مستمرة شرطيان معي لم يكن بإمكاني ان أخطو حتى خطوتين فاعتلت صحتي وكنت أطالب دوما بأن يزورني طبيب ولم تقع الاستجابة لمطلبي الا بعد بضعة أيام من ذلك وكنت أطلب بصفة مستمرة في أن تبدأ الأبحاث فكان يجيبني سيتم ذلك قريبا، فكر في ذلك وأعدّ نفسك فإن مسؤوليتك ثقيلة في تلك الاحداث. وأخيرا وبعد أربعين يوما من تلك الاحداث وقع اقتيادي الى مكتب به أربعة أشخاص كان من بينهم المحافظ، وبدأوا في سؤالي حسب مذكرة مكتوبة أمامهم). ويقول عبد العزيز بوراوي عن فترة بقائه بمقر وزارة الداخلية وقد إحتوى ذلك، الكتاب الذي طبع واشتمل على أحاديثه ب »سيمينار مؤسسة التميمي«: (في يوم الجمعة 27 جانفي مكثت صباحا في الاتحاد الجهوي للشغل بصفاقس للتأكد من العودة الى الشغل بسلام وحوالي منتصف النهار كلمني السيد الوالي مشيرا الى أن مهمتي انتهت ولا فائدة من البقاء بصفاقس في لهجة تحذير وبعد ان توجهت الى المسجد صحبة صهري لصلاة الجمعة اعترضني شرطيان مدنيان وأعلماني بأنني مطلوب للسيد المحافظ ولدى وصولنا الى مركز المحافظة وجدت المحافظ في انتظاري وهو السيد محمد كريّم المستوري الذي وجدته في سنة 1986 في صحبتي في الحملة الانتخابية التشريعية بصفاقس كنت مترشحا على رأس القائمة التابعة لولايتها فامتطيت سيارة الشرطة »جيب صرنوفا« بشرطيين والسائق وتوجهوا الى العاصمة في الساعة الثالثة بعد الزوال التي ما وصلناها الا حوالي الساعة العاشرة ليلا بحكم الرقابة العسكرية المنتشرة على طول الطريق بسبب حالة الحصار وحظر التجول بداية من الساعة السادسة مساء الى ان وصلنا الى ادارة سلامة أمن الدولة (وزارة الداخلية) فإستقبلنا العون الحارس وأعلم المرافقين لي بأن ليس هناك غرفة شاغرة فنمت على الأرض بمكتب عمل على غطائين (زاورات) وتدوّرت بالبرنس الذي لا يفارقني في مثل هذه الحالة وفي يوم الغد تحولت الى غرفة قذرة بسرير حديدي معطب فحاولت الحصول على غرفة اخرى لكن دون جدوى وعلمت ان زملائي الموقوفين كلهم في تلك العمارة وكما يوجد عدد من الطلبة ولم نسمع الا العويل والصياح من شدّة الضرب لدى العون الباحث ولم يأكلوا الا وجبة وحيدة على الساعة الثانية بعد الزوال (خبز وفيه ماء أحمر حارّ ومعه قطعة او اثنين بطاطس) وهذا ما تأكدت منه لما اعطوني نفس الطعام الذي رفضته فأعطوني نفس قطعة الخبز وعلبة من الحليب بنصف لتر ولنفس المدة، وفي يوم الغد علمت من خلال حارس غرفتي بأن زملائي جلهم بجواري اي بنفس الطابق ولكن ممنوع الاتصال مع بعضنا. ومرت الايام في نفس الحالة ولم يقدموني الى البحث الا في اليوم الرابع ودوما في الليل، وفي الحقيقة لم يعنّف اي عضو من المكتب التنفيذي عنفا ماديا لكن بكثير من لهجات التهكم مع بعض الاخوان واني اعتبرها عنفا معنويا وقد يتساءل المرء لماذا لم يقع تعنيفنا ماديا في تلك الظروف التي إختلط فيها الحابل بالنابل فهي سياسة ذكية تحسبا من الوضع الخارجي والدولي والبرقيات الاحتجاجية والتضامنية الواردة من هناك ومن المنظمات النقابية والطلابية وغيرها الوطنية لكن الباحثين من ضباط واعوان لا تنقصهم الخبرة والتكتيك فهم يعذبون المسؤولين النقابيين الثانويين لإقتلاع اعترافات كاذبة ثم يقدمونها ضدنا كحجج دامغة ليظفروا بما يديننا للمحاكمة. وأمّا الطلبة فقد عذبوا عذابا منكرا ليلا ونهارا ولم اعلم عنهم شيئا سوى انهم متهمون بمشاركتهم في مظاهرات 26 جانفي مثلنا لكن في محاكمة اخرى واستمر وضعنا هذا خمسة عشر يوما بلا حلاقة ولا حمام ولا قبول المؤونة (القفة) من عائلاتنا بل لم يعلموهم حتى بوجودنا هناك طيلة المدة المذكورة واستمر استنطاقي لدى الشرطة الى أواخر مارس وفي ذلك اليوم قدموني الى حاكم التحقيق وتواصل البحث من الساعة التاسعة صباحا الى الثالثة والنصف دون انقطاع وبحضور ثمانية محامين متطوعين مشكورين وفي النهاية اذن بتحرير بطاقة ايداع بالسجن المدني وبفضل بعض المساعدات الداخلية علمت عن ظروف ايقافات الاخوان اعضاء المكتب التنفيذي وغيرهم الذين كانوا بالعاصمة يوم 26 جانفي. كل اعضاء المكتب التنفيذي مرّوا بنفس ظروف الايقاف في أمن الدولة فكل واحد منهم فرضت عليه عزلة تامة ولكن الفرق بينهم وبين الحبيب عاشور انه كان يرافقه طيلة الوقت شرطيان لا يغادرانه مطلقا وضوء ساطع ليلا ونهارا يمنعه من النوم. وكانت ظروف رهيبة حقا طيلة شهرين كاملين لم تستدعيها مصلحة بحث وانما كان ذلك داخلا في عملية تعذيب بدني ونفسي. وكل يوم في الايقاف كانت في الخارج تتعاظم حملات التضامن مع الموقوفين وكان النقابيون في الخارج وبسعي من »السيزل« يعبرون كل يوم عن حملات تضامنية من كل أنحاء العالم وكان الهادي نويرة يعاني من هاته الضغوط.