هكذا تقول الدراسات الرسمية و التوقعات للجمعيات المهتمة بشأن واحة قابس هذه الواحة المتوسطية الفريدة من نوعية لا على الصعيد المتوسطى بل هي تكاد تكون المتفردة في العالم لما تتميز به من موقع جغرافي جمعت فيه المدينة بكاملها بين البحر و الواحة و الصحراء و سلسلة جبال مطماطة و تعتبر واحة قابس الأجمل و الأكثر خصوبة و جريان مياه زادها وفرة نخيلها جمالا و رونقا على ما تتميز به كل الغابات و الحدائق الخضراء في العالم و لقد كانت لغاية الثمانينات من القرن الماضي واحة قابس قبلة للسياح و متعة للوافدين على المدينة حيث إزدهرت التجارة السياحية سواء في الدكاكين أو الباعة المتجولون و ما يصحب ذلك من مطاعم و نزل و إستغلال الشواطئ وأسراب العربات السياحية المجرورة بالخيول التي كانت تشق المدينة من أولها لغاية واحة شنني متهادية بين النخيل و خرير المياه المنسابة من كل مكان جداول و شلالات معبقة برائحة الحناء كل من هم من جيلي يتذكرون ذلك جيدا و عاشوه و تمتعوا بالواحة إن لم يكن فسحة فعدوا في إطار التمارين الرياضية و لقد كنت في السابق و عبر جريدة الشعب تساءلت عن الواحة بالعنوان التالي ا واحة قابس مسؤولية من؟بلكني أعود للحديث عن هذه الواحة المهددة في وجودها لأمرين إثنين أولهما دعما لمجهودات الإتحاد الجهوي للشغل بقابس الذي وضع سنة 0102 تحت عنوان سنة البيئة و التحسيس من مخاطر التلوث و ثانية تقريرا نشرته جمعية تهتم بالواحة و حمايتها و أمام ترابط المسألتين حيث أن التواجد الصناعي بالجهة رغم ما توفره المنطقة الصناعية بقابس من مواطن شغل و موارد رزق للآلاف العاملين على إختلاف تصنيفهم إلا أنها تسببت في مضار فادحة للواحة بصفة عامة و كان ذلك بداية بجفاف الينابيع الطبيعية التي كانت متوفرة بجهة شنني و براس الوادي و غيرها و ذلك نتيجة حفر الآبار العميقة لفائدة الحاجيات الضخمة من المياه للمنطقة الصناعية التي غارت معها مجاري كل العيون الطبيعية التي كانت كما سبق و ذكرت تمثل عنصرا أساسيا من عناصر تواجد و إزدهار الواحة و تمسك أصحابها بها لأن شح المياه الذي تسبب في إرتفاع نسبة الملوحة في التربة جعل الجميع يعزف عن العمل الفلاحي و هو عنصر لم يغفله تقرير الجمعية المهتمة بالواحة و قال الله تعالى او جعلنا من الماء كل شيء حيا ا و الواحة بكل ما حوت هي في واقع الأمر كائن حي لا بد لأصحابه أن يرعوه و يحتضنوه لأن ما جاء في التقرير خطير جدا و لا بد من الوقوف عنده بكل جدية و أن يوليه الجميع ما يستحق من أهمية و رعاية حيث تؤكد هذه الدراسة بأن الواحة تخسر سنويا ما بين خمسة و سبعة هكتارات من مساحتها لفائدة الزحف العمراني الذي ما كان له أن يتطاول على الواحة لو أن المياه بقيت على حالها أو أن المهتمين بالشأن الفلاحي بالجهة و بالبلاد بصفة عامة أولو هذا الموضوع ما يستحق من أهمية إذا ما علمنا بأن عديد الفلاحين أهملوا أقسامهم الفلاحية و إستغلوا شجر النخيل لإستخراج اللاقمي و هو ما زاد في تدهور الوضع هذا و لا يمكننا تجاهل بعض المجهودات و الضمائر الحية التي مازالت تناضل نعم تناضل من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه من بقايا هذه الواحة الغناء التي كانت في يوم من الأيام الحضن الدافئ للمقاومين سواء عند فرهم من العدو أو عندما وجدوا في بلحها و خيراتها الممون لهم و لأبنائهم لما حاصرهم المستعمر الفرنسي إذا فعلاقة أبناء الجهة جميعهم بدون إستثناء )منزل وجارة وشنني والنحال وبوشمة والبلد والشط ( علاقة عضوية علاقة أمومة وحب ومصدر حياة و خير تلك هي واحة قابس بكل مكوناتها فهل من المعقول أن نتركها تتلاشى من بين أيدينا؟ ألا يمكننا المطالبة بجعلها محمية وطنية ؟ أو العمل لجعلها تحت رعاية اليونسكو في إطار التراث العالمي و تحجير المساس بها أو الإضرار بمكوناتها أقول هذا لأن عديد الأصوات تتحدث عن إحداث عديد الهكتارات من الغابات و الزراعات في جهة قابس و كأن المراد من ذلك إقناعنا بأن هذه المساحات الغابية الجديدة يمكنها أن تعوضنا عن الواحة و هنا لا بد من التمسك بالواحة الأصلية لأن مفهوم الواحات لا يسري على المناطق المغروسة بيد الأنسان حسب ميولاته رغم تأييدنا لمثل هذا العمل و مباركتنا له إنما الواحة هي مشهد طبيعي وضعته يد القدر العظيم ليكون آية لخلق الله ليسكنوا إليها عند الضرورة و هو ما كان يتم فعلا في القديم حيث أن الأهالي يعرفون رحلة الشياء و الصيف الشتاء في المنازل داخل المدينة و الصيف في الواحة طلبا للإعتدال المناخي داخل طبقاتها الثلاث و هي أيضا قبلة للعديد من أصناف الطيور المهاجرة التي تأتي خاصة في فصل الشتاء و تشير الدراسة بأن عديد الأنواع من هذه الطيور إختفت في السنين الأخير و لم تعد واحة قابس مقصدها و هي خسارة بيئية كبيرة سواء للواحة أو لهذه الكائنات الحية . . إن الدمار الفاحش الزاحف على الواحة من كل صوب و لشتى الأسباب خلق مشكلا إجتماعية آخر لم يكن من قبل في إهتمامات أهل الواحة وهو التقسيم الهندسي للأراضي المتروكة حيث أصبح الجميع يطالب بتراخيص بناء لإقامة مساكن لهم عليها و الغريب في الأمر أن الدوائر المختصة ترفض ذلك قطعيا بتعلة أنها مناطق خضراء و لا يجوز البناء عليها و نحن نتسائل أين يرى هؤولاء الخضرة؟ و نحن نجد أنفسنا أمام مسألتين بيئية و إجتماعية على حساب الواحة التي تركت جثة هامدة ينهشها الجميع كل حسب ما يناسبه من الموضوع أما الواحة و تاريخها و دورها الطبيعي و الإقتصادي و التوازن البيئي الذي تحدثه مع البحر و الصحراء فهو أمر موكول لغيرهم و أما من يسمون أنفسهم أصدقاء الواحة و يدافعون عنها فهم كمن يقف على أطلال ليلاه بعد فوات الأوان و السؤال المطروح اليوم هل فعلا فات الأوان و إنتهى أمر الواحة و هي في عقديها الأخيرين من عمرها ؟ أم أن لله رجال كما يقال و مازال أمل في الخروج بها مما هي مقبلة عليه من مخاطر؟ و هنا أود أن أعود للحديث عن مبادرة الإتحاد الجهوي للشغل الذي إعتمد المثال الفرنسي القائل الوصول متأخرا خير من لا شيء أرجو أن يأخذ عنصر الواحة حيزا من إهتمامات الإخوة أعضاء المكتب التنفيذي الجهوي كما أرجو أن توسع هذه الجمعية من دائرة إعلامها للمتساكنين بالجهة ككل أو أن تنسق مع المكتب التنفيذي للاتحاد الجهوي للشغل بقابس لمزيد التعريف بالمخاطر التي تهدد الواحة التي هي كثيرة جدا و في الواقع أن مخاطر الزحف العمراني لا تهم واحة شنني فحسب بل هي تهدد كل واحات قابس بصفة عامة : المطوية و مارث و شط السلام و بوشمة و غيرها التي يمكن الرجوع للحديث عنها في الأعداد القادمة إن سمح الوقت و المساحة بالجريدة حتي لا نقول في يوم من الأيام ماتت الواحة و ماتت معها مدينة قابس لا قدر الله.