في يوم 24 ماي من كل عام يحيي المناضلون في معتمدية أولاد حفوز ذكرى استشهاد الاخوين الطاهر وعلي اللذين طالتهما عصابة اليد الحمراء في عقر دارهما في يوم من أيام شهر رمضان قبيل الافطار بدقائق بعد ان ضاقت السلط الاستعمارية ذرعا باعتبارهما محرّكين رئيسيين للمقاومة بالجهة. ❊ فمن هو علي حفوز علي حفوز من مواليد 1908 وهو ابن الحاج حفوز، زاول تعلّمه بالكتاتيب وكان مولعًا بالتجارة والفلاحة دمث الأخلاق هادئ الطبع له مكانة اجتماعية بين الناس يعودون إليه لفضّ مشاكلهم مما حدا بقاضي سيدي بوزيد أن اشتكاه الى صالح بن يوسف لمّا كان وزيرا للعدل في حكومة شنيق متهمًا إياه بممارسة القضاء دون وجه شرعي. ❊ الطاهر حفوز هو الطاهر بن الحاج حفوز ولد سنة 1917 تتلمذ على يدّ الشيخ محمد التاجوري بالساحل، التحق بجامع الزيتونة ثم انقطع عن الدراسة اثر حوادث 9 أفريل 1938 وعاد الى الجهة لمواصلة النضال. ❊ بعض المحطّات النضاليّة حين وصلت أصداء الزعيم الحبيب بورقية الى الجهة تمّ الاتصال به ودعوته لزيارة المنطقة (ماكينة اولاد الحاج حفوز كما كانت تسمّى آنذاك) التي تمت يوم 11 سبتمبر 1933 وكانت وسيلة النقل عربة يجرّها حصان (كاليس) لعبد الله بن صالح بن علوة وقدم بورقيبة تحت غطاء إنابة في قضية حول خلاف على قطعة ارض باعتباره محاميا فأقام هناك ثلاثة أيام عقدت خلالها سلسلة من الاجتماعات تحت اشرافه وبحضور طلبة من جامع الزيتونة وجمع من المناضلين وعمل بورقيبة على استغلال هذه الفرصة نظرا لما لهذه البوادي من أثر عميق في التركيبة الاجتماعية والدور الذي قام به أهالي الجهة صحبة بقية اخوانهم من أولاد إيدير عرش جلاص في مقاومة الحماية منذ انتصابها وبقية السنين التي تلتْها. دار الحبيب : في زيارة ثانية للزعيم بورقيبة ترك ابنه وزوجته في القيروان نظرا لضيق الاقامة في أولاد حفوز فوعده الحاج حفوز (الذي تنسب إليه معتمدية حفوز التي كانت تسمّى بيشون) أبو الاخوين الطاهر وعلي ببناء مسكن لائق للإقام وفعلا تم بناء دار أطلق عليها دار الحبيب وأقام فيه الزعيم بورقيبة صحبة زوجته وابنه والسيد محمد المصمودي و»جون روس« وهو شخصية فرنسية تنتمي لليسار الفرنسي ومن ثم بدأ الزعماء يتوافدون على المنطق نذكر منهم أحمد التليلي والشاذلي قلالة الذي أقام فيها حوالي شهرين يجتمع خلالها بقيادة الجهة لتنسيق النضال بينهم في مكان يدعى دار التراب وهو مخبأ سرّي على ملك الحاج حفوز تخزن فيه الاسلحة ويقيم الثوار وهناك تعدّ النسوة الطعام ويغسلن الثياب لرجال المقاومة. ❊ الطاهر حفوز وتجار صفاقس يروي علي المكي شوشان تاجر قماش أنّه اصطحب مرّة الطاهر حفوز الى صفاقس فما راعه الاّ وسي الطاهر يشتري كمية كبيرة من القماش الأصفر الكيكي قيمتها 200 ألف فرنك فاستفسرته عن دواعي شرائه لتلك الكمية فقال له: لا تخف ليس لمنافستك بل هي لاعداد بدلات للثوار!. وهنا نذكر ما يرويه محمد التريكي أصيل صفاقس كيف كان الطاهر حفوز يرسل الى منزلهم بكميات كبيرة من القماش حتى تتولّى والدته صحبة أخريات القيام بعملتي التفصيل والخياطة ولدفع الشبهات تقول لنا ونحن صغار وللجيران إن هذا الرجل له عائلة كبيرة العدد من الاولاد تفوق المائة وكنا نتعجّب مما تقول ولما كبرنا فهمنا قصدها. يخبأ السلاح في مخزن بالمنطقة على ملك احد مواطني الجهة من بقايا سلاح الحرب العالمية الثانية، ووقع تكوين مجموعات لجلب السلاح من الجهات بوسائل متعددة منها شاحنات الحاج حفوز حيث يقع اخفاء السلاح وسط السلع والأمتعة والمواد الغذائية ويقودها سواق من ذوي القرابة والمصاهرة وحب الوطن. ❊ سنة الحسم في سنة 1954 عقد الشهيد الطاهر حفوز بحوش ابن عمّه عبيدي شوشان اجتماعا أعلن فيه على رؤوس الملا مقولته التي بقيت تردّدها الألْسن: »انني على علم برغبة عدد كبير منكم الالتحاق بالثورة المسلحة، ولكن ظروفهم المادية لا تسمح لهم بذلك لهذا فانني أطلب منكم أن تنقلوا عني هذا الخبر لمن لم يحضر: كل من يريد الالتحاق بالثوار فان عائلة حفوز مستعدة لتدفع له 70 ألف فرنك وكسوة وسلاح وتتولى القيام بشؤون عيَاله«. بلغت هذه المقولة الى السلطة الفرنسية فصارت الجهة تحت الحظور والحصار والترويع وفي كل مرة تعمد القوات الفرنسية الى ترحيل العائلات من منازلهم وتستولي على ممتلكاتهم (مواشي... حبوب.. زيت) وتعذّب شرّ تعذيب من تثبت مساعدته ودعمه للثوار فارتفع عدد المقاومين وكثرت المناوشات والمعارك، خاصة في جبلي »سيدي خليف« و »الخشم« و »عين الحميمة« و »واد شوشان« و »خنقة فايض« وغيرها... وفي هذا الوضع المتوتّر قرّرت سلطة الحماية التخلّص من الاخوين الطاهر وعلي أولاد حفوز بعد اجتماع انعقد في دار المراقب المدني بالقيروان بحضور مراقب صفاقس ورئيس عصابة اليد الحمراء وذلك في أقرب وقت ممكن. لقد كان الطاهر وعلي على علم تام بوجود إسميهما ضمن قائمة المهددين بالقتل من قبل اليد الحمراء. ❊ بداية النهاية يوم 22 ماي 1954 : قدمت سيارة زرقاء اللون ذات الأربع خيول حاملة 4 أشخاص لم يعرف منهم سوى »لانْ« بائع الات ميكانيكية بصفاقس وعلى الفور دخلوا المعصرة أين وجدوا علي حفوز وبعدما تحادثوا معه متظاهرين بانهم جاؤوا ليعرضوا عليه شراء بعض الالات الفلاحية الحديثة وسلموا له كتيبا يشتمل على صور لتلك الآلات سألوه عن مقر أخيه الطاهر فأرشدتهم إليه. ❊ يوم23 ماي 1954 : في هذا اليوم عاد الطاهر حفوز من صفاقس ورجع نفس الاشخاص واتصلوا به وتحادثوا معه حول شراء آلات لمضخمة الماء وقفلوا راجعين الى صفاقس بعد أن تحققوا من وجوده قائلين له سنعود غدا ربما كان يتصور انهم سيعودون اليه بقطع الغيار ولكنهم سيعودون لتصفيته هو وأخيه. ❊ يوم 24 ماي 54 : قبيل حلول موعد الافطار بنحو عشر دقائق قدمت سيارتان من طريق صفاقس احداهما نوع »سيمكا اورندا« حمراء اللون والثانية من نوع »بيجو 203« لونها رمادي وبينما وقفت الاخيرة على بعد خمسين مترا من معصرة علي حفوز واصلت الاخرى طريقها الى مسكن أخيه الطاهر وبالقرب من بئر هناك نزل احد ركابها وسأل المدعو الطيب بن الحربي عن الطاهر حفوز، ثم طلب منه أن يشعره بأن كوميسار الشرطة بصفاقس جاء لمقابلته وكان يتلكم باللغة العربية الدارجة ولما قدم الطاهر ومدّ يده للمصافحة أخرج ذلك الشخص مسدسا وأطلق عليه ثلاث عيارات نارية أصابته في رأسه فسقط على الأرض ثم نزل من كان راكبا خلف السائق وأطلق عليه النار بواسطة رشاش وفي نفس الآونة أطلق شخص ثالث لم يبرح مكانه في السيارة النار على أخيه المناضل الحاج العكرمي حفوز دون أن يصيبه وقد كان قادما من بعيد ليلتحق بأخيه الطاهر، ثم فرّت السيارة راجعة نحو المعصرة أين كانت تنتظرها السيارة الثانية وبعد ان استعملت آلة للتنبيه مرت بالقرب من المعصرة ثم وقفت أمام علي حفوز الذي كان واقفا قرب حائط المعصرة وفجأة أطلق عليه ثلاثة من ركابها النار فسقط على الارض يتخبط في دمائه ثم انطلقت السيارة القاتلة آخذة طريقها نحو سبيطلة وتلتها السيارة الثانية التي ألقى ركابها على بقية الحاضرين قنبلة مسيلة للدموع استشهد الطاهر على عين المكان بينما نُقل علي الى المستشفى الجهوي بصفاقس وقد وصل اليه وهو على قيد الحياة وقد وضعت السلطة الفرنسية بعض العراقيل لاعطاء الاذن بقبوله بالمستشفى مما يؤكد تورّطها في عملية اغتياله فتوفّي هناك. وحضر موكب الجنازة العديد من المقاومين والمناضلين من بينهم السيد أحمد بن صالح عن اتحاد الشغل والاستاذ أحمد المستيري عن الديوان السياسي للحزب الدستوري الجديد وحين وُوري الشهيدان التراب انطلقت الزغاريد افتخارا لما قدّماه من أجل الوطن. ❊ النتائج كان من نتائج اغتيال الشهيدين الطاهر وعلي حفوز ان تلاحمت الصفوف بين العروش وتوالت ردود الفعل، وقد أبلغ القائد الساسي لسود الذي أبلغ الفرنسيين: »إنّ قولي فصل وماهو بالهزل وفي يوم الغد وليس قبله ولا بعده، إنّ المقاومين سيردون على اغتيال ابني حفوز وهكذا كل تونسي يقع اغتياله بعد اليوم نرد بعشرة« (علي السبوعي كتاب الساسي لسود) مقتل المعمّر »بيسات« الذي اعترف بمشاركته في مقتل اولاد حفوز. قتل شقيق »بيسات« يوم 26 ماي 1954 قتل المعمّر »اللوصي« الذي كان من أبرز عناصر اليد الحمراء وقد شارك هو وصهره في عملية اغتيال أولاد حفوز. قتل ثلاثة معمرين بقنطرة »وادي ملاق« كانوا عائدين الى ضيعتهم بجهة الكاف وتمّ أسر مهندس أطلق سراحه بعد عشرة أيام مقابل إطلاق سراح رؤساء الجامعات الدستورية بالكاف. مقتل ضابط فرنسي »بيتش« من أصل سويسري بمدينة سوسة من قبل جماعة حسن بن عبد العزيز. ولمزيد التفاصيل عن مسيرة أولاد حفوز النضالية، الرجوع الى كتاب »أولاد حفوز قلعة نضال« الذي استقينا منه كل المحطات النضاليّة لمؤلفه السيد السعيدي شوشان.