تونس تطلق مسار مراجعة "الاستراتيجية الوطنية للانتقال الايكولوجي"    القيروان:غلق الطريق وسط حالة من الاحتقان والتوتر    عاجل/ استئناف الحكم الصادر في حق مراد الزغيدي    المستشار الفيدرالي السويسري المكلف بالعدل والشرطة في وزارة الداخلية    هذا ما قرّره القضاء في حق زوج قتل زوجته بساطور    الجيش المصري يتدرّب على اقتحام دفاعات العدو    صفاقس تفكيك عصابة لترويج المخدرات وغسيل الأموال...حجز 50صفيحة من مخدر القنب الهندي    تونس نحو إدراج تلقيح جديد للفتيات من سن 12    هام: بشرى سارة للعاطلين عن العمل بهذه الولايات..فرص شغل في هذا القطاع..    صفاقس: الاحتفاظ بعنصر تكفيري مفتش عنه..    الكيان الصهيوني يوبخ سفراء إيرلندا والنرويج وإسبانيا    عاجل : زلزال قوي يضرب بابوا غينيا الجديدة    الرابطة الأولى: تعيينات حكام منافسات الجولة الثالثة إيابا لمرحلة التتويج    الرابطة الأولى: الإتحاد المنستيري يرفض خوض الكلاسيكو إلى حين النظر في مطلبه    بطولة العالم لألعاب القوى لذوي الهمم: رؤي الجبابلي يحرز ميدالية برونزية جديدة لتونس    تونس توقّع اتفاقية تمويل مع صندوق الإنماء الاقتصادي والاجتماعي لفائدة الفلاحة المندمجة بالكاف    غرفة التجارة و الصناعة : '' ندعو إلى إنشاء خط مباشر بين بولونيا وتونس ''    الخطوط التونسية: السماح لكل حاج بحقيبتين لا يفوق وزن الواحدة 23 كغ، و5 لترات من ماء زمزم    الجزائر: شاب يطعن شقيقته بسكين خلال بث مباشر على "إنستغرام"    تسجيل 120 مخالفة اقتصادية في هذه الولاية    اقتراب امتحانات الباكالوريا...ماهي الوجبات التي ينصح بالابتعاد عنها ؟    نقابة الصيادلة : إزدهار سوق المكملات الغذائية مع إقتراب الإمتحانات.. التفاصيل    عاجل/ السعودية تعلن عن قرار جديد يهم الحج..    مشاريع بالجملة لفائدة المستشفى الجهوي بجندوبة تنتظر تجاوز اشكاليات التعطيل    أتلانتا بطلا للدوري الأوروبي بعدما ألحق بليفركوزن أول هزيمة في الموسم    الإسباني بيب غوارديولا يحصد جائزة أفضل مدرب في الدوري الإنجليزي    مكلف بالإنتقال الطاقي : إنتاج 2200 ميغاوات من الكهرباء سيوفر 4500 موطن شغل    قفصة: نقطة بيع من المنتج إلى المستهلك لبيع الأضاحي    ايران: بدء مراسم تشييع عبد اللهيان في مقر وزارة الخارجية    علي الخامنئي لقيس سعيد : ''يجب أن يتحول التعاطف الحالي بين إيران وتونس إلى تعاون ميداني''    إحباط مخطط لعملية إجتياز للحدود البحرية خلسة وإلقاء القبض على 30 تونسيا    هلاك شاب في حادث مرور مروع..    «مرايا الأنفاق» لبنت البحر .. أسئلة المرأة والحرّية والحبّ والجمال    جائزة غسّان كنفاني للرواية العربية بفلسطين ..«برلتراس» لنصر سامي في القائمة الطويلة    «حلمة ونجوم» تمدّ جسور التواصل بين تونس واليابان    ‬قصص قصيرة جدا    الإبادة وهجوم رفح.. العدل الدولية تحدد موعد الحكم ضد الكيان الصهيوني    رئيس الجمعية المكافحة الفساد يكشف عن انتدابات مشبوهة تتجاوز ال200 الف    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الاربعاء 23 ماي    قرقنة : قتيل في حادث مرور ثالث في أقل من اسبوع    اليوم: درجات الحرارة تصل إلى 42 درجة مع ظهور الشهيلي    4 ألوان "تجذب" البعوض.. لا ترتديها في الصيف    بشخصية نرجسية ومشهد اغتصاب مروع.. فيلم عن سيرة ترامب يثير غضبا    مهرجان كان : الجناح التونسي يحتضن مجموعة من الأنشطة الترويجية للسينما التونسية ولمواقع التصوير ببلادنا    الفيلم الفرنسي "Goliath" يفتتح الدورة السابعة لمهرجان الفيلم البيئي بتونس    قفصة: تقديرات أولية بإنتاج 153 ألف قنطار من القمح الصلب هذا الموسم    بطولة العالم لالعاب القوى لذوي الاعاقة: برونزية لمحمد نضال الخليفي في سباق 100 متر كراسي (فئة تي 53)    اياب نهائي كاس رابطة ابطال افريقيا : وفد الترجي الرياضي يشد الرحال الى العاصمة المصرية القاهرة    مجموعة تفادي النزول : صراع البقاء يزداد تعقيدا بعد فوز مستقبل سليمان على مستقبل المرسى واتحاد تطاوين على اتحاد بنقردان    اتحاد الفلاحة: الفلاحون يبيعون قرابة 150 الف اضحية فقط وفق الوزن في ظل سوق اكتسحه السماسرة    وزارة الصحة: جلسة عمل حول تركيز مختبر للجينوم البشري لتعزيز جهود الوقاية والعلاج من الأمراض الوراثية والسرطانية    تضاعف المخزون الاستراتيجي للحليب مقارنة بالعام الماضي    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الاربعاء 22 ماي 2024    مسرحية "السيدة المنوبية" تفتتح الدورة الرابعة لأسبوع المسرح البلدي بتونس    هل فينا من يجزم بكيف سيكون الغد ...؟؟... عبد الكريم قطاطة    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في القانون الامريكي لمعاداة السامية
الهولوكوست الجديد ضد العرب والمسلمين
نشر في الشعب يوم 07 - 10 - 2006

«المبدأ ان الولايات المتحدة تملك الحق في الارهاب والحق يستخدمه من يشتغلون وكلاء لها، ولا يهم من هم. وبما ان اسرائيل وكيل للولايات المتحدة، لذلك تملك حق الارهاب».
نعوم تشومسكي
هل من الممكن ان نذرف دمعة واحدة على اليهود الذين اوقدت بهم افران الحكومة النازية والعنصرية؟ مثلما ذرفنا دموعا على ضحايا 11 سبتمبر؟
ثم من جعل تلك الحكومات نازية وعنصرية؟ وهل هي كذلك فعلا؟ أليست تلك اليافطات التي الصقت بالنظام الالماني وليدة من يملك حق ان يقرر ويحاكم؟
بالمثل حوكمت القيادات في الشيلي وكوبا والعراق وكوريا الشمالية وايطاليا «الفاشية» وايران... وغيرها.
نحن ان داخل علاقات الانتاج (الاقتصادي) والنتاج (الثقافي) الميكانيكية.
mecanique social organique social لذلك نحن تمثل تلك السوق التي تروج فيها وبها المفاهيم التي تنتجها المخيمات المركبة.
الشعوب العربية لازالت تكرر انتاج الخطاب «الماضوي» مستعينة بأوامر تلك الحكومات تحت امرة الاسلحة الاقتصادية والديون والقرارات التي تصدر عن المنظمات الدولية.
هل تصدقون فعلا ان هيكلا امميا بحجم منظمة الامم المتحدة يعجز عن تنظيم مؤتمرات وندوات لتحديد المفاهيم؟
هل فعلا عجزت هذه المنظمة عن تحديد مفهوم الارهاب؟ رغم انه من أيسر المفاهيم التي يمكن تحديدها وهو اكثر المفاهيم التي وقع انتاجها وتداولها في علاقة بمفاهيم «الحرب» و «العنف» و «التحرر» و «النضال».
ان يبقى مفهوم الارهاب هلاميا وغير مقنن وقابلا للتمطيط والنقض والمراجعة... ان يبقى كذلك يعني ان تبقى تعلات ومبررات التدخل السافر في قرارات الشعوب وشؤونها ومصائرها من قبل الولايات المتحدة التي ناقضت قوانين دستوره المنقح سنة 1897 المعروف باسم «اعلان الحقوق» «وجاء فيه على لسان احد رواد ثورتها «توماس جيفرسون سنة 1890 ان: «الحكم الذاتي حق لكل فرد ولكل جماعة من الناس» (1).
كما تناقض بالمثل ما ذهب اليه «روزفلت» في مؤتمر «الميثاق الاطلسي» سنة 1941 اثر نهاية الحرب العالمية الثانية: فالميثاق مع «حق الشعوب كافة في اختيار نظام الحكم الذي يريدون ان يعيشوا في ظله».
دون ان ننسى مناقضة هذه الانتهاكات لكل قوانين وقرارات الشرعية الدولية، ومنها الاعلان العالمي لحقوق الانسان.
ففي اطار مفاهيم «العنف» و «القانون» و «الحق»، تخول الولايات المتحدة لنفسها التدخل في الشؤون الداخلية للدول وشن الحروب وانتهاك سيادة الشعوب، ففي حين ان العنف كل «مبادرة تتدخل بصورة خطرة في حرية الاخر وتحاول ان تحرمه حرية التفكير والرأي والتقدير، وتنتهي خصوصا بتحويل الاخر الى وسيلة أو أداة من مشروع يمتصه من دون ان يعامل كعضو حر وكفء» (2).
ففي حين ان العنف كذلك، فان الولايات المتحدة وابنتها الصهيونية تصنعان مفارقة غريبة تمكنهما من الوجود «شرعا» داخل المعقولية الدولية فهما تنتجان العنف عند الاخر لدى الفئات والاقليات والعصابات داخل دولة بعينها تكون مشروع الاسقاط القادم، ثم تنتجان عنفا بتعلة الرد على العنف فعنفها اذن رد فعل، اي هو عنف مضاد بمثل ما انتجت من حركات موالية: دينية وحزبية وانفصالية، مع تنظيم القاعدة وبعض الفصائل الكردية والاحزاب العربية المعارضة (بعضها) والمليشيات في جنوب القارة الامريكية والافريقية.
نحن الان امام الحرج الذي وصل اليه «ماكس فيبر» في محاولته تحديد مفهوم الدولة باعتبار انها: «حق الاستئثار بممارسة العنف المادي المشروع» (3)، لنجد عقلانيتها هذه قد أدركت المدخل الضروري للقانون انه «ما هو مشروع».
فالدولة الامريكية تستند الى قانون ثابت تحركه وفق مصالحها متكئة على مقولة: «حقيقة من هو الاقوى دائما هي الأجمل»، رغم انها لا تجد حرجا في خرق تلك القوانين الدولية، ما دامت هي الاقوى.
ما وقع انتاجه من حقوق لفائدة الفرد والمجتمعات، تحول مساره وصار يخضع لقانون العرض والطلب، اي مفهوم «المصلحة»، فالحضارة المعاصرة التي لا زالت قائمة على القمع والسيطرة وكبت الحريات... همشت «الحق».
«فالانسان ذو البعد الواحد» حسب «ماركوز» هو الذي «استغنى عن الحرية بوهم الحرية، وعن الحق خوفا من العنف» (4).
ان «الحق» المفترض لصالح الحياة والحرية والمساواة والعدل والديمقراطية، تحول وفق ميكانيزمات متعددة لصالح «كرازماتية دول» انها الولايات المتحدة وحقها في التدخل العسكري واسقاط الحكومات وفرض الشروط دائما لصالح «وكيلها» الامم، وهو الدولة العبرية.
فمنذ حرب حزيران 1967 التي حطمت فيها اسرائيل القوات العربية، تأكد بما لا يدع مجالا للشك الدور الذي يمكن ان تلعبه اسرائيل لصالح الولايات المتحدة، طالما ان الاولى مستهدفة في وجودها، في منطقة تنبض بالنعرة القومية والحركات الاسلامية «فكانت حرب العام 1967 خطوة كبيرة الى الامام، عندما اظهرت اسرائيل قوتها وقدرتها على التعاطي مع القوميين الراديكاليين في العالم الثالث» (5).
لذلك وربما قبل ذلك بكثير بدأ الدعم اللوجستي (عسكريا وتقنيا وماليا) للكيان الصهيوني باعتباره قاعدة خلفية للمصالح الامريكية في اغنى منطقة بالذهب الاسود واكثرها اهمية استراتيجية.
ولم تتوان الولايات المتحدة عن رفع حق الفيتو ضد كل القرارات الاممية المنددة باسرائيل والداعية لها بتطبيق الشرعية الدولية.
11 سبتمبر... المنعرج
مثل هذا الحدث الذي ليس غريبا ان يقع في نفس الشهر لوفاة الزعيم جمال عبد الناصر ومجزرة صبرا وشاتيلا ومجازر ايلول الاسود... (1970) وهو كذلك التاريخ الذي قدم فيه بوش مقترحاته للكنغرس الامريكي بالمصادقة على قانون معاداة السامية الذي وقع اقراره بتاريخ 8 اكتوبر 2004.
قلت مثل هذا الحدث بؤرة نوعية لسحب الاحداث الى الخارج... اي لجعل التفاعلات والصراعات عالية ومباشراتية، وليست مخابراتية فقط، ولم يخف على احد ضلوع المخابرات الامريكية في هذا الحدث (11 سبتمبر) رغم ان البيادق التي نفذت الحدث، ربما تكون «اسلامية» او «اسلاموية» أو «ارهابية» او «أصولية»...
فكل ما كان يحف بالحدث يوحي بأن اطرافا خفية ساهمت في وقوع الحدث وساهمت ايضا في ابراز «الارهاب» كخطر يجب مقاومته والقضاء عليه وتتبعه، وما «الارهاب» هنا الا «الاسلام» والعرب في مرحلة ثانية، او ربما هما معا في خانة واحدة.
فقد اثبتت الاحداث التاريخية المتتابعة، ان العرب كلما يئسوا من حكوماتهم ومن الحصول على حقوقهم وحرياتهم السياسية والمدنية، ينزاحون الى الخطاب الماضوي اي التيارات الاسلامية المتعددة.
اذن مثل 11 سبتمبر الذريعة الاجمل للولايات المتحدة لدفع كلابها المدربة وجنودها وطائراتها العسكرية وبوارجها وعملائها لغزو العراق تمهيدا لنشر مشروع الشرق الاوسط الكبير في مراحل تالية ومتتالية، والاغرب ان الحكومات العربية والعملاء والمثقفين تعمدوا نسيان ان المشروع مطروح منذ 1941... نعم منذ ذلك التاريخ من شهر جانفي.
فقد قال «وايزمان» امام مجموعة من السياسيين الانجليز: «إن المسافات في أرض اسرائيل اقصر، فهم (اليهود) سينقلون العرب فقط الى العراق او شرق الاردن». (6) ودعم هذا القول «يسحاق غرينباوم» سنة 1948 والذي اصبح وزيرا للداخلية في حكومة اسرائيل: «هناك مصلحة عربية في تأييد الترنسفير وهي تكمن في زيادة سكان العراق بالمزيد من العرب» (7).
ومادام العراق قد صار دولة قائمة الذات ومهابة عسكريا وخاصة انه لازال احد معاقل القوميين.. فإنه لابد من خلق الظروف الدراماتيكية / المصطنعة لتحقيق هذا الحلم الذي طرح منذ 1948 حيث دعي غرينباوم: «بالامكان مثلا ان نخلق بصورة اصطناعية ظروفا في العراق تجذب العرب من فلسطين للهجرة الى هناك، فلا ارى في ذلك اي اثم او جريمة» (8).
لاحظوا كيف يملك اليهود تلك القدرة الغريبة على التخطيط والثبات على «المبدأ»، وهو يشابه ما يتوفر عليه العرب من غباء وقدرة على دس الرأس في التراب.
ان تداعيات 11 سبتمبر كانت اخطر من مجرد غضب دولة عظمى على دول اضعف، وانما تجاوز ذلك الى عودة الاستعمار التقليدي، بعدما كنا غير منزعجين من اشكال الاستعمار الاخرى، وما ينجر عن عودة هذا الاستعمار من اعادة خلق تقسيمات جغراسياسية (العراق مثلا) واسقاط حكومات (العراق، سوريا، ايران) وبناء دول اخرى موالية تنضاف «للوكلاء» والتابعين للولايات المتحدة.
فالعراق من اهم الدول القومية الراديكالية التي تمثل خطرا على اسرائيل، وعلى مشروعها الصهيوني دون ان ننسى ظهور بوادر اطماع عراقية للبحث عن مجال حيوي يمكنه من مد نفوذه على اهم مخزون استراتيجي للنفط في العالم من خلال غزوه للكويت، وبسقوط العراق تجد سوريا نفسها بين فكي كماشة الجيوش الامريكية المتمرسة في العراق والكيان الاسرائيلي مع وجود دولة هشة امنيا وسياسيا تتمثل في لبنان.
وهو ما سيجعل الهدف الموالي للاطماع الاستعمارية «الحداثية»، وهو سوريا وستترك ايران كآخر نقطة في جدول الاعمال، باعتبار قوتها الايديولوجية ووجود عديد الاطراف الموالية لها في المنطقة، كحزب الله والفصائل الشيعية في كامل المنطقة، دون ان ننسى امتدادها في العراق في الاثناء تمارس الحكومة الامريكية بدفع من اللوبي الصهيوني وشركات النفط والسلاح ضغوطا على الحكومات العربية الاخرى لإملاء شروطها الاقتصادية والسياسية والتعليمية...
كل هذه الاحداث منضافة اليها تنازلات مجحفة للمفاوضين الفلسطينيين حول قضايا اللاجئين والمستوطنات والامن والحدود بدفع من بعض الحكومات العربية، ساهمت في تفشي الغضب الشعبي العام وازدادت نقمة المثقف والنخب السياسية التقدمية... التي لم تستطع حتما ان تغير مواقف حكوماتها ولو قليلا، فصبت جام غضبها على الحكومات الامريكية المتتالية وعلى اسرائيل والقوى الامبريالية مما زاد في تعميق الوعي بالقضية الفلسطينية والقضايا العربية والمخاطر التي تحدق «بالامة» خاصة وان المثقف العربي بات يتوجه الى الاخر الغربي عبر وسائل الاعلام العربية والغربية (يمكن مثلا دراسة تأثير قناة الجزيرة على تفتح وعي المثقف العربي) معولا على تفهم المثقف / الاخر، وعلى جيل جديد من الاعلاميين المتشبعين بالمبادئ الحقوقية، وان كان بعض الاخر دافع عن قضايانا العربية اكثر من العرب انفسهم.
مما ولّد بذرة وعي في المجتمعات الغربية، وصارت اسرائيل تبعا لذلك تصنف كأكثر الدول ارهابا واكثر الدول خطرا على الامن العالمي في اكثر استفتاء مثير للجدل في فرنسا.
قانون حماية اسرائيل
في الدورة 108 لانعقاده وفي جلسته الثانية، وافق الكنغرس الامريكي على قانون حماية اسرائيل لعام 2004، ويبدو جليا في حيثيات هذا الاصدار التركيز على الصهيونية باعتبارها من يمثل «السامية» وجاء هذا القانون متضمنا لست مواد، يمكن سردها كالتالي:
1) المادة الاولى: «يمكن ان نطلق على هذا القانون، قانون لتعقب السامية عالميا لعام 2004» (9).
2) المادة الثانية: حيثيات اصدار هذا القانون، وفيه سرد لبعض الاحداث التاريخية التي وقعت ضد اهداف دينية او بشرية يهودي انطلاقا من سنة 2002، حيث تمت اذاعة مسلسل «فارس بلا جواد» في التلفزيون المصري، منضافة له بعض الوقائع الاخرى، والتي سنأتي على ذكرها لاحقا».
3) المادة الثالثة: وفيها ان الولايات المتحدة يجب ان: «توثق وتتابع عن كثب القوانين والحركات المعادية للسامية في انحاء العالم» (10) بمساعدة المنظمات الدولية، مثل منظمة الامن والتعاون في أوروبا والاتحاد الاوروبي والامم المتحدة، وحتى سفارات الولايات المتحدة في كافة انحاء العالم.
4) المادة الرابعة: وفيها ان وزارة الخارجية الامريكية مطالبة بأن تقدم في اجل اقصاه 15 نوفمبر 2004 التقارير اللازمة عن الافعال وردود الافعال، عن الاعمال المعادية للسامية في كامل انحاء العالم.
هذه التقارير تقدم الى لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، وكذلك لجنة العلاقات الدولية في البرلمان، وهذا التاريخ (15 نوفمبر) سيكون تاريخا سنويا لتقديم التقارير والنشرات عن الاعمال وتحديد المعونات وتعديلها وحذفها، وكذلك شكل العلاقات الخارجية مع الدول، لذلك وقع تعديل قانون المساعدات الخارجية لسنة 1961.
5) المادة الخامسة: وتتناول شكل المكتب المخصص لمراقبة معادات السامية، وفيه: تأسيس المكتب رئاسة المكتب تعيين رئيس المكتب اهداف المكتب الاستشارات.
ومن اهداف المكتب الموجود بمقر وزارة الخارجية، ويعين رئيسه وزير الخارجية: «مراقبة ومكافحة الافعال المعادية للسامية، وكذلك التحريض المعادي للسامية الذي يظهر في الدول الاجنبية» (11).
6) المادة السادسة: وفيه تعديل لبعض القوانين واللوائح الامريكية، لتتماشى مع القانون الجديد خاصة فيما يتعلق بالمساعدات الخارجية وطبعا بوضع الدول على لائحة الدول الراعية للارهاب.
ان هذا القانون، فيه من الخطورة ما يخول للولايات المتحدة «الحق» في تتبع وايقاف وملاحقة اي مواطن او مبدع في اي مكان من العالم... في المطارات والشوارع وحتى في دولهم الاصلية، ومحاكمته تساعدها على ذلك المنظمات الدولية والاوروبية، وبعض الحكومات العربية التي بدأت في تطبيق لوائح هذا الدستور، خاصة على المثقفين، وكلنا سمع بالضجة التي احدثها كل من مسلسل «فارس بلا جواد» و «الشتات» وتهربت اغلب القنوات العربية من بثه.
مع العلم ان هذا القانون لا يستثني الحكومات والدول، لانه يدوّن افعالها واقوالها وكذلك ردود فعلها على الافعال والاقوال المعادية للسامية، التي تحدث على أراضيها.
هذا طبعا تمهيدا لعرض هذا المشروع لاحقا على المنظمات الدولية لتبنيه. ولما لا يصبح قانونا دوليا اجباريا يعاقب على مخالفته امكانية ملاحقته كمجرم حرب او اسقاط الحكومة الداعية لمعادات السامية، يكون ذلك بعد ان تجبر الدول ومنها العربية بالاساس على تبنيه، وكلها تصب في خانة حقوق الانسان والمعتقد، مع العلم ان الانسان «محل الحماية، هو الانسان مجردا من فكرة انتمائه لجنسة من الجنسيات او لجنس من الاجناس او لحالة من الحالات» (12).
غير ان هذا القانون جاء حاميا لجنسية صهيونية، ودين يهودي، وان كانت اغلب الشعوب العربية (وهي محل حديثنا الان) ليس لها ذلك العداء التاريخي مع اليهودية باعتبارها من الديانات المنزلة، ولا مع المسيحية كذلك، غير ان الخلط الحاصل امام دراماتيكية الاحداث الواقعة وامتزاج كل ما حصل (الحروب الصليبية) ويحصل في المنطقة وفي فلسطين، جعل اليهودية صنو النازية.
ولنلاحظ ان قانون معادات السامية جاء تحديدا لحماية الدولة الصهيونية، وليس الدين اليهودي، ولا اي ديانة اخرى او شعب اخر او أقلية ما (كالأكراد والدرز) وكأن السامية لا تعني فيما تعنيه المسلمين والمسيحيين فلم يعد الان هناك مجال لمعادات السامية، لان امريكا ستكون متيقضة، هكذا صرح بوش اثناء توقيعه على القانون سييء الذكر.
اطلالة على بعض البنود:
جاء في النقطة الثانية من المادة الثانية من القانون: «صرح رئيس الوزراء السابق مهاتير محمد في بوتراجيا بماليزيا في 16 اكتوبر امام 57 من القادة الوطنيين المجتمعين في مؤتمر منظمة المؤتمر الاسلامي ان اليهود يحكمون العالم بالوكالة» (13).
وقال ان 1،3 مليار مسلم «لا يمكن هزيمتهم بحفنة ملايين من اليهود» (14).
لاحظوا كيف يمكن ان يحاكم احدهم بتهمة الاصداح بالحقيقة في ظل عالم ضج بالشعارات الحقوقية، وكأن ما يصدر يوميا من أدبيات وشعارات ضد العرب والمسلمين لا علاقة له اصلا بمعادات السامية.
أليس غريبا ان تعمد الولايات المتحدة في هذا القانون الى وضع القول على نفس سدة الفعل، بمعنى ان ما تأتيه اسرائيل من افعال وحشية ضد الانسان والحياة هي افعال موازية تماما للقول الصادر عن المثقفين وحتى المواطنين العاديين، فما الذي يعنيه قول مهاتير محمد امام غزو لبنان ومجازر صبرا وشاتيلا واعدام الجنود المصريين في سيناء... اضافة للاعمال اللاانسانية والعنصرية التي تمارس يوميا، من حصار واغتصاب للنساء والاراضي والممتلكات.
كما ورد بنفس النقطة الثانية من القانون ما يلي:
«في سانت بترسبورغ بروسيا قام مخربون في الخامس عشر من فبراير 2004، بانتهاك حرمة نحو خمسين من المقابر اليهودية ورسم الصليب المعقوف على شواهد القبور وحفر الشعارات المعادية للسامية» (15) وقد تكرر هذا التصرف في «تورنتو» بكندا، وافرده القانون بنقطة خاصة به، لنفهم تبعا لذلك مدى الكراهية التي اصبح يكنها العالم لليهود ولاسرائيل، من روسيا الى كندا، ومن جنوب افريقيا الى هولندا.
ثم اي حرج في رسم الصليب المعقوف على شواهد القبور اليهودية؟ أليست النازية حليفة الصهيونية؟
لم يعد خافيا على احد اليوم، ان الصهيونية مولت الاحزاب النازية التي خدمت مصالحها بامتياز، ولم تكن فكرة المحارق وغرف الغاز غير نكت تعرض للتنكيل كل من يشك في صحتها من «دافيد ايرفينج» الى الكاتب النمساوي «جيرو هونسيك» الذي حكم عليه hultبالسجن 18 شهرا بسبب المقالات التي كان ينشرها بمجلة نفى فيها وجود غرف الغاز في معسكرات الاعتقال النازية هذا اضافة للمؤرخ الفرنسي «هنري روك» الذي منع من مناقشة رسالته في الدكتوراه من جامعة «نانت» سنة 1977 بسبب نفيه للمحرقة دون ان ننسى طبعا «روجي غارودي...» لا احد بإمكانه ان ينفي حصول حالات تعذيب واعدام وقتل في المعتقلات النازية، بمثل ما حصل ويحصل في المعتقلات الامريكية (باجراوند ابو غريب غوانتانامو...) والصهيونية، وفي كل الدل التي خاضت وتخوض حروبا واحتلت شعوبا، مع ذلك لا يمكن القبول بذلك الرقم المهول من اليهود الذين قضوا نحبهم في المعتقلات، وليس بسبب غرف الغاز ولا المحارق.
وقد اثبت «راسينيه» بالمثل ان المحارق كانت موجودة في المعسكرات النازية، وكان وجودها بغاية حرق جثث الجنود والمعتقلين، مخافة الأوبئة المنتشرة عصرئذ، وبالمثل كانت هذه المحارق منتشرة في كل دول شمال أوروبا التي تعتنق البروتستانية، اما غرف الغاز فكانت موجودة للغرض نفسه بمعنى ان تدخل كل ملابس وأدوات الجنود العائدين من المعارك داخلها لتطهيرها.
ان الامم من كل ذلك ان الحركة الصهيونية لم يكن يعنيها لا اليهود ولا معتنق اليهودية، بقدر ما كان يعنيها ارض فلسطين، لذلك دخلت في صفقات مع الحركات النازية نفسها، فقد ثبت ان النازيين تسلموا عام 1929 مبلغ 10 ملايين دولار من بنك «مندلسون اندكومباني» الصهيوني بامستردام، كما تلقوا عام 1931 مبلغ 15 مليون دولار، هذا وتم ارسال مبلغ 126 مليون دولار الى هتلر بمجرد وصوله الى السلطة سنة 1933 (16).
اما النقطة الثالثة من المادة الثانية، فقد جاءت راصدة افعال العرب والمسلمين المعادية للسامية: «لوحظ ان الانماط الحديثة والقديمة المعادية للسامية في ازدياد مستمر من خلال جهات النشر الحكومية في مصر ودول عربية اخرى» (17).
إننا الان امام «النظام العالمي الجديد» في اهم خصوصياته الثقافية والسياسية. إننا بحق امام تراجع مخجل عن المبادئ والقيم الانسانية، وعن الحقوق التي خلقتها تركمات متنوعة ومختلفة، وذهب ضحيتها الملايين من المناضلين والحقوقيين.
اليوم مطالبون بالتنازل عن حرية الكلام وحرية الصحافة وحرية التنقل وحريات عديدة اخرى.
لقد صار بالامكان لأجهزة القمع والرقابة والمراقبة، ان تضع تحت المجهر اي مواطن او جهة او جمعية... وتراقب الاموال والمواقف والتحركات وكل ما هو معاد للسامية الصهيونية.
اما الافعال المعادية للسامية فقد حددها القانون الامريكي سيء الذكر كالتالي: «اعمال العنف البدني ضد او التحرش باليهود واعمال العنف والتخريب لمؤسسات المجتمع اليهودي كالمدارس والمعابد والمقابر التي حدثت في كل بلد» (18) بذلك فمن يرمي حجرا على قوات الاحتلال العنصرية متهم بمعاداته للسامية... فما بالك بحركات المقاومة الاسلامية (حماس الجهاد حزب الله) وهي كلها مصنفة في القائمة الامريكية للحركات الارهابية.
ولو قدر لنا اليوم ان نصدر قانونا مشابها لهذا ومعاديا للسامية ايضا، فانه سيكون متضمنا لأعمال موجهة ضدنا بعيدة كل البعد عن العنف البدني والتحرش وتخريب المؤسسات والمساجد والمنازل ببساطة لان كل ما هو موجه ضد كيانات هذه الشعوب العربية لا يقل عن الاحتلال والقمع واسقاط الحكومات وتغيير الحدود واغتصاب الاراضي وطرد الشعوب من اراضيها.
فماذا يسمى طرد اهالي 531 مدينة وقرية من ديارهم سنة 1948؟
ماذا يسمى المذابح ال 17 التي حصلت قبل الانتداب وتضاعف عددها بعد ذلك؟
ماذا يسمى احتلال 12 قرية في لبنان وقمع اهلها، ثم غزو لبنان سنة 1982؟
ماذا يسمى قصف القرى والمخيمات بالنابالم والاسلحة المحرمة دوليا؟
ماذا تسمى الاغتيالات المتتالية للقيادات والكوادر والمثقفين؟
دون ان ننسى طبعا الاجرام الامريكي في افغانستان والصومال والعراق وقصف السودان وليبيا و... و...
لن تكتفي الوثائق ولا الملفات لرصد الاجرام الصهيوني المدعوم بالدولة الراعية للارهاب، وهي الولايات المتحدة الامريكية.
جيوش موزعة في البحار والمحيطات وفي القواعد العسكرية بالدول العربية... ألسنا اليوم في «غيتوات» يحيط بنا اليهود من جهة والجيوش الامريكية من جهة اخرى وحكوماتنا المتخلفة والمستكينة من بقية الجهات... فإلى اين المفر؟
اذن، اي غباء هذا الذي تطلبون به «الغفران» للألمان على مجزر لم يرتكبوها؟ وهل ان الالاف الذين قضوا نحبهم (إن كان صحيحا) يساوي ما حصدته الاليات الاسرائيلية والامريكية في فلسطين والعراق؟؟؟
فهل سيعتذر الامريكان عن مجازر ارتكبوها ولا زالوا، مثلما اعتذرت المانيا واليابان عن احتلالها للصين؟
بالطبع لا، طالما ان من يقتلون ويموتون ليسوا سوى حيوانات وفقراء وهمج وبربر لا يستحقون الحياة انهم يفرخون الارهاب والعنف.
ألم يقل موشي ديان قبل 35 عاما من الان:»ان على فلسطينيين ان يعيشوا كالكلاب ومن لا يعجبه يرحل، وسنري نتيجة هذه العملية» (19).
اخر ما يُقال
تذكروا جيدا ان هذا القانون المعادي للسامية، قانون يدعم «النظام العالمي الجديد / النظام الاستعماري الجديد». وكذلك «مشروع الشرق الاوسط الجديد / الشرق الاوسط الذليل»... الخ... من اليافطات الامبريالية الحداثية، وبالتالي فهو يمهد للهيمنة الامريكية والاسرائيلية، تحسبا لنهوض القطب الاوروبي والمارد الصيني، وكذلك لقطع الطريق على الحركات الاسلامية التي بدأت تجد طريقها الى الجماهير المسحوقة.
فالولايات المتحدة لا يمكن ان تتخلى عن حليفتها الاولى، اسرائيل، فهي حديقتها الخلفية وثكنتها وعينها ويدها الممتدة الى اعناق المتمردين والمناهضين والرفضاويين... «تذكروا اخيرا ان ما تفعله اسرائيل، تفعله بموافقة الولايات المتحدة التي تقدم المساعدة المالية والدعم، الى جانب الموافقة في العادة» (20).
هل يستوعب العرب الدرس؟ أم ينتظرون تطبيق كل المشاريع الامبريالية والاستعمارية على مؤخراتنا ورقابنا؟

الهوامش
المجتمع الميكانيكي، يعتمد على نظام بدائي وبسيط اثناء التخصص في العمل، عكس المجتمع المركّب، الذي يعتمد على نظام معقد ومنظم للعمل.
1) علي بن حسين المحجوبي، حقوق الانسان بين النظرية والواقع، مجلة الفكر، العدد 4، المجلد، افريل 2003، المجلس الوطني للثقافة والفنون والاداب بدولة الكويت، ص 19.
2) عبد الرحمان التليلي، الحق كإقصاء للعنف، نفس المصدر السابق، ص، 75.
3) نفس المصدر السابق، ص 75.
4) نفس المصدر السابق، ص 81.
5) نعوم تشومسكي، الانتفاضة امريكا اسرائيل والعرب، ترجمة الكرمل، مجلة الكرمل، مؤسسة الكرمل الثقافية، العدد 67، ربيع 2001، ص 177.
6) بيني موريس، ملاحظات حول التاريخ الصهيوني ترجمة: انطون شلحت، نفس المصدر السابق، ص 196.
7) نفس المصدر السابق، ص 201.
الترانسفير: هو الطرد الجماعي والقسري لمجموعة من السكان، عادة ما يكونون من السكان الاصليين، وقد نفذها الكيان الصهيوني ضد المواطنين الفلسطينيين.
8) نفس المصدر السابق، ص 201.
9) القانون الامريكي لحماية اسرائيل، ترجمة: محمد شعير، جريدة اخبار الادب، العدد 594 الاحد 28 نوفمبر 2004، ص 6.
10) نفس المصدر السابق.
11) نفس المصدر السابق.
12) د. خيري الكباش، الحماية الجنائية لحقوق الانسان، مجلة عالم الفكر، العدد 4 الملجد 31 افريل 2004، ص 214.
13 و 14) القانون الامريكي لحماية اسرائيل، نفس المصدر السابق.
15) نفس المصدر السابق.
16) انظر مقال: غرفة عبده علي، أسطورة الهولوكوست... تعاون مشبوه بين الصهيونية والنازية، مجلة عالم المعرفة، العدد 498 ماي 2000.
17) القانون الامريكي لحماية اسرائيل، نفس المصدر السابق.
18) نفس المصدر السابق.
19) نعوم تشومسكي، نفس المصدر السابق.
20) نفس المصدر السابق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.