هذه مئوية هذا الأديب، وتلك مئوية ذاك الفنان... مئويات نحتفل بإحيائها كل سنة تقريبا، ان بلادنا والحمد لله تعجّ بالادباء والشعراء والمثقفين والعلماء والأطباء والمهندسين والاعلاميين والذين يشهد لهم بالكفاءة العالية والسمعة العالمية... منهم من انتقل الى جوار ربه ومنهم من يواصل العطاء للبلاد والعباد وكلهم يستحقون التقدير والاحترام والتكريم والاحتفال باحياء ذكرى ميلادهم وذكرى وفاتهم. جميل جدا ان نغتنم كل مناسبة للاحتفال باحياء ذكرى هذا المبدع او ذاك وتحية اكبار لكل من يفكر في ذلك او يشرف على الاحتفال من قريب أو بعيد، لكن الغريب (وهذا رأيي) اننا في بلادنا نحتفل بذكرى مرور مئة عام على ميلاد هذا المبدع او ذاك وهو متوفى وكان من الأجدى والأصح ان يقع احياء ذكرى وفاته لزيارة قبره ووضع باقة زهور عليه وقراءة الفاتحة وتعداد مناقبه حتى يكون الاحتفال لائقا بصاحب الذكرى. وأنما أعجب أن تدعو الوزارة نخبة من المبدعين في هذا الميدان أو ذاك ممن لهم اطلاع على حياة واثار المحتفى به لتتكوّن منهم لجنة موسعة تهتم كل مجموعة منها بعمل يتعلق بانجاح هذه الذكرى وتقام الندوات والامسيات وتلقى المحاضرات، لأن صاحب الذكرى مرت مئة عام على ولادته! أليس من المعقول ان يقع الاحتفال باحياء ذكرى وفاته العاشرة او العشرين او الخمسين؟ لحدّ علمي ان الاحتفال بأعياد الميلاد لا يقام الا للأحياء وأذكر ان بين الستينات والسبعينات كانت دار الثقافة ابن رشيق وببادرة من مديرها المرحوم خالد التلاتلي تكرم الاحياء من فنانين وشعراء وأدباء ومبدعين ويحضر الحفل المسؤولون والمثقفون والجمهور الغفير ويشارك كل من يعرفه بذكر المعلومات الكبيرة عنه والذكريات العالقة بأذهانهم والمداخلات والاشياء الطريفة والمجالس التي وقعت معه، مع التركيز طبعا على سرد آثاره، كل ذلك بحضور المحتفى به الذي يبتهج للفتة ويشعر باعتزاز كبير، لم لا وقد فكروا في الاعتراف له بالجميل وهو حي، وقد يصل ببعضهم التأثر الى حد البكاء مثلما فعل عميد الصحفيين التونسيين المرحوم الهادي العبيدي الذي حضرت حفل تكريمه، اما ان يقع تكريم المبدعين بعد وفاتهم فينطبق عليهم قول علي الدوعاجي، »عاش يتمنى في عنبة... مات علقولو عرجون«. وأعود للاحتفال بمئويات الميلاد لألح على ان الاحتفالات بأعياد الميلاد تقام للأحياء. فهل سيسمعنا الأموات عندما نقول لهم »عيد ميلاد سعيد«، أم أنا أهذي يا ترى؟