بعد المهرجان الدولي الذي التأم ذات صيف رمضاني يسعى المركز الثّقافي بالحمامات الى مواصلة أنشطته الفكريّة والثقافية قطعا مع الموسميّة ومراهنة على أن الثقافة فعل مستمرّ به تنهض المجتمعات وتتألق. واليوم في جنان المركز وبين جدران دار »سيبستيان« الناصعة البياض المجلّلة بالاشجار الوافدة من كلّ أصقاع الأرض كان الافتتاح البهيج للانشطة الثقافية. لقاء حواريّ مع شاعر تونسيّ بلغ اليوم الستين من العمر، والعمر لا يقاس بالسنين. اليوم صار عبد الله مالك الڤاسمي برتبة ، جاوز النبوّة ومازال شاعرا حيّا نابضا يذهلك قوله المرصّع بالغموض والغيم ويفتنك شرطه الانسانيّ والشّعريّ بصفة متوازية إنّه كائن شعريّ في كل تفاصيله: حالة إبداع هو إذا. المجلس الثّقافيّ افتتحه الصحفيّ نورالدين بالطيّب وتعرّض بعد ذلك الرّوائي صالح الدّمس الى سيرة الضيف الذي يحتفل بعيد ميلاده؟ قدم في كلمات خصائص الشاعر الادبية والانسانية نظرا للوشائج العميقة التي تربطهما منذ ثلاثة عقود، تواصل فنّي إبداعي وتواصل في الشوارع الخلفية للعاصمة أو مدينة بنزرت. وفي شهادة تلقائية تحدّث »النبيّ الستّيني« عن تجربة الكتابة منذ البدايات في المرحلة الابتدائية والثانوية، وهي مغامرة تؤكد أن الشاعر يبدأ شاعرا في نحت أساليبه ويغني معارفه وتجاربه بالقراءة والسفر والخوض في مسارب الحياة والمحصّلة ثريّة ومتنوّعة تقول إنّ عبد الله مالك لم يبدّد أيّامه هدرا ولم يتلف سنوات عمره هباء. لعلّ عمله الصحفي المسترسل منذ ربع قرن في جريدة »الأخبار« مساهمة مكنته من الحضور وتمثّل الحراك الثقافيّ في البلاد والإطلاع على أهمّ منشورات كلّ الاجناس الادبية التونسيّة. فلا غرابة أن يولي المنشورات التونسية الأولوية المطلقة، يقرؤها ويقدّمها للقراء وكثيرا ما كان يقلّبها بعيون القارئ الفطن دون ادّعاءات أكاديمية مدرسيّة. للانبياء معجزات تدلّ عليهم وللشّعراء الانبياء آثار من ابداعهم المحض كتب الشّعر والمقالة الصحفيّة والدّراسة الادبية. أ الشعر: أصدر عبد مالك الڤاسمي ستّ مجموعات (»لغة الاغصان المختلفة« و»كتابات على حائط الليل« و»هذه الجثّة لي« و»حالات الرجل الغائم« و»قصائد للمطر الأخير«). ب الدراسة: »نزهة في حدائق الكلام« و»تداعيات في الشعر والنّقد«. والناظر في شعر الشاعر يعثر على كثير من الجمال الذي يستأصل بوار القلب والوجدان أما مقالاته فمكثفة وسلسة وتذهب مباشرة إلى مقاصدها دون لفّ أو مداورة وهو ما يعطيها تميّزا وخصوصيّة نادرة في كتاباتنا الأدبيّة التونسية والعربية. هذا المجلس الأدبيّ الأوّل الذي يصرّ مدير المركز الثقافيّ الدولي بالحمامات الفنان الاسعد بن عبد الله على الاستمرار فيه واستضافة نخبة من الادباء التونسيين لمحاورتهم والتعريف بهم، وقبل أن نمْضي لكم ومضة من »حالات الرّجل الغائم«: أحبيني.../ أحبّيني.. / ستأتي الريحُ والطّرُقاتْ / وتأْتي، في المساء، موائدُ الأقْمارِ / يأْتي البحْرُ والصّدفاتْ أحبّيني.. / أنا ليْلٌ بلا امرأةٍ / ولا شُرفَاتْ قبل أن أمْضي على الأصحّ أرجو من المشرفين على المجلس الثّقافي إسناده بالدّعاية والقنوات الاعلاميّة الحديثة للاستجلاب جمهور يتابع الفعاليات ويثري الجدل الثقافي البنّاء في نشاط نخبويّ للجميع كما يصطلح المخرج فاضل الجعايبي على مسرحه.