تشهد الأنظمة الاساسية للصناديق الاجتماعية أختلالا في التوازنات المالية، تقلص الموارد وتزايد النفقات وتحميل هذا العبء للأجراء بواسطة الاشتراكات الاجتماعية أو المساهمات المباشرة، اضافة الى ذلك فبعض خدمات الصناديق الاجتماعية شهدت جمودا لأكثر من 20 سنة مثل المنح العائلية ومنحة الأجر الوحيد ويعزى هذا الامر الى ثقل الجرايات في صندوق »ت . ج . إ« وانخرام التوازن بين النشطاء والتقاعد، وعليه أصبح حسب (إحصاء 2003) 4 مباشرين يموّلون جراية متقاعد واحد في القطاع العام و 5 مباشرين ونصف لتمويل جراية متقاعد واحد في القطاع الخاص، وربما سينقص هذا التمويل للجراية ليصبح 2 مباشرين يتولان مباشرا واحدا. لهذا تطرح الأسئلة التالية: 1 كيف سيتم تمويل أنظمة الضمان الاجتماعي؟ 2 كيف تعدل استقرار التوازنات المالية في الصناديق؟ 3 كيف نضمن ديمومة إسداء الخدمات؟ وقبل الاجابة عن هذه الأسئلة أرى من الضروري الحديث عن تاريخية الصناديق الاجتماعية لفهم واقعها اليوم واستشراف غدها. I تاريخ الصناديق الاجتماعية في تونس: لقد مرت الصناديق الاجتماعية بفترتين أساسيتين: 1 الأولى من الستينات الى أواسط الثمانينات (1960 الى 1985). لقد شهدت الصناديق الاجتماعية في هذه الفترة فوائض مالية نتيجة تصاعد موارد الصناديق على حساب نسق تصاعد نفقاتها. وهذا راجع للأسباب التالية: أ تسارع نسق إحداث مواطن الشغل الأجيرة في الادارات والمؤسسات العمومية التي تكون أجورها مرتفعة. ب تحسين أجور العمال في القطاعين بسبب رخاء المالية العمومية نتيجة الريع البترولي الوفير الذي استفادت منه الدولة. ج صغر سن جلّ المنخرطين بهذه الصناديق مما جعل النفقات موجهة أساسا لتأمين المرض أو لجراية التقاعد. 2 الثانية من منتصف الثمانينات الى اليوم (1986 الى 2010). وهي فترة وصول الصناديق الاجتماعية الى مستوى العجز المالي وذلك بسبب ما عرف ب »برنامج الاصلاح الهيكلي« الذي دعا الى: أ تقليص حماية السوق المحلية أمام السلع والخدمات الأجنبية. ب تراجع القطاع العام أمام القطاع الخاص. ج تحجيم مهام الدولة التعديلية (اقتصاديا واجتماعيا). وتم تكريس هذا البرنامج في أواسط التسعينات (1995) على إثر انضمام تونس الى منظمة التجارة العالمية وإبرام الاتفاق »اتفاقية تبادل حرّ مع الاتحاد الأوروبي« وهو ما زاد الطين بلة وأدى الى: 1 تراخي نسق الاستثمارات المحلية (خوف الخواص). 2 تباطؤ نسق إحداث مواطن الشغل الاضافية وبالتالي نسق نموّ حجم الأجور (قاعدة خصم الاشتراكات لصالح الصناديق). 3 تباطؤ تحيين الأجور. 4 تفشي أنماط التشغيل الهشة (أجورها هزيلة) أدى الى تباطؤ نسق نموّ موارد الصناديق. 5 تعرض المؤسسات المحلية لصعوبات اقتصادية لعجزها على المنافسة. 6 انهيار سعر الفائدة على السوق المالية. 7 تقلص وزن المؤسسات العمومية في النسيج الاقتصادي لصالح المؤسسات الخاصة. 8 عملية تطهير المؤسسات العمومية (طرد تقاعد مبكر). 9 تقلص الأداءات على مرابيح المؤسسات الاقتصادية. 10 تقلص الأداءات على التوريد. 11 إعفاء الزيادات العامة سنة 1981 1982 في الأجور من الاشتراكات في الصناديق الاجتماعية تملقا للأعراف وللعمال على السواء وهي زيادات لم تدمج الا بعد 10 سنوات في الاجور المصرح بها (1990) وكان لهذا الامر وقع كارثي. 12 إرهاق كاهل الدولة بالديون. الأمر الآخر الذي زاد من الوقع الكارثي هو: تخلص الدولة من النفقات التقليدية وتحميلها للصناديق الاجتماعية عبر: 1 إرساء أنظمة ضمان اجتماعي اضافية تغطي الفئات الاجتماعية الفقيرة كالفلاحين الصغار والأجراء غير القارين في الفلاحة (عمل موسمي) التي يكون دخلها ضعيفا. 2 تمويل بعض صناديق التكافل الاجتماعي مثل »البرنامج الوطني لمساعدة العائلات المعوزة أي مساعدة الفقراء للفقراء. 3 غضّ الطرف عن الأعراف الذين لم يفُوا بالتزاماتهم إزاء صناديق الضمان الاجتماعي. ولقد حاولت هذه الصناديق الخروج من عجزها كعجز »ص . و . ت . ح« ا« سنة 1993 حين جوبه الأمر ب : 1 الرفع في نسبة الاشتراكات. 2 الحدّ من حالات التقاعد المبكر. لكن سرعان ما تدهور الوضع المالي سنة 1998 وكانت سنة 2000 / 2002 عنوانا لعجز في نظامي التقاعد والحيطة الاجتماعية بسبب ارتفاع في حجم المنافع المسداة وعدم مواكبة تطور حجم المساهمات رغم أن الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (ص . و . ض . ا) شهد ظاهريا تحسنا ماليا نتيجة هذه الاسباب: 1 تراجع ظاهرة الإنجاب وتقلص عدد الاطفال بالأسر. 2 واكبه تجميد في قيمة المنحة عن كل طفل. 3 إدماج الزيادات الهامة في الأجور (1981 / 1982) في الاجور المصرح بها للصندوق (1990) وهو ما أدى الى توسيع قاعدة خصم الاشتراكات. 4 ضمّ نظام حوادث الشغل والامراض المهنية الى الصندوق بعدما كان تابعا لشركات التأمين. 5 جعل نظام العملة غير الاجراء في القطاع الفلاحي إجباري ورفع معلوم الاشتراكات فيها مما أدى الى توفير موارد اضافية. 6 إرساء »نظام الحماية الاجتماعية للعمال« كمساندة للعمال المسرّحين لأسباب اقتصادية وتقنية. II الحلول المقترحة والقابلة للتعديل: 1 تحيين الأجور تحيينا معقولا لا تحيينا بطيئا أو تجميد الأجور لأهمية ذلك على الصناديق والدورة الاقتصادية فالزيادة في الأجور أمر طبيعي للدولة لأن تجميدها يضر بالصناديق والأجراء. 2 التصدي لأنماط التشغيل الهشة: تشغيل لمدة محدودة / مناولة. 3 التصريح بالأجر الحقيقي من طرف الأعراف والعمال. 4 عدول الدولة عن الإعفاءات من اشتراكات الضمان الاجتماعي. 5 مراجعة نظام الخطايا في القطاعين مع مراعاة مبدإ الإنصاف عند الاستخلاص. 6 مراجعة الدولة للسياسة الجبائية حتى لا تجبر الصناديق على تحمّل القسط المتصاعد من النفقات العمومية (صحة، تعليم...). 7 التخلي عن الإعفاءات من الضريبة لشركات التصدير والضرائب الجزافية. 8 التصدي لظاهرة التقاعد المبكر لأن جلّ المتقاعدين مبكرا لا يتخلون عن العمل فيحرمون غيرهم من العمل ولا يصرحون بأجورهم الجديدة أو مداخيلهم وبالتالي لا موارد جديدة للصناديق. 9 عدم الخلط بين الضمان الاجتماعي والتضامن الاجتماعي، فالضمان الاجتماعي هو تكافل بين فئات اجتماعية متشابهة وادخار لزمن الشدّة (مرض، بطالة، شيخوخة، ووفاة) والتضامن الاجتماعي هو تكافل بين فئات اجتماعية متباعدة والدولة هي الوحيدة القادرة على تكريس هذا التكافل لكونها قادرة على الأخذ من الأغنياء عكس الصناديق. 10 التمديد في سن التقاعد يكون اختياريا ممّا يوفر جرايات تقاعد كان من الممكن دفعها. 11 توسيع مجال التخفيض في سن التقاعد الى 55 سنة للعاملين في نشاطات مرهقة وغير صحية. 12 مراجعة الأنشطة المرهقة وغير الصحية لأنه في هذه الحالة سنوفر موطن شغل جديد وبالتالي موردا ماليا جديدا للصناديق لأن الذين هم في حالة صحية سيئة لا يمكن لهم العمل في الخفاء. 13 الحل الجذري: خلق مواطن شغل جديدة لتوفير مساهمات جديدة واضافية للصناديق. 14 تمويل الدولة للصناديق عن طريق الضريبة. 15 تحمّل الدولة لمسؤولياتها تجاه الشرائح الاجتماعية غير المنخرطة في الصناديق.