ذهاب نهائي ابطال افريقيا.. التشكيلة الاساسية للترجي والاهلي    قريبا: اقتناء 18 عربة قطار جديدة لشبكة تونس البحرية    عاجل/ ضبط 6 عناصر تكفيرية مفتّش عنهم في 4 ولايات    منوبة: الاحتفاظ بصاحب كشك ومزوّده من أجل بيع حلوى تسبّبت في تسمم 11 تلميذا    مديرو بنوك تونسية يعربون عن استعدادهم للمساهمة في تمويل المبادرات التعليمية في تونس    النجم الساحلي يمرّ بصعوبة الى الدور ربع النهائي    اتحاد الفلاحين: ''أسعار أضاحي العيد تُعتبر معقولة''    الهيئة الإدارية للاتحاد الجهوي للشغل بصفاقس تدعو إلى عقد مجلس وطني للمنظمة خلال سبتمبر القادم    الوطن القبلي.. صابة الحبوب تقدر ب 685 ألف قنطار    قريبا.. الحلويات الشعبية بأسعار اقل    تسمّم تلاميذ بالحلوى: الإحتفاظ ببائع فواكه جافّة    افتتاح معرض «تونس الأعماق» للفنان عزالدين البراري...لوحات عن المشاهد والأحياء التونسية والعادات والمناسبات    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    مصر: رفع اسم أبوتريكة من قائمات الإرهاب والمنع من السفر    شبهات فساد: الاحتفاظ بمعتمد وموظف سابق بالستاغ وإطار بنكي في الكاف    سبيطلة : القبض على مجرمين خطيرين    عاجل : مسيرة للمطالبة بإيجاد حلول نهائية للمهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء    المهرجان الدولي للمشمش بحاجب العيون في دورته الثانية ...مسابقات وندوات وعروض فروسية وفنون شعبية    قراءة في أعمال ومحامل تشكيلية على هامش معرض «عوالم فنون» بصالون الرواق .. لوحات من ارهاصات الروح وفنطازيا الأنامل الساخنة    قابس: نقل 15 من تلاميذ المدرسة الاعدادية ابن رشد بغنوش بعد شعورهم بالاختناق والإغماء    محيط قرقنة مستقبل المرسى (0 2) قرقنة تغادر و«القناوية» باقتدار    فقدان 23 تونسيا شاركو في عملية ''حرقة ''    كرة اليد: الاصابة تحرم النادي الإفريقي من خدمات ركائز الفريق في مواجهة مكارم المهدية    صفاقس اليوم بيع تذاكر لقاء كأس تونس بين ساقية الداير والبنزرتي    عاجل/ القصرين: توقف الدروس بهذا المعهد بعد طعن موظّف بسكّين امام المؤسسة    تحذير: عواصف شمسية قوية قد تضرب الأرض قريبا    المنستير: إحداث أوّل شركة أهليّة محليّة لتنمية الصناعات التقليدية بالجهة في الساحلين    وزارة الصناعة : ضرورة النهوض بالتكنولوجيات المبتكرة لتنويع المزيج الطاقي    مدير عام الغابات: إستراتيجيتنا متكاملة للتّوقي من الحرائق    بنزرت: جلسة عمل حول الاستعدادات للامتحانات الوطنية بأوتيك    تضم منظمات وجمعيات: نحو تأسيس 'جبهة للدفاع عن الديمقراطية' في تونس    الحماية المدنية: 8 وفيّات و 411 مصاب خلال ال 24 ساعة الفارطة    ليبيا: إختفاء نائب بالبرلمان.. والسلطات تحقّق    هذه القنوات التي ستبث مباراة الترجي الرياضي التونسي و الأهلي المصري    والدان يرميان أبنائهما في الشارع!!    ضمّت 7 تونسيين: قائمة ال101 الأكثر تأثيرا في السينما العربية في 2023    طقس اليوم: أمطار و الحرارة تصل إلى 41 درجة    ألمانيا: إجلاء المئات في الجنوب الغربي بسبب الفيضانات (فيديو)    قانون الشيك دون رصيد: رئيس الدولة يتّخذ قرارا هاما    إنقاذ طفل من والدته بعد ان كانت تعتزم تخديره لاستخراج أعضاءه وبيعها!!    جرجيس: العثور على سلاح "كلاشنيكوف" وذخيرة بغابة زياتين    5 أعشاب تعمل على تنشيط الدورة الدموية وتجنّب تجلّط الدم    مدرب الاهلي المصري: الترجي تطور كثيرا وننتظر مباراة مثيرة في ظل تقارب مستوى الفريقين    الكاف: انطلاق فعاليات الدورة 34 لمهرجان ميو السنوي    منوبة: إصدار بطاقتي إيداع في حق صاحب مجزرة ومساعده من أجل مخالفة التراتيب الصحية    كاس تونس لكرة القدم - نتائج الدفعة الاولى لمباريات الدور ثمن النهائي    وزير الصحة يؤكد على ضرورة تشجيع اللجوء الى الادوية الجنيسة لتمكين المرضى من النفاذ الى الادوية المبتكرة    نحو 20 بالمائة من المصابين بمرض ارتفاع ضغط الدم يمكنهم العلاج دون الحاجة الى أدوية    تضمّنت 7 تونسيين: قائمة ال101 الأكثر تأثيرًا في صناعة السينما العربية    معلم تاريخي يتحول إلى وكر للمنحرفين ما القصة ؟    غدا..دخول المتاحف سيكون مجانا..    البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية يدعم انتاج الطاقة الشمسية في تونس    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    التحدي القاتل.. رقاقة بطاطا حارة تقتل مراهقاً أميركياً    منها الشيا والبطيخ.. 5 بذور للتغلب على حرارة الطقس والوزن الزائد    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تجارب يتيمة... أو بوادر مدارس سينمائية
السينما في تونس (8) الافلام التونسية لنفتح الملف مائة فيلم في 54 سنة و 50 مخرجا لا تؤسس لسينما وطنية
نشر في الشعب يوم 04 - 12 - 2010

100 فيلم في 54 سنة أي بمعدل فيلمين في السنة أنجزها حوالي 50 مخرجا أي بمعدل فيلمين لكل مخرج.
انتاج ضعيف لا يعدو ان يكون مجرّد تجارب لأنه من غير المعقول أو الممكن ان نقيّم انتاج مخرج انطلاقا من فيلم يتيم.
وقد قيل والقول باق في صحته بأن كل مخرج تونسي يمثل تيارا منفردا وان البحث عن مدارس من قبيل العبث أو «ليّ عنكوش التحليل» غير أننا لو تمعنا في مجموع الافلام التونسية سنكتشف بعض الخطوط العريضة التي تجمع بين فيلم وفيلم وبين مخرج ومخرج وقد حاول من سبقنا في التحليل وان كان ذلك مبكرا اي عندما كانت السينما التونسية لا تعد اكثر من 20 فيلما البحث عن تيارات.
تصنيفات عدة... بلا جدوى
بدأها الناقد الفرنسي غي هينبال (Guy Henneble) حيث اقترح (مجلة افريقيا الادبية والفنية عام 1972).
إن قسم الافلام التونسية ووقتها بلغ عددها 10 الى أفلام «شعبية أو شعبوية وأفلام «ثقافية» أو «ثقافتية» وهذا التصنيف بسيط وساذج فالسينما هي أساسا فن شعبي واي مخرج هو مثقف يصبو الى الاصداع بموقفه انطلاقا من جذوره الثقافية... وقام بعده «فريد بوغدير» الذي كاد ان يكون الناقد الوحيد في تونس عام 1974 في مقال بمجلة «سينما كبيك» (عدد 9 أوت 1974) وفي مجلة «سينما أكسيون» الخاصة بالسينما بالمغرب العربي (عدد 14 ربيع 1981) قد صنف الافلام التونسية الى أربع مجموعات:
الافلام الملتزمة التي يقوم فيها المخرج باتخاذ موقف واضح من الواقع الاجتماعي الحالي.
السينما الثقافية التي يقدم فيها المخرج شهادات عن حضارة بلده حتى يعيد لها مجدها في وضع مجتمعي ما بعد الاستعمار.
سينما تجارية هدفها الربح عندما تقدم مواضيع في شكل حكايات ترفيهية ومتنفسية.
سينما تعبير ذاتي يقدم فيها المخرج اختلاجاته وأحاسيسه كفنان يعبر عن ذاته ولذاته هذا سنة 1978 عندما كان الانتاج قد بلغ 22 فيلما... من الفجر الى العرس.
أما حاتم الجعايبي الذي قام بإعداد أطروحة عن السينما يصنف الافلام التونسية حسب منابع أربعة:
الأفلام المنحدرة من الميلودراما المصرية (أم عباس أم تراكي).
الافلام التي تمثل ملاحم تاريخية اجتماعية (أفلام عمار الخليفي)
الافلام اللاهثة وراء جمالية مزيفة يسرا
الافلام التدخل والتغيير الاجتماعي وقد افتتحها فيلم وغدا...
أما صوفية الڤلي فقد قامت بالتصنيف التالي في كتيب لم يطبع من انتاج الوزارة وهو مرجع مهم فقد صنفت الافلام التونسية بما فيها.
أفلام مواضيعها الحقبة الاستعماية
أفلام التفكك الثقافي
الميلودراما
أفلام مواضيعها المرأة
أفلام الحركة
ولما ألف الناقد والاستاذ فيكتور باشي (Victor Bachy) كتابة الفيلم السينما في تونس، صنف هو كذلك السينما التونسية وذلك عام 1977 الى:
أفلام لا تتناول التاريخ والسياسة
أفلام تنطلق من التاريخ المعاصر وذات علاقة بالوعي بالحاضر
أفلام الواقع الحالي والمستقبل، على المستويين السياسي والاجتماعي.
أما الطاهر الشيخاوي فيصنف الافلام في دراسته القديمة الصادرة عن كتاب (ظواهر حضارية في تونس القرن العشرين بإشراف عبد المجيد الشرفي عن كلية الآداب بمنوبة 1996) فهو يصنف الافلام التونسية الى عشريات منطلقا في كل عشرية من فيلم رمز
الستينيات: خليفة الاقرع
السبعينيات: سفيان والعرس
الثمانينيات: ريح السيد
واليوم وأمامنا 100 فيلما فإن اي تصنيف يبدو اعتباطيا وينطبق عليه ما قاله في عام 1974 التيجاني زليلة في حديث الى فكتور باشي: «الانتاج السينمائي التونسي شديد التعقيد فهو متعدد الاتجاهات والتجارب حتى نستطيع القيام بتقديم مدارس وكل فيلم يكاد ان يكون مدرسة لحدّ ذاته...».
وكل هذا يؤدي الى جملة قالها المرحوم حمادي الصيد:
«لنتفق معا: لا وجود لسينما تونسية بل هناك مخرجون تونسيون» (مجلة ديالوغ عدد 60 27 / 10 / 1975).
مقاربة... أخرى بحثا عن مناهج:
اعتاد المؤرخون للثقافة وخاصة الادب تصنيف المدارس الأدبية التي عشريات : الستينيات والسبعينيات والثمانينيات... هذا كذلك منهج اعتباطي فلا تولد مدرسة كل غرة جانفي من عشرية جديدة بل الاعمال تتداخل... وقد نصنف الاعمال الى مدارس حسب ما يسمى عند الموثقين بالتصنيف العشري، أي حسب مواضيعها وهنا نكتشف ان السينما التونسية لم تترك موضوعا لم تتطرق له على قلة الانتاج.
فتقسيم الموروث السينمائي التونسي الى أجيال هو كذلك عمل طوباوي واعتباطي والتصنيف حسب المواضيع هو الاقرب للواقع.
لكن لو رجعنا الى مدارس تاريخ العقليات وهي مدرسة جديدة في متناول التاريخ وخاصة منه الثقافي أو ما يسمى بمدرسة الحوليات نسبة لمجلة (Les Annales de l'histoire) الصادرة عن المعهد العالي للعلوم الاجتماعية بباريس التي أسسها «لوسيان قوبر» و «مار بلوك» وهي مرجع في دراسة التاريخ اعتمادا على الواقع الاجتماعي والثقافي والانتروبولوجي عكس مدارس التاريخ التي تعتمد على القاتل والمقتول وتواتر الاحداث حسب بروز الملوك والسلاطين أو حسب مفهوم الغازي والمغزو والغالب والمغلوب.
وان كانت مقاربتنا تبدو طوباوية فان الانسان، كما قيل «لا يقدر على ممارسة الحياة دون عقاب الا بالاعتماد على الحلم والطوباوية».
واذا القينا نظرة شمولية على المائة فيلم التونسية فلابد من وضع كل فيلم في واقعه السياسي والاقتصادي والاجتماعي ولا يمكن تقسيم الافلام التونسية حسب العشريات بل حسب محطات سياسية واجتماعية وأحداث.
فأول فيلم انتج في تونس كان عام 1966 وما أدراك من عام 1966 الذي تلى 1964 (الجلاء الزراعي) الذي أتى هو كذلك يعيد ما سمي انقلاب 1962 ومنع كل التيارات السياسية وترسيخ الحزب الواحد والبورقيبية وكذلك بروز مفهوم الاشتراكية «البنصالحية» في اخراج أول فيلم تونسي لم يكن مرتبطا لا بسوق أو بتاريخ بل هو نتيجة بعث مخابر قمرت التي شيدت لتصوير الاحداث المصورة وتلميع صورة الرئيس / الزعيم، فبروز «الفجر» وهو يتناول حركة التحرير التي هي في ذهن الناس في ذلك الزمن هي ملحمة بورقيبية المجاهد الأكبر في قراءة سادية للتاريخ بطمس كل المتدخلين في تلك الحركة من شيوعيين وقوميين (صالح بن يوسف) وخاصة دور الاتحاد العام التونسي للشغل الذي غيّب حتى أدى الى سجن زعيمه وقتئذ الحبيب عاشور فيأتي بعد ذلك وكردّة فعل قوية بفيلمين: «خليفة الأقرع» لحمودة بن حليمة و «حكاية بسيطة» لعبد اللطيف بن عمار وقراءة متأنية في فحوى الفلمين واسلوبيتهما نكتشف ان حركية الفيلمين من حيث الموضوع والجمالية واللغة والنسق ومعهما فهم «المختار» للصادق بن عائشة: هي ردة فعل ضد قراءة مبسطة للتاريخ وسذاجة في التناول وغياب اي قواعد اللغة السينمائية وثلاثتها مخرجون تخرجوا توًا من معهد واحد: «المعهد العالي للدراسات السينمائية» (IDHE C).
حمودة بن حليمة قسم الاخراج، وعبد اللطيف بن عمارقسم التصوير والصادق بن عائشة قسم المونتاج.
فأتى «خليفة الأقرع» جميلا وصادقا وبسيطا يرمي جذوره في الواقعية الجديدة الايطالية اعتمادا على رواية جميلة بنفس العنوان للكاتب الكبير البشير خريّف وهنا يبدو حمودة بن حليمة وكأنه يشير لزملائه الى أن الادب التونسي يزخر بالمواضيع الجميلة وهو ما أعاد به الكرّة في فيلم في بلاد الطرنين وهنا سنكتشف مجموعة من الافلام التي تبدو متميزة لا لجودتها بل لأنها انطلقت من اعمال أدبية أفلام الاقتباس وهو تيار أول حتى وان انتمت الافلام الى عشريات مختلفة وهي:
خليفة الأقرع حمودة بن حليمة (1968)
الفلاڤة عمر الخليفي عن رواية لعبد الرحمان عمارة (1972)
وغدا ... وليلة السنوات العشر (1990) لابراهيم باباي (عن ونصيبي من الافق لعبد القادر بن الشيخ ونفس الرواية لمحمد صالح الجابري)
في بلاد الطرانني حمودة بن حليمة الهادي بن خليفة وفريد بوغدير عن علي الدوعاجي.
برق الليل (1990) والرديف 54 (1997) وهي اقتباسات، الاولى عن رواية لبشير خريف والثانية عن «يوم من ايام زمرة» لمحمد الصالح الجابري وهي تجربة أتت مسخا للروايتين في أبشع اقتباس عرفته السينما التونسية بل السينما العربية.
مجنون ليلى (1990) للطيب الوحيشي وهو اقتباس لقراءة جديدة لقصة مجنون ليلى أعاد كتابتها المستشرق الفرنسي «أندري ميكال».
كلمة رجال 2004 لمعز كمون عن رواية بروموسبور لحسن بن عثمان ويمكن ضم فيلمين مقتبسين عن مسرحيتين وهما:
العرس (1978) المسرح الجديد
جنون (2006) فاميليا
واقتباس متشنج وسريع لمسرحية وقع عليها خلاف بين المنصف ذويب والامين النهدي وهو فيلم:
التلفزة جاية (2006) لمنصف ذويب الذي يحق عليه القول بأنه «لا فيلم».
الأفلام الانطباعية
منذ فيلم «حكاية بسيطة» لعبد الطيف بن عمار سيفرز تيار انطباعي مبني على التحليل الاجتماعي والنفسي لشخصيات تنتمي جلها الى عالم المثقف والمدينة ولا يأبه الا للطبقات الشعبية وانما هي أساسا انعكاسا لتناقضات المخرج ومشاكله الشخصية أتت وكأنها تنتمي الى تيار بما يسمى اليوم في الادب «الروائية الذاتية».
(autofiction) وهي ليست بالسيرة الذاتية وتلاها أفلام:
فاطمة 75 عارضة الازياء عزيزة الملائكة السامة الذاكرة الموسوعة ريح السد صفائح الذهب الزازوات صمت القصور صيف حلق الوادي عصفور السطح حلوّ ومرّ حب محرم الستار الأحمر موسم الرجال نغم الناعورة الكنيسة الحرمة قرصان بدوي صندوق عجب الامير باب العرش الخشخاش اللمبارة بين الوديان عرس الذيب سفرة يا محلاها شطر محبة الكسوة الدواحة أخر ديسمبر، وهي كلها افلام تنطلق من:
رسم لوحة اجتماعية يتوسطها شخصيات اما ضائعة وتائهة اما هامشية او طوبوية، خلفيتها جمالية بسيطة مبنية على المدينة القديمة أو ريف غريب ومواضيعها تتأرجح بين الاجتماعي والاقتصادي لكنها صالحة لكل مكان وزمان، تطفو على سطحها مسحة من التردد والفأفأة والحشرجة وهي مادة هائلة لدراسة تطور نظرة السينما للمجتمع ولتاريخ العقليات في العشريات الخمس الماضية.
أفلام الأختراق...
في كل عشرية يأتي فيلم أو فلمين نسميها أفلام الاختراق وهي التي تحاول ان تحطم الكليشيهات والمسلمات الثابتة وهي في الحقيقة أفلام، كل على طريقته، أحدث ضجة وطفرة نوعية في طريق معالجة المواضيع وعلى المستوى الفني واللغة السينمائية (1972).
أولها وغدا... الذي فتح باب المدرسة الاجتماعية اذ تناول موضوع النزوح وآلام القرية المنسية، ثم سجنان (1974) وهو منعرج من حيث جماليته وفي طريقة معالجته لقراءة تاريخ النضال في الحركة النقابية او العمالية ويتزامن مع سنوات الجمر حيث المحاكم والقمع في الجامعة.
وفي عام 1982 سيأتي محمود بن محمود بفيلم هزّ الجمهور والنقاد وأثار جدلا كبيرا إذ اتهم بعدم «تونسيته» في حين انه فيلم كوني انساني بطلاه تونسي وبلوني لغته جديدة وطريقة المعالجة عصرية لا يختلف على اي فيلم من اخراج مخرج عالمي فكانت القفزة الاولى التي برزت في آخر السبعينيات، تلك العشرية التي يسميها فريد بوغدير عشرية حمادي الصيد حيث كانت الافلام في غالبيتها تنتج من طرف الشركة الوطنية وقد برز في تلك العشرية مخرجون جدد أمثال فريد بوغدير الناصر الكتاري سلمي بكار رضا الباهي محمد علي العقبي عبد الحفيظ بوعصيدة.
والفيلم الثاني في الثمانينيات الذي ينتمي الى مدرسة التجاوز هو بلا منازع فيلم «ريح السد» 1986 للنوري بوزيد الذي هزّ النقاد على المستوى الوطني والعالمي وبشر بخلق منتج حقيقي في شخص أحمد بهاء الدين عطية فقد حطّم النوري بوزيد عدة «طابوهات» منها الاغتصاب والشذوذ الجنسي، وتهميش اليهود بلغة جديدة مقنعة أدت الى خلق اعادة اللحمة بين الجمهور التونسي والسينما التونسية وأردفه بفيلم هام هو «صفائح ذهب» أول فيلم تناول قضية اليسار والتعذيب بأسلوب مختلف عن الافلام المصرية التي تناولت نفس الموضوع مثل زائر الفجر والكرنك وبسرعة تحول النوري بوزيد الى رأس حربة وصاحب مدرسة، في نفس السنة ستصور مخرجة تونسية فيلما رائعا عاش العديد من المشاكل اذ بقي في العلب مدة عشر سنوات وهو فيلم «السامة» للمخرجة ناجية بن مبروك وقد تختلف عمّن هي أول امرأة مخرجة تونسية وسلمى بكار أو ناجية بن مبروك فإن الاسنتتاج في الثمانينيات وفي افلام الاختراق سنكتشف ان ثلاثتهم ينتمون الى المدرسة البلجيكية فحمود بن محمود والنوري بوزيد وناجية بن مبروك من خريجي «المعهد الوطني العالي للفنون المشهدية» (INSAS) وهذا غير غريب فقد تميز ذلك المعهد بجدية في التكوين والتدريس والتمشي على أيدي محترفين كبار وقد ساهم كل من تخرج من تلك المدرسة في تطوير السينما التونسية ونذكر منهم منير بوعزيز والاخوة ثابت والمرحوم مصطفى الكوكي.
سينما المرأة والمرأة في السينما
كل الافلام التونسية تناولت قضية المرأة وهل المرأة قضية أساسا؟
لقد تناولنا هذا الموضوع بعمق في كتاب كامل خصصناه «للسينما والمرأة» وهو تحت الترجمة
(Silence elles tournent) (ارجع الى غوغل)... غير ان المرأة في السينما التونسية تختلف اختلافا كبيرا كموضوع اساسي للفيلم اذ وقع تناولها من طرف مخرجين رجال او مخرجين نساء فالافلام التي تتناول موضوع المرأة اساسا عديدة وهي:
خليفة الأقرع (1968) الهجّالة حكاية بسيطة (1968) الزواج المختلط والطلاق أم عباس وأمي تراكي (1974) الفولكلور والشعبوية أطفال القلق (1976) التنظيم العائلي فاطمة 75 (1975) نضال المرأة وبسط شرعية حريتها عارضة الأزياء (1977) الجسرة ظل الأرض 1980 المرأة البدوية المهمشة السامة (1986) جرح المرأة العميق رقية (1990) ضياع المرأة والنية صمت القصور (1994) وموسم الرجال (2002) المسكوت عنه والمدفون حبيبة مسيكة (1995) قدر المرأة الفنانة الحرة كسوة (1996) نية المرأة في التحول الاجتماعي الستار الاحمر (2001) والدواحة (2009) انقلاب (2003) المرأة من واقعها فاطمة وخشخاش (2006) فقدان العذرية والجنون شطر محبة (2008) المرأة والأرث.
ونقف هنا حتى لا نذكر الافلام التونسية المائة.
الجمالية المفرطة...
هذا تيار يبحث عن جمالية واستيتيقيا متفردة... وعلى رأسها المخرج الفنان المبدع الناصر خمير بأفلامه الثلاثة الهائمون (1984)، وطوق الحمامة المفقود (1990) وبابا عزيز (2006) وهي أفلام على درجة رفيعة من الجمالية في ديكورات متميزة وتصوير عجيب غير أنني مع العديد من الزملاء لا ننخرط في مواضيع هذه السينما التي تبحث عن شخصية في ماض صباحي أصله ألف ليلة وليلة وضياع الاندلس وصوفية ساذجة وهو ما يحبذه الغرب بحثا عن غرابية مفرطة كما هو الامر للرسم على الزجاج والرسوم الساذجة... غير انها افلام ذات قيمة جمالية راقية والجمالية الأخرى ستجدها في جلّ افلام عبد اللطيف بن عمار وهو غير غريب عن مخرج أصله مدير تصوير ويا سلطان المدينة دون نتيجة وجنون وذلك من ناحية الزوايا والديكور و «ثلاثون» الذي أفرط في البحث عن استيتيقيا وجمالية بسيطة في اخر ديسمبر (2010) عند ما خرج معز كمون الى تكرونة، هذا الى جانب فيلم «سراب» (1980) الذي أبى وكأنه شعرة في العجين حيث توخى اسلوب الافلام التاريخية الساذجة.
أفلام الصدمة الاجتماعية
من حين لآخر يبرز فيلما في شكل صدمة اجتماعية وأولها شمس الضباع (1976) لرضا الباهي الذي تناول موضوع السياحة من زاوية واضحة ومنددة بما أدى الى منعه سنوات.
ويليه السامة (1986) وريح السد (1981) والسيدة (1996) وصفائح الذهب (1989) وصمت القصور (1994) وعرس الذيب (2006) وكحلوشة (2006) وهذه الافلام التي أتت وكأنها تفتح جروحا جديدة لاقت أقبالا من الجمهور والنقاد واعتبرت قفزات نوعية في جرأة معالجة مواضيع تكاد تكون محظورة غير أننا سنشهد ذلك الحس في العديد من الافلام الاخرى.
٭ ٭ ٭
الافلام الاولى التي لم نذكرها هي في خانة التجارب والبحث عن منهج وأسلوب وموضوع وكلها تشكو مما نسميه «مرض الفيلم الأول» حيث يشعر المخرج وكأنه سيصور فيلما واحدا في الحياة لمن يعدّ دكتوراه فهو يحشر في الفيلم الواحد افلاما عديدة ومن هنا يأتي التفكك والمتمعن في الانتاج السينمائي التونسي يجد أن المخرجين المتماسكين هم الذين أخرجوا أكثر من فيلم الا علي العبيدي وكأنه أخرج أربعة لا أفلام وهم:
النوري بوزيد الذي تميز بأسلوبه
محمود بن محمود والذي لا نقاش في تملكه لغة سينمائية متميزة
عبد اللطيف بن عمار الذي لم يحد عن أسلوبه ومواضيعه
مفيدة التلاتي التي تفردت في معالجتها
والى درجة اخرى فريد بوغدير الذي استقال من الاخراج ومعه الناصر الكتاري.
أما الباقين فهم يبحثون عن انتماء الى مدرسة (لمعرفة مخرجي الافلام المذكورة الرجاء الرجوع الى الشعب عدد 1092 ص 22 18/9/2010).
هذه القراءة في المدوّنة السينمائية التونسية هي قراءة شخصية وأردناها نظرة بانورامية غير ان المساحة لا تمكن من التعمق في تحليل المدوّنة السينمائية التونسية وذلك نتركه الى البحوث والأطروحات والتي ستقدمها في فصل قادم لنكتشف مدى دراسة السينما التونسية لدى النقاد والمؤرخين والباحثين الجامعيين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.