رئيس الجمهورية يتبادل تهاني العيد مع كل من المنفي والدبيبة    هكذا عايدت المقاومة أمة المقاومة: "نذهب إلى القتال كما نذهب إلى الصلاة"    النجم الساحلي يصدر توضيحًا بخصوص وضعية جاك مبي    بن قردان: ارتفاع عدد الوفيات في صفوف الحجيج إلى 09 حالات    في ظل انتشار التسممات الغذائية في فصل الصيف، مختصة في التغذية تدعو الى اعتماد سلوك غذائي سليم    بن عروس : المراقبة الصحية البيطرية تتلقى خلال أول أيام عيد الأضحى 18اتصالا حول وضعيات صحية للاضاحي    صفاقس : "البازين بالقلاية".. عادة غذائية مقدسة غير أنها مهددة بالإندثار والعلم ينصح بتفاديها لما تسببه من أضرار صحية.    بلدية تونس تضع برنامجا لرفع الفضلات في افضل الظروف وباسرع وقت خلال أيام عيد الاضحى    فرنسا: تصدعات بتحالف اليسار وبلبلة ببيت اليمين التقليدي والحزب الحاكم يعد بتعزيز القدرة الشرائية    ميلوني: إسرائيل وقعت في فخ حماس    مقتل شخصين وإصابة 6 آخرين بإطلاق نار خلال احتفال "بيوم الحرية" في تكساس الأمريكية    عيد الاضحى: اعمال منزلية تستنزف جهود المراة يوم العيد في سبيل "لمة العائلة"    كأس أوروبا 2024 : المنتخب الفرنسي يستهل غدا مشاركته بلقاء النمسا    انس جابر تشارك الاسبوع المقبل في بطولة برلين للتنس    رقم قياسي جديد بالتصفيات الأولمبية الأمريكية للسباحة    وزارة التربية تقرر اتباع خطة إستراتيجية وطنية للقطع مع كل أشكال التشغيل الهش    المنستير: محكمة الاستئناف تقرر سجن شخصين من أجل القتل العمد في قضية جدّت سنة 2017 بالجهة    وزير الشّؤون الدّينية يواكب تصعيد الحجيج التونسيين إلى المشاعر المقدّسة    العلاقات الاندونيسية التونسية جسر تواصل من اجل ثقافة هادفة، محور ندوة بتونس العاصمة    في أول أيام عيد الأضحى.. الحجاج يؤدون آخر مناسك الحج    47 درجة مئوية في الظل.. الأرصاد السعودية تسجل أعلى درجة حرارة بالمشاعر المقدسة    اخصائية في التغذية تؤكد انه لا ضرر من استهلاك ماء الحنفية وتحذر من التصفية العشوائية للمياه    صفاقس : الصوناد لم تكن وفيّة لوعودها يوم العيد    ليبيا: 145 إصابة بسبب الاستخدام الخاطئ لأدوات ذبح الأضاحي في العيد    الاحتفاظ بعون ديوانة معزول بحوزته كمية من الكوكايين    يورو2024.. إشتباكات بين الجماهير الصربية والإنقليزية    فرق التفقد الطبي بكامل الجمهورية تقوم بزيارات ميدانية غير معلنة لعدد من الأقسام الاستعجالية    باكستانية تضع مولودها في جبل عرفات    التلمساني مدربا جديدا لمستقبل سليمان    وزارة الصحة السعودية تصدر بيانا تحذيريا لضيوف الرحمان    الخارجية الأردنية: وفاة 14 حاجا وفقدان 17 آخرين    الصوناد: الرقم الأخضر 80100319 لتلقي التشكيات    بعد ظهر اليوم.. خلايا رعدية مصحوبة بأمطار متفرقة    أول أيام عيد الأضحى.. الحجاج يؤدون طواف الإفاضة    في أول أيام عيد الأضحى.. الحجاج يرمون جمرة العقبة الكبرى    أطباء يحذرون من حقن خسارة الوزن    المهدية: الإحتفاظ بمتحيليدلس وثائق للراغبين في الحصول على عقود عمل بالخارج    الرابطة 1 – الترجي الرياضي بطلا للمرة الثالثة والثلاثين في تاريخه    الطقس هذه الليلة..    بعد وقفة عرفة.. الحجاج يتجهون إلى مزدلفة    المرصد التونسي لحُقوق الإنسان: وفاة 5 حجيج في البقاع المقدسة    جندوبة: السيطرة على حريق نشب بغابة سيدي حمادة    أول إطلالة للأميرة كايت منذ بدء علاجها من السرطان    تشكيلة النادي الصفاقسي في مواجهة النجم الساحلي    إقبال ضعيف على الأضاحي رغم تراجع الاسعار الطفيف بهذه الجهة    المهدية: مؤشرات إيجابية للقطاع السياحي    بنزرت : حجز 1380 لترا من الزيت النباتي المدعم    النقل في الأعياد: بين فرحة العودة للقاء الأهل و شقاء الانتظار    بشرى لمرضى السكري: علماء يبتكرون بديلا للحقن    «لارتيستو»: الفنان محمد السياري ل«الشروق»: الممثل في تونس يعاني ماديا... !    رواق الفنون ببن عروس : «تونس الذاكرة»... في معرض الفنان الفوتوغرافي عمر عبادة حرزالله    المبدعة العربية والمواطنة في ملتقى المبدعات العربيات بسوسة    يحذر منها الأطباء: عادات غذائية سيئة في العيد!    حصيلة منتدى تونس للاستثمار TIF 2024 ...أكثر من 500 مليون أورو لمشاريع البنية التحتية والتربية والمؤسسات الصغرى والمتوسّطة    "عالم العجائب" للفنان التشكيلي حمدة السعيدي : غوص في عالم يمزج بين الواقع والخيال    جامعة تونس المنار ضمن المراتب من 101 الى 200 لأفضل الجامعات في العالم    الدورة الخامسة من مهرجان عمان السينمائي الدولي : مشاركة أربعة أفلام تونسية منها ثلاثة في المسابقة الرسمية    تعيين ربيعة بالفقيرة مكلّفة بتسيير وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الانتفاضة التونسية وتحديات منظومة الاستبداد
نشر في الشعب يوم 22 - 01 - 2011

من كان يتصوّر أن ينهار نظام الرئيس السابق بن علي بهذه السرعة التي فاقت كل التصوّرات؟ لكن الانتفاضة جعلت هذا الأمر ممكنا وقدمت درسا غير مسبوق في الاطاحة بنظام بوليسيّ من اعتى الانظمة السياسية ستصبح هذه الملحمة، التي سطرها الشعب التونسي بدماء شهدائه وإصراره على تحقيق طموحاته في التحرر، مرجعية تاريخية في اساليب التغيير ملحمة كتبها الشعب في اقل من شهر، لكن الانسانية ستحتاج الى وقت طويل لفهمها واستيعابها استطاع الرئيس بن علي مستفيدا من تعقيدات اللحظة الاخيرة ان يغادر البلاد ليلا، وترك وراءه جملة من الاشكالات القانونية والدستورية والتنظيمية تشكل بمجموعها منظومة من الاستبداد.
السؤال المثار الآن بقوّة عند كل المتابعين للوضع في تونس: كيف يمكن تفكيك هذه المنظومة الاستبداديّة؟ ذلك ان الابقاء على هذه المنظومة سيعيد البلاد الى المربع الاول هل من الممكن ان تُدار شؤون البلاد بالوجوه نفسها التي لم تكن فقط جزءا من السلطة التي اصبح بها، بل كانت عناصر اساسية وفاعلة فيها؟ هل من المعقول ان نسند رسالة التحول الديمقراطي الى الذين كانوا من صانعي هذه المنظومة؟
القول ان الحكومة في عهد الرئيس السابق لم يكن لها وجود فعلي، وان رئيس وزرائها كان نظيفا، قول متهافت، من اين جاءت هذه النظافة المزعومة، وهو الذي اشرف على قتل ابناء شعبه من المحتجين على المظالم الاجتماعية والسياسية بالرصاص الحيّ؟ ولو قلنا تجاوزا: ان رئيس الحكومة كان غير قادر على الاعتراض وانه مازال محكوما بالرعب والخوف اللذين عاش في ظلهما طيلة توليه فترة رئاسته للحكومة، فإن معالجته لمشكلات مرحلة ما بعد بن علي كانت معالجة مشبوهة ومدعاة لاكثرمن تساؤل.. لماذا تم الاعتماد على الفصل السادس والخمسين من الدستور الذي يقوم على قاعدة الغياب المؤقت لرئيس الجمهورية؟ لم يكن هذا الخيار مجرد اجتهاد دستوري، لكنه كان الوجه الآخر للسياسة التي أقدم الحزب محاولة إشاعة اجواء احتفالية كاذبة إثر الخطاب الاخير الذي ألقاه رئيس الجمهورية المخلوع وايهام الرأي العام بان الرئيس قد فهم مطالب شعبه وانه كان مخدوعا.
لم تفلح هذه الجهود، التي ساندها، بقوة الاعلام المرئي الرسمي، في تراجع الشعب عن مطالبته برحيل الرئيس، بل نزل في مسيرات ضخمة في كل المدن الاخرى وأجبر الضغط الشعبي الرئيس السابق على المرور الى الخطة الموالية وتتمثل في إشاعة الفوضى بالبلاد وإيجاد حالة من الانفلات الأمني تصبح معها عودة الرئيس المخلوع امرا واردا.. عندما فشلت هذه الخطة بفعل التعاون المثمر، بين لجان الحماية الاحياء من هذه الميليشيات الحزبية والجيش الوطني، اضطر رئيس المجلس الدستوري الى المرور إلى الفصل السابع والخمسين وتسليم رئاسة الجمهورية الى رئيس البرلمان، الذي كلف بدوره رئيس الحكومة »وحدة وطنية«.
ما معنى حكومة وحدة وطنية اذا كانت لا تشمل القوى الحقيقية الممثلة لكل الاحزاب السياسية ذات الثقل الشعبي الفعلي؟ هل مازالت سياسة التخويف من الاسلاميين ناجعة وتجد تأييدا ضمنيا حتى من الاحزاب النظام السابق؟ فلقد ملأت هذه الاحزاب الدنيا صياحا وتظلما لما عانته من إقصاء وتهميش، فما بالها اليوم تقبل بنصف الحلول وتقبل بإقصاء وتهميش غيرها من الاحزاب؟ ما معنى حكومة وطنية اذا كانت منظمة مستثناة منها؟ ما معنى حكومة وحدة وطنية إذا كانت القوى الشبابية المحركة للانتفاضة غائبة عنها؟
اذا كان هرم السلطة يتّجه الان الى إضفاء نوع من الديكور على الجهاز التنفيذي، فإن ذلك سيفرغ الحركة، التي انطلقت انتفاضة وانتهت إلى ثورة، من محتواها الحقيقي ويقتلها في مهدها هناك خشية فعلية من زخمها فتخمد تدريجيا وتصبح غير قادرة على التصدي الفوري للمحافظة على المكاسب التي حققتها.
المحافظة على الانجاز العظيم الذي حققه الشعب التونسي تتطلب وعيا حقيقيا بالصعوبات التي يمكن ان تواجهها عملية التحول الديمقراطي، الصعوبة الاولى تتمثل، بعد رحيل الرئيس بن علي في الحزب الحاكم المسيّرة امنيا بخلق حالة من الفوضى والانفلات الامني، لكن بعد ان تأكد ان نجاجه غير مؤكد على هذا المستوى، يعمل الان على تأمين النجاح في المعركة السياسية، ومن السهل ان يكون له ذلك ما دام الدستور والصلاحيات لرئيس الجمهورية لم يتغيّرا، وكان من المفروض ان يكون هذا هو المطلب الاول للمحتجين بعد ان نجحوا في إسقاط رأس السلطة.
كان من المفروض ان يكون مطلبها الثاني حل المجالس التشريعية كلها: النيابي والدستوري والاستشاري، فليس من الممكن ان تتحول هذه المؤسسات التشريعية، التي أعطت الغطاء القانوني والتشريعي للاستبداد الديمقراطي.
أما حل حزب التجمع الدستوري، الذي احتكر الحياة السياسية ووضع يده على كل المقدرات الاقتصادية للبلاد، فكان من المفروض ان يكون المطلب الثالث للاتفاضة، ماذا تعني انتخابات حرة عندما يدخل الحزب وهو يملك كل المزايا المادية التي حصل عليها خلال 23 سنة من الحكم، بل منذ الاستقلال الأول؟ التركيز الآن على عائلة اصهار الرئيس التي نهبت البلاد بالفعل وهو حقيقة لا جدال فيها لكن نخشى ان تكون التّعمية على الاطراف الاخري التي استفادت اكثر من هذه المزايا داخل الحزب الحاكم.
المطلب الرابع هو حل الجهاز الامني، الذي يمسك حتى الان بخيوط اللعبة كلها، وليس من المستبعد ان تكون البلاغات عن ملاحقة عناصر امنية قديمة، تأتي في إطار هذا السعي الحثيث لاعطاء الحزب الحاكم وجها جديدا. من العبث ان نتصور ان القضاء على منظومة الاستبداد سيتم من دون ضغط شعبي متواصل ويقظة مستمرة لكل محاولات وأد هذه التجرية الفريدة من نوعها.
اذا كانت هذه المطالب لم تعد، للاسف، ممكنة، فلا أقل من ان يضع الذين صنعوا الانتفاضة خطا أحمر لا يمكن التنازل عنه، هو إشراك الاطراف كلها في صنع مستقبل تونس وإعلان عفو تشريعي عام ينهي مسيرة إسقاط المستبد قد أخذت في فصلها الحاسم من الشعب التونسي أقل من شهر، فإن القضاء على منظومة الاستبداد يستدعي وقتا أطول ويستدعي خاصة يقظة دائمة من الجميع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.