بدأ خبر الاطاحة بالطاغية بن علي وعصابته الفاسدة المتنفذة يخفت بريقه، وتحول شغلنا الشاغل بعد هذا الانجاز الشعبي الجماهيري الشبابي الكبير الذي انطلقت بوادره الاولى من رماد جسد الشهيد البطل محمد البوعززيز الى البحث عن الآليات الكفيلة بحماية ثورة الاحرار من الاخطار المحدقة بها داخليا وخارجيا. وفي خضم انتباهنا إلى ما يحاك هنا وهناك، وما يسطر في قصر القصبة، وما يُملى من أوامر يظهر انها مازالت تفعل فعلها من السعودية وكندا وفرنسا وبعض الدول العربية المتواطئة علنا او سرا ضد ارادة شعبنا الباسل تظهر تصريحات تلفزية واذاعية وصحفية داخل تونس تحمل نفسا ارتدايا معاديا لثورة الشعب وليس الاحزاب التي اصبحت تركب علنا على الحدث وهي التي كانت مثل الفئران لا تقدر على مغادرة جحورها خوفا من القط الاسود الذي أذاقها شتى انواع الحرمان ودفعها الى تسول الحوارات السياسية في فضائيات أجنبية وذلك من اجل إبلاغ همومها ومشاغلها. هذه الاحزاب التي منحها شهيد البؤس والفقر والاغتراب في تونس الشاب محمد البوعزيزي ورفاقه من شهداء القصرين وتالة وجندوبة وكل ولايات الجمهورية تأشيرة انتصابها القانوني في سوق عكاظ السياسية بتونس لم تحترم للاسف دماء هؤلاء الشهداء ولم تحترم لوعة اهاليهم ولوعة هذا الوطن باسثناء حزب وحيد يمثله المناضل مصطفى بن جعفر وبقية أحزاب معينة نعرفها جميعا ولم يشملها التشاور اساسا قبل اقتسام كعكة الحكومة المنصبة وليس التوافقية وكان من الطبيعي تبعا لذلك ان تغيب في التشكيل الحكومي الذي اعلن عنه السيد محمد الغنوشي الوزيرالاول. واذا كان الاتحاد العام التونسي للشغل المنظمة الوحيدة في البلاد التي نالت تأشيرة وجودها النقابي والاجتماعي والمدني والسياسي قبل هذه الثورة المجيدة بفضل دماء شهدائها وفي مقدمتهم حشاد العظيم، اذا كان الاتحاد قد حسم فعلا ومسبقا موقفه وانحاز للشعب ودعم خياراه من خلال عقد اكثر من هيئة ادارية وطنية انبثقت عنها عدة قرارات مهمّة من بينها مطالبَتُهُ وزراءَهُ بالانسحاب من حكومة الوصايا والحنين الى الماضي الاسود القاتم، فان غيره من الاحزاب التي أغراها كرسي الوزارة نسيت في لحظة براغماتية شعاراتها التي كانت ترفعها سابقا وغدت تدافع عن التجمع أكثر من التجمعيين واكثر من السادة الغنوشي وفريعة ومرجان وقريرة والجويني والرويسي وغيرهم!! حتى تحولت الحكومة في مفارقة عجيبة الى حكومة نفس واحد ولون واحد وتوجهات واحدة تتفق في انسجام وتوافق غير مسبوقين في تاريخ تشكيل الحكومات المعاصرة على هدف واحد ملح وهو الاطاحة بثورة الجماهير وتكريس الاستبداد من باب الاصلاحات السياسية هذه المرة واللجان الثلاثية والرباعية التي انطلقت في عملها بعد ان ذابت في البراميل اكثر الوثائق حساسية وخطورة من شأنها ان تدين النظام الفاسد البائد من الباب الكبير. ان ثورة الشعب التي اصبحت بضاعة يزايد عليها اهل الثقافة والسياسة والمتاجرة بالمواقف في الفضائيات التونسية لن تكون باي شكل من الاشكال فريسة او صيدا سهلا لهؤلاء المتربصين الانتهازيين وفي مقدمتهم اولئك الذين كانوا قبل ظهورهم في الاستوديو يحفظون دروسهم جيدا ويمتثلون للاوامر التي تطالبهم بالقدح في الاتحاد العام التونسي للشغل والمس برموزه ومناضليه عقابا له على مواقفه المشرفة والمبدئية وانحيازه »المفضوح« للشعب ورفضه المشاركة في مسرحية الضحك على الذقون وتمهيد الطريق لعودة التجمع من النافذة بعد ان غادر من الباب، هل نفهم ذلك في إطار رغبة جامحة تحدو رموزًا اعلامية وسياسة لتغيير لوكها الصحفي والسياسي وابراز انبطاحها للحكومة المؤقتة مثلما كان الانبطاح كاملا وواضحا وفي أبهى تجلياته مع الجنرال المخلوع بن علي، ماذا نقول عن دخيل على المجال الصحفي اشعرتنا برامجه الحوارية وكأننا شهود عيان على خصومة من اجل عصفور مكني في سوق المنصف الباي حيث يعلو الصراخ وتعم الفوضى وتذبح الثورة عمدا داخل الاستوديو البائس في مشهد مسرحي متخلف من الوريد الى الوريد، كيف تريدون منا أن نلتزم الصمت والهدوء وبعض هذه الوسائل الاعلامية تتقمص بامتياز دور منظمة التربية والاسرة في العهد البائد ومحاكم التفتيش في العهد السقراطي وتتهم علنا اتحاد حشاد العظيم والحامي والتليلي وعاشور وبقية الفطاحلة من النقابيين الوطنيين باللا وطنية والانتهازية حتى انتهى الامر باحداها الى توزيع صكوك البراءة والغفران السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي علنا في مختلف برامجها. ان حرية الاعلام التي هي نعمة من نعم الشهيد محمد البوعزيزي التي انعم بها علينا وهو في دنيا الخلود صحبة رفاقه الشهداء لا يجب ان توظف لعقد الصفقات المشبوهة وخدمة حزب سياسي على حساب آخر وتمكينه من خوض حملته الانتخابية مثلما يجري الان قبل البقية. الاعلام الذي نريده ونرغب فيه اليوم هو ان يكون صوت الشارع في الشارع بما فيه من احتجاج واختلاف وتوافق، وان يكشف لمختلف شرائح الشعب باساليب سهلة وغير ديماغوجية مذا تعني الثورة الشعبية التونسية؟ ولماذا اندلعت بالاساس؟ وماهي آفاقها الممكنة؟ ولماذا يرفض الشعب بقية فلول النظام الفاسد البائد؟ وماذا يعني الفراغ وكيف يحصل وماهي اسبابه؟ وماذا يعني حكومة مؤقتة وبماذا تختلف عن حكومة الوفاق أو الانقاذ الوطني؟ وماهي مزايا ومخاطر العودة الى نسقنا الحياتي اليومي المعتاد، ومن يحاسب مستخدمي الرصاص الحي الذي افقدنا خيرة شبابنا؟ ومن ينصف العمال الذين أغلقت مؤسساتهم ومازالوا الى اليوم يلهثون من اجل راتب لم يدفع بعد لأنّ العَرْفَ هرب واختفت معه أموال المؤسسة؟ وكيف سيتم التعويض لاهالي الشهداء والجرحى الذين سقطوا في هذه الثورة؟ نعم هذا ما يريد ان يستمع اليه المواطن التونسي ليس تجميل المسؤولين المؤقتين وتلميع احزاب بعينها على حساب أخرى واستهداف منظمات عقابا لها على مواقفها المبدئية المنبثقة من روح الشعب والمعبرة عن اختلاجات الجماهير مثلما هو الحال في الاتحاد العام التونسي للشغل الذي ولد من رحم معاناة العمال ولا يمكنه ان يكون الا في صفوف الشعب احب من أحب من فضائيات المتاجرة والمحاسباتية وكره من كره من أقلام 7 نوفمبر الصحفية...