عثرت عليه متهالكا على أحد كراسي مقهى »لونيفار«... شارد الذهن، مشتت الأفكار... عندما تعرفت عليه كادت الدموع تسبق الحروف حينما عرف أني سأنقل محنته للقراء... هو شاب تونسي يبلغ من العمر 36 سنة، اسمه خالد السحباني حاصل على شهادة في فن الديكور منذ سنة 1990... وبما أنّ نظام بن علي كان نظامًا قائما على الاقصاء وقتل الكفاءات الشابة ومبنيّا على الفساد والرشوة، اضطر خالد إلى التوجه نحو ليبيا منذ سنة 2000 وظلّ إلى حدود يوم 4 فيفري 2011 ينتقل بين البلدين بعد أن فتح مصنعًا للرخام في ليبيا... بعد سقوط نظام بن علي بدأ النظام الليبي يكشر عن انيابه أمام التونسيات والتونسيين الذين كان خالد السحباني واحدًا منهم... والذي تمكن من دخول التراب التونسي بعد أن افتكوا منه قرابة 10 آلاف دينار ليبي (حوالي 12 ألف دينار) وصادروا مصنعه... يقول خالد السحباني بكل حرقة أن عمدة منوبة طلب منه رشوة مقدارها3 ملايين حتى يسلّمه شهادة بطالة بعد أن طلبتها منه ادارة بنك التضامن 26/26 لتمنحه قرضًا ليفتح مشروعًا باعتباره حاصل على شهادة في فنّ الرخام وعاطل عن العمل وفي كفالته والدته (معُوقة) ووالده وأخته وأخوه (أصمّ) وأمام طلب »عمدة بن علي« قرّر محدّثنا السفر إلى الجماهيرية الليبية وهناك فتح مصنعًا للرخام وتمكن من تحسين ظروفه وظروف عائلته المادية ولكن وبمجرّد أن ثار الشعب التونسي على جلاّديه وبدأ العدّ التنازلي لهروب الدكتاتور يوم 14 جانفي، انقلبت الأمور في ليبيا وبات النظام الليبي يترصد خطوات التونسيين ويضيق عليهم المنافد وممّا رواه لنا خالد السحباني في الأسبوع الأوّل من ثورة تونس أن كل من يحمل الجنسية التونسية وباسم الشعار الليبي »أنصر أخاك الليبي ظالمًا أو مظلومًا« تعدّدت عمليات اغتصاب التونسيات وافتكاك أموال العمّال التونسيين وقتل العديد منهم وكل ذلك على خلفية ما كان يروّجه النظام الليبي من أن الثورة التونسية ثورة تشرّع للفوضى وأن بن علي خير رئيس للشعب التونسي... خالد قال لنا إن بن علي عندما كان يطلق الرصاص على شباب تونس كان القذافي يطلق على التونسيين كل أنواع الترهيب والتخويف والتجويع، حيث تتالت المداهمات على بيوت التونسيين ويتم توقيفهم في الشوارع وفي أماكن عملهم... هرب خالد السحباني من مدينة »زوارة« بجلده، ولم يحمل معه سوى ثيابه وجواز سفره فقط بعد أن داهموه وهو متجه نحو مدينة »تاجوراء« لاقتناء الرخام وافتكوا منه رأس ماله (10 آلاف دينار ليبي منها ديون سابقة والباقي لاقتناء الرخام) وحتى هاتفه الجوّال اخذوه منه، ثم تمّ توقيفه في احدى مراكز »زوارة« لمدة ثلاثة أسابيع وبعد أن ختموا جوازسفره بإلغاء اقامته تم ترحيله إلى الحدود التونسية وتحديدًا في نقطة »بوكمّاش« وفيها ختموا جوازسفره بالخروج من التراب الليبي بعد أن افتكوا منه 30 دينار ليبي هي كل ما تبقى في جيبه، وتمكن بواسطة بعض التونسيين من العودة من رأس جدير الى العاصمة....