أن تكون سينمائيا حلم أو مغامرة؟ أن تصبح مخرجا ناجحا فأنت تربح وتصبح نجما... أن تصبح نجما أو نجمة فذلك ما يحلم به جل الشباب الذي بدأ منذ عقدين يحلم أن يكون راقصا أو فنانا أو لاعب كرة قدم أن تكون عاملا في السينما فذلك مسألة أخرى. فالسينما صناعة وفن كما يقول أول من كتب عن السينما في كتابه الشهير وهو غريميا سمسون الذي يبقى كتابه »السينما آلة وفن« مرجع أساسي يدرس منذ 90 سنة في المعاهد. فما علاقة السينما هذا الميدان الغامض والساحر مع الشغل والتشغيل مع العمل والعمال؟ كيف يجد العامل نفسه عاملا في السينما وهذا الميدان هو أكثر الميادين الذي يبقى فيه الشغل مشوب بعدم الاستقرار؟ وهل أن إخراج فلم أو اثنين في بلد ما يعطي شرعية أن تساهم الدولة في صناعة لا تدر أرباحا بتاتا ؟ أم هل أن مساهمة الدولة هي من قبل مساندة أفلام يتيمة مثل الشجرة الوحيدة التي تخفي غابة كاملة ؟ من يعمل في السينما وماذا يعمل؟ عند ما يععرض أي فلم عالمي وحتى مصري فإن المتفرّج يدهش في الكثير من الأحيان من قائمة أسماء التقنيين والفنيين المساهمين في الفلم ويبقى الجينريك مدة عدّة دقائق وهو يكشف الأسماء واختصاصاتها تلو الأسماء والاختصاصات. ومنذ أن قننت الاختصاصات في بداية القرن العشرين في أوروبا وأمريكا أصبح العمل في ميدان السينما له قواعد وأهمها بعث المؤسسات السينمائية. فالسينما في أوروبا لم تكن تمارس ممارسة الرسم يوم الأحد. بل السينم، التي هي فنّ معقد وجامع الفنون وسابعها ،فهي كذلك صناعة وتجارة مربحة وليس هنا المكان لتقديم الأرقام بل أن الوحدة أصبحت »مليون دولار« ولذلك كما أن للصلب مصانعه والسيارات مصانعها فإن السينما ولدت ومعها مصانعها التي نسميها الاستوديوهات. والأستوديو ليس تلك الغرفة التي يتم فيها التصوير وتحيلنا على غرفة المصور في الحي بل هو مصنع متكامل به مؤسسات قائمة الذات من الذين يكتبون القصة والسيناريو إلى الذين يقومون بعملية الإشهار لبيع الفيلم وحتى وإن غزت العيون والأسواق المسلسلات فإنها بقيت تنتج داخل استوديوهات السينما ونجوم التلفزيون والتلفزة في تلاحم وتداخل ولا تنتج التلفزيونات مسلسلاتها وأفلامها بل يقتصر انتاجها على برامج الأخبار وما يسمى التولكشو (الحوارات والاعترافات) . من هنا أساس حلقتنا العمل في السينما بتونس بقي هواية في تونس العمل في السينما بقي دائما هواية حتى وأننا ملك العديد من المحترفين وخرّيجي المعاهد.وزيادة على الهواية بمبتغاها الجميل والقبيح المخيف في آن فإن السينما التونسية تعيش فوضى، فوضى كبيرة فإن كانت السينما صناعة منظمة في أمريكا وفرنسا وأوروبا قاطبة فإنها تستجيب إلى قواعد: مهنية منظمة/ تقنية مدققة/ قانونية محدّدة/ نقابية في العديد من الأحياء متشرّدة كان يقول الجنرال ديقول عن بريجيب باردو أنها أهم من شركة صناعة السيارات رينو، لما تجلب من أموال كلما تصدّر أفلامها. وفي أمريكا فإن صناعة السينما هي ثاني صناعة مربحة بعد صناعة الطيران والأسلحة وأن السينما أكثر الصناعات حماية، فلا يصوّر في أمريكا بحرّية أي شخص ولا ينتج الأفلام أي شخص وفي الهند صناعة السينما هي من أهمّ الصناعات ذات القيمة المضافة علما أن 80 ٪ من الأفلام ال 400 السنوية موجهة للسوق الداخلية. وفي مصر لمّا كانت السينما منظمة بعد تدخل طلعت حرب والرأس المال الوطني ثاني صناعة بعد القطن. أما في تونس فإن صناعة السينما أكثر الصناعات فوضوية يقال أن في تونس أكثر من 400 شركة إنتاج لا تستجيب واحدة منها ,أقول واحدة فقط لكراس الشروط الذي أتت به القوانين (وعلى فكرة عندنا أحسن نصوص القوانين لكن لا يطقبها أحد)... فالعمل في السينما من الإنتاج حتى الإخراج لا يخضع لأي مراقبة فإنك تجد أرهاطا من المختصين والعمال آتوا من كل حدب وصوب وأكثرهم من البطالة والرطانة. ومن أبشع أنواع البطالة هي عدم الاستجابة إلى شروط المشغل من اختصاص وانضباط. هذا لا يعني أننا نجد العديد من التقنيين وخاصة الذين تعلموا من الأفلام الأجنبية (وهي الهدية الوحيدة التي قدمها لنا طارق بن عمار) ففي تونس تقنيين على مستوى راق وعالمي لكنهم قلة ويرزحون تحت نير المجهول فهم لا يعرفون متى سيعملون ومتى تأتي الأفلام. وهكذا تحوّل العامل مختصا أو عرضيا فن السينما التونسية إلى مواطن فاقد الثقة اقتصاديا فهو لا يقدر على الإثبات ما يخوّل له فرصا للحصول على مسكن مثلا حتى وإن كان يتمتع بوثائق مثل الباتيندة لأنه غير قادر على تقديم شهادة في الأجر. وقد أتذكر ما كان يقوله التيجاني زليلة عندما كان يدير مصلحة السينما بوزارة الثقافة لما يأتي أحدهم يتقدم بطلب للحصول على منحة لدراسة السينما في أحد الدول التي بها معاهد سينما، يقول له :»إنك ستتعلم وتحصل على شهادة عالية لكنك ستموت جوعا«. وقول زليلة صحيح فرغم الد ّراسات العليا في الخارج والّدراسة في المعاهد التونسية وهي معقولة في المعاهد العمومية فإن جل السنمائيين يعيشون شبح البطالة أو البطالة ذاتها في عالم صناعي فوضوي. ❊ مهن غير مدققة الاختصاص يقوم المركز الوطني للسينما بفرنسا بتنظيم قطاع السينما على كل المستويات وأملنا أن تكون عندنا نسخة من ذلك المركز ولو مصغرة كما فعلت المغرب، نسخة غير مشوّهة» ... ومن جملة المتابعات يقدم المركز الفرنسي برمجة (وكان من قبل جدولا) يحتوي على شبكة الاختصاصات لإعداد ميزانية الفيلم وتحرير عقود العمل وكم حدد عدد الاختصاصات؟ أكثر من ثلاثمائة.نعم في الفيلم يتدخل أكثر من ثلاثمائة مختص في العمل والشغل في ميدان السينما.نحن نعلم أن بناء بيت يتطلب اللجوء إلى 25 حرفي فما بالك في 300 حرفي وعندما ندرّس مدخلا لإنتاج فلم في المعاهد نقسم تلك المهن إلى مجموعات : ❊ مجموعة الإنتاج : وتظم أكثر من 20 حرفيا ❊ مجموعة الإبداع : وبها الإخراج والتصوير والصوت والتمثيل وتظم أكثر من 30 مختصا (إلى جانب مائات أو آلاف الممثلين). ❊ مجموعة الديكور والقيافة والأزياء: وتظم أكثر من 50 مختصا ❊ مجموعة الأعمال المختلفة وبها جل المهن في الحياة من نجارة وإضاءة وحدادة وبناء ودهن وطبخ وعتالين وسواق وغيرها. ❊ ثم مجموعة المخابر : ❊ تركيب ، تعديل صورة وسحب وغيرها ودون الدخول في التفاصيل فإننا لا نملك في تونس مختصين بأتم معنى الكلمة إلا بعض الأسماء النجوم في إدارة التصوير والصوت والتركيب وتصحيح الصور. وعلى مستوى الشغل وقواعده فإن الاختصاصات الدائمة العمل لا تتعدى 3٪ بعض المنتجين وكتبتهم ومقتصديهم وبعض المختصين في المخابر. أما عن الانتداب فحد ّث ولا حرج فلا اعتماد على البطاقة المهنية التي تمنح بطرق قانونية فوضوية وكل منتج له »عسكره« أي جيوشه الخاصة يعتمد على الثقة والطاعة وخاصة الصبر فهو يطلب أحيانا من العمال انتظار رواتبهم العرضية حتى يدفع المنتج الأساسي أو المموّل باقي الفاتورة طبعا هنالك العمال والتقنيين القاريين في الراديو والتلفزة وبعض شركات الخدمات ما يسمى بعد الإنتاج وذلك العدد قليل ولا يستجيب إلى قواعد قوانين الشغل من شهادات وأقدمية. وهكذا نجد عصاميون يأمرون وينهون لقدم تجربتهم أو لصفاقة خطابهم أو لانضباطهم أمام المنتجين ونجد في المقابل حاملي شهادات علمية أجنبية ومحلية ذوي طاقة هائلة ومعرفة علمية راقبة يعيشون إحباط البطالة. ❊ قوانين جميلة ولكن دون تطبيق منذ أن بعثت إدارة السينما في بداية الستينيات على بد المرحوم الطاهر الشريعة والتشريعات السينمائية تصدر الواحدة تلو الأخرى وغطت كل أوجه قطاع السينما وهي اليوم تشكل سجلا كبيرا لكن على مستوى التطبيق بدقة بقيت تلك التشريعات نوعا من الحبر على الورق وذلك لانعدام المتابعة والإحاطة والرقابة من طرف الإدارة وكم كنا نتمنى أن تحال بعض من متابعة قطاع السينما إلى وزارة الصناعة فشركات الإنتاج تعمل في حقيبة صاحبها إم لم تكن في مقهى أو في صالون البيت أ إذا استثنينا القليل منها أ وشركات المعدّات والخدمات تكاد تكون مفوترة . أما عن تطبيق قانون الشغل فهو يستجيب إلى الفوضى الجملية خاصة منذ تصوير الأفلام الأجنبية... ففي مصر إن القول الفصل لتحديد الفريق يرجع إلى نقابة المهن السينمائية والفنية ولا تقدم رخص التصوير إلا بعد إثبات ما سوف يدخل من ميزانية الفيلم في سوق الشغل ولا الاعتماد على المشاهد الطبيعية وانخفاض أثمان الإقامة في النزل وانتداب الكومبارس مقابل ملاليم والانتفاع بقوانين الجباية وهذا ما يعرفه طارق بن عمار عندما يقول أنه يدفع الملايين من الدولارات في حين أنه يربح في عملية يعرفها رجال الأعمال الذين تنتصب معاملهم في بلادنا وهو الانتفاع بالجباية المرنة واليد العاملة البخسة الراتب التي لا تطالب بحقوقها لأنها في حاجة ماسة للعمل ولو بمبلغ زهيد. ❊ فوضى أخرى إن معضلة جمعية الستمائيين التونسيين التي تطرح اليوم وهي موضوع جدل لهي إلا الجزء الصغير من جبل الثلج المختفي في مستنقع السينما التونسية فمثلا نجد بين الجمعيات والنقابات تداخلا مفزعا وتستثني هنا الهواة ونوادي السينما والنقاد ونكتفي بثلاث جمعيات : - جمعية السينمائيين التونسيين - نقابة المنتجين المنتمية لمنظمة الأعراف - نقابة المهن السينمائية التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل - نقابة الكتاب والسيناريست (وهي حدين العهد). وبين هذه الجمعيات والنقابات تداخل غريب فالجمعية الأولى ينخرط فيها كل من هبّ ودب ومن انتسب للسينما فتجد فيها الكهربائي إلى جانب المخرج المشهور ومشروع المخرج والطالب المتخرج توّا إلى جانب المنتج... ولذلك فلا دور لهذه الجمعية رغم ما قامت به في السبعينات والثمانينات ما لتداخل أعضائها مع الإدارة وعلاقات خاصة مع وزارة تريد أن تكون هنالك أفلاما للمشاركة في المهرجان وتسجل تونس في خاتمة البلدان المنتجة للسينما. وهذه الجمعية التي أثارت الدنيا وأقعدتها ليس لها أي شرعية قانونية للدفاع عن السينمائيين فهي جمعية تستجيب لقانون الجمعيات المؤرخ في 7 نوفمبر 1959 ومنقح مرتين ولا دور لها إلا تنظيم التظاهرات الخاصة كالاحتفالات ومنح الجوائز أو التعريف بالمهنة أو ختان أبناء المنتمين لها ولا دور قانوني تابع للشغل لها. ❊ نقابة المنتجين فهي كأي فرقة أعراف لا هم لها إلا الدفاع عن حقوق الأعراف ونعرفها دوليا ووطنيا ولا تبحث إلا على تسهيل مهام المنتج الحقيقي وهي قله أو المنتحل الدور... وهي نقابة تظم بين أعضاءها أسماء شهيرة وتصرفت بطرف منذ سنين في الأموال العموميية بدون رقابة وتحصل على الملآيين من الدينارات ولم تقدم أعمالا تذكر وهي غرقة يجب إفراغها من العناصرغير المنتجة وذلك بعملية بسيطة ... أن تتقدم دائرة المحاسبات وتراقب حساباتها وسوف تكتشفون. وأن تقوم الوزارة بمتابعة الأموال المرمية من الشباك بدون هيكل يذكر... ولو ذهبنا اليوم إلى مكاتب المنتجين وطلبنا منهم شهادة في دفع الضرائب لما وجدنا شركة واحدة في حل من الضرائب والصناديق الاجتماعية. أما النقابات التابعة لاتحاد الشغل فهي شكلا موجودة لكن درجة حركتها وأعمالها بين يد أشخاص لم يعد عندهم جهدنضالي مثلا الصديق المنصف الفهري وهو مصور .. ممتاز لا يستطيع النضال وهو وصل من العمر عتيا ويشكو من تعب جسدي غير أنه متشبث بالنقابة لقرب علاقته من أطر نقابية.نتيجة لانتمائه إلى منطقة اشتهرت بمد الاتحاد بالأطر النقابية. وهذه النقابة تجند يوميا وتفرغ من نضالها يوما آخر خاصة وأن العديد من منخرطيها ينتمون إلى جمعية السينمائيين القديمة تحت تحركات ومناورات على العبيدي الذي تتسم تصرفاته على تذبذب وخبث. فما العمل لتنظيم قطاع السينما على مستوى التشغيل والشغل؟. والحلول بسيطة تمر أولا بانكباب الدولة على هذا القطاع : ❊ إعادة النظر في النصوص القانونية ❊ تصفية الشركات التي لا تعمل ومحاسبة الشركات الأخرى لمدة عشر سنواتالفائتة ❊ إحاطة الجمعيات برجل قانون وتدريبهم على العمل الجمعياتي كل في قطاعه ❊ تحديد علاقة التكوين بسوق الشغل وأن لا تترك المعاهد على صورتها الحالية كمعامل صنع البطّالة. ❊إعادة النظر في منح الدعم والاتجاه إلى الشباب ولنا عودة لهذا الشباب. ❊ بأن يبعث المركز الوطني للسينما وأن لا يسهر على تسييره سينمائيا بل مختصا في الاقتصاد والإدارة حتى لا تدخل المصداقية والمحسوبية. ❊ تنظيم »المجالس الوطنية لترشيد السينما« وأن لا تقدم الاقتراحات كما قدّمت في سنة السينما بطرق مطالبية ضيقة. ❊ تنظيم قطاع التوزيع والحد من القرصنة.