شَنَقَ الشعب التونسي النظام النوفمبري يوم 14 جانفي 2011 ، يوم توحّدت شعارات أبناء هذا الوطن وتماهت مع صديد الأغلال والاصفاد التي ضُربت عل لسانه وعقله ويده طيلة ربع قرن وأكثر... شعارات اختلفت في صيغها وتركيباتها وحتى في لغتها ولكنها اجتمعت في شعار »خبز وماء وبن علي والتجمّع لا«... وهو شعار منغرسٌ في طبيعة التونسي الذي يُؤثر كرامته عل حاجته البيولوجية... هذه الشعارات يبدو أن شُعلتها بدأت تذوي وتُلاَمِسُ بؤر العتمة بفعل »العقول المدبّرة« التي مازالت أياديها ملطخة بأوحال الفساد والاستبداد، والتي تسعى جاهدة إلى اجهاض الثورة التونسية وتشويه مسارها... ولنا في احداث باب الجزيرة وباب الفلة والصبّاغين ونهجي شارل ديغول وبومنديل ما يكفينا من أدلة قاطعة على مأسَسَة الشدّ إلى الوراء... ان ما حصل في هذه المناطق بقلب العاصمة الأسبوع المنقضي يجعلنا نذهب في التأويل مذاهب شتّى، ولكن يبدو أقرب التأويلات الى التصديق هي تلك التي تدين بشكل واضح أطرافا بعينها لتأجيج سعير العنف والفتنة الجهوية.. ولنا في بعض المعطيات ما يعزّز ذلك فبعد مقتل ابن عون بإحدى الحانات على يد أحد حرّاسها، على اثر هذه الحادثة وفي يوم جنازة المُتَوَفَّى اشتعلت نيران الفتنة والثأر (بعيدا عن مجرى القانون) فتم الاعتداء بالعنف الشديد على »نصّابة« وتجار باب الفلة وبومنديل والصّبّاغين وغيرها من المناطق باعتبار انهم أصيلو سبيبة وجلمة والقصرين وسيدي بوزيد والقيروان وجندوبة.. كما تم نهب وسلب أموال وبضائع التجار وحرق بعض محلاتهم كما تم ايقاف حوالي 300 شخص منهم ورُفعت شعارات مهينة ضدّهم من قبيل »خبز وماء والنّصّابة لا«!!! »النّصّابة« القادمين من دواخل البلاد، من الولايات الاكثر تهميشا وتفقيرا، والذين يفوق عددهم عشرة آلاف لهم اكثر من 2000 محل تجارة، ساهموا في ثورة الشعب التونسي مثلما غذّى أخوانهم وآبائهم وأبنائهم شرارة الثورة واستماتوا من أجل انجاحها... هؤلاء »النصّابة« يضخّون الكثير من الدماء في الاقتصاد التونسي على هامشيتهم، هؤلاء »النّصابة« سرقت احلامهم عصابة الطرابلسية وأذلّتهم الدوائر البلدية ونخرت جيوبهم دوريات الامن »بالخمّوس« و»العشّور«واحتقرتهم وسائل اعلام عبد الوهاب عبد الله بتعلّة »جمالية المدينة«!!! وهاهي بعض وسائل الاعلام النوفمبري تواصل اليوم نفس الدور القذر... فهل يُعقل أن نقرأ »تحقيقًا« على موقع انترنات (مالكه معروف جدًا) هل يُعقل أن نطالع في هذا »التحقيق الصّحافي« بعنوان: »العاصمة: اهالي باب الجزيرة يستغيثون...أولاد جلمة اقلقوا راحتنا ولا نقبل إلا بترحيلهم«، هل يعقل أن نقرأ عبارات من قبيل: »ابناء جلمة أقلقونا / هذه الفئة يصعب التعامل معها / النازحون / لقد استعمرونا / أخافهم كثيرا ولا أرغب في بقائهم في منطقتنا/ لن يهدأ لي بال إلا بأخذ الثأر / روح بروح / تسفيرهم إلى مناطقهم /« وفي هذا التحقيق الأعرج يقول مصدر مسؤول (حسب الموقع) »إنّ ابناء جلمة عرفوا منذ فترة باحتلالهم للمنطقة«!!! أعرف أن »نصّابة العاصمة« ليسوا أبرياء ولا هم ملائكة.. ولكن أعرف أيضا أنهم ليسوا شياطين. وبهذه الصورة التي يقدّمها مثل هذا الاعلام!!! ثمّ إن اثارة النعرات القبلية والعشائرية في الجنوب التونسي لا تدل الاّ عن وضاعة من مازال يراهن على غباء هذا الشعب، وهي ذاتها الورقة التي تُسحب اليوم في العاصمة امام ابناء الشعب التونسي باسم الجهويات... ولكن الادهى والامر أنّ ابناء سبيبة وجلمة وبوزيد والقصرين وجندوبة يُضْرَبُونَ بأيادي ابناء الاحزمة القصديرية للعاصمة وأبناء المناطق الاكثر تهميشا وتفقيرًا بعد أن رتّب المتمعشون من النظام السابق أوراق اللعبة!!!