أول ما يلفت الانتباه للانتفاضات العربية التي هزت عروش العديد من الطغاة في المنطقة ولا يزال البقية منهم اما ينتظرون تحقق ارادة الشعب ودق آخر مسمار في نعش استبدادهم وفسادهم، أو يحتسبون الايام والساعات ويشدون الانفاس انتظارا لميعاد الشرارة الاولى التي ستبدد ظلمة الطغيان والارهاب التي سيّجوا بها حياة شعوبهم... ولكن رغم تحقيق بواكير هذه الانتفاضات لأهدافها المرحلية واسقاطها للانظمة مجسدة على الأقل فيمن يقفون على رأسها منذ عقود طوال، فإنها لم تستكمل أهدافها الثورية وتواصل ما ابتدأته بتقويض منظومة الاستبداد والفساد الذي استشرى في مفاصل الدول وتؤسس لدول تقوم على الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية وتقطع مع الفساد والافساد وتخريب مؤسسسات المجتمع وتقويض قيمه الاجتماعية والاخلاقية وتحويل البشر داخلها الى كائنات طيعة ذلولة »ذوات بعد واحد« يتقوّم وجودها الاجتماعي والسياسي على تلبية رغباتها الطبيعية البدائية، اما خلاف ذلك فموكول الى عصابات فكرية تهندس الشأن العام بحسب هوى وميولات الرئيس او الامير أو الزعيم وبما تقتضيه مصلحته هو وأسرته والمقربون منه من المنافقين والمستفيدين... ورغم ان هذه الثورات في مجملها انطلقت من خلفية احتجاجية اجتماعية فانها عرفت اتجاها سياسيا ثوريا تمثل في التحول من شعار: »التشغيل استحقاق يا عصابة السراق« بكل تنويعاته العربية الى الشعار المركزي لكل الانتفاضات العربية »الشعب يريد اسقاط النظام«، وكقراءة أولى نستخلص التعريف المبسّط التالي لما سمي بالثورات او الانتفاضات الشعبية العربية: الثورة التونسيّة : و تعرف أيضًا بثورة الكرامة أو ثورة الأحرار أو ثورة الياسمين أو ثورة 14 جانفي، وهي ثورة شعبية اندلعت أحداثها في 18 ديسمبر 2010 تضامنًا مع الشاب محمد البوعزيزي الذي قام بإضرام النار في جسده في 17 ديسمبر 2010 تعبيرًا عن غضبه من بطالته ومن مصادرة العربة التي كان يعتاش منها ببيع الفواكه . هذا بالاضافة الى المشادة التي وقعت بينه وبين عون التراتيب فادية حمدي. وقد توفي البوعزيزي يوم الثلاثاء الموافق 4 جانفي 2011 نتيجة الحروق التي اصيب بها بعد ان نقل الى مستشفى الحروق البليغة ببن عروس ..وقد أدت هذه الحادثة إلى اندلاع شرارة المظاهرات في يوم 18 ديسمبر 2010 وخروج آلاف التونسيين الرافضين لما اعتبروه فقدان كرامة مثل تفشي البطالة وعدم وجود العدالة الاجتماعية وتفاقم الفساد داخل النظام الحاكم. ونتج عن هذه المظاهرات التي شملت مدنا عديدة في تونس عن سقوط العديد من القتلى والجرحى من المتظاهرين نتيجة تصادمهم مع قوات الأمن، وأجبرت الرئيس زين العابدين بن علي على إقالة عدد من الوزراء بينهم وزير الداخلية وتقديم وعود لمعالجة المشاكل التي نادى بحلها المتظاهرون، كما أعلن عزمه على عدم الترشح لانتخابات الرئاسة عام , 2014 كما تم بٌعيْد خطابه فتح المواقع المحجوبة في تونس »كاليوتيوب« بعد 5 سنوات من الحجب، بالإضافة إلى تخفيض أسعار بعض المنتجات الغذائية تخفيضاً طفيفاً. لكن الاحتجاجات توسعت وازدادت شدتها حتى وصلت إلى المباني الحكومية مما أجبر الرئيس بن علي على التنحي عن السلطة ومغادرة البلاد بشكل مفاجئ الى العربية السعودية بحماية أمنية ليبية. الثوره المصريّة : ثورة الغضب او ثورة »اللوتس« هي ثوره شعبيه ابتدأت فى مصر يوم 25 جانفي سنة 2011 احتجاجا على اوضاعهم المادية والاجتماعة وتبرما من وضع الحريات العامة والسياسية في البلاد مع تزايد الفقر والتهميش والبطالة وغلاء الاسعار وانتشار الفساد وأزمة السكن الخانقة التي تمر بها، اضافة الى حالة الطوارئ التي عطلت الحياة السياسية ونشاطات قوى المعارضة والمجتمع المدني بالبلاد. ثورة الشباب اليمنية: أو ثورة التغيير السلمية، وهي ثورة شعبية انطلقت شرارتها يوم 3 فيفري واشتعلت يوم الجمعة 11 فيفري 2011 الذي أطلق عليه اسم »جمعة الغضب« وهو يوم سقوط نظام حسني مبارك في مصر متأثرة بموجة الاحتجاجات العارمة التي اندلعت في الوطن العربي مطلع عام 2011 وخاصة الثورة التونسية التي أطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي وثورة 25 جانفي المصرية التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك. قاد هذه الثورة الشبان اليمنيون بالإضافة إلى أحزاب المعارضة للمطالبة بتغيير نظام الرئيس علي عبد الله صالح الذي يحكم البلاد منذ 33 عاماً, والقيام بإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية. وكان لمواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت مثل فيسبوك مساهمة فعالة في الثورة إلى حد كبير, حيث ظهرت العديد من المجموعات المناوئة للنظام الحاكم بدأت بمطالب إصلاحية ثم ارتفع سقف المطالب إلى إسقاط النظام. ومنها مجموعة »ثورة الشباب اليمني لإسقاط النظام« . ولعبت هذه المواقع دوراً كبيراً في تنظيم الاعتصامات واستمرارها , وفي الخروج بالمسيرات. الثورة البحرينية : هي جملة احتجاجات شعبية بدأت يوم الإثنين 14 فيفري 2011 متأثرة بموجة الاحتجاجات العارمة التي اندلعت في الوطن العربي مطلع عام 2011 بداية بالثورة التونسية ثمّ ثورة 25 جانفي المصرية ، وهما ثورتان أطاحتا بالرئيسين التونسي زين العابدين بن علي والمصري حسني مبارك. قاد هذه الاحتجاجات المعارضة التي تطالب بإصلاحات سياسية واقتصادية تم اخماد هذه الثورة بالقوة على اثر تدخل دول الخليج عن طريق قوات درع الجزيرة ولا نعلم الى الان نظراإلى التعتيم حجم الخسائر البشرية وقد اعلن ان خسارة البحرين الاقتصادية بلغت بسبب الاحتجاجات 1.4 مليار دولار. ثورة ليبيا: هي ثوره شعبيه و قد اندلعت فى ليبيا بسلسله من المظاهرات في الشوارع والاحتجاجات و أعمال العصيان المدنى فى يوم 15 فيفري 2011 طالب خلالها المحتجون من الشباب خاصة بالحريات السياسية وبالحق في التعبير والتظاهر ونددوا بالفساد المستشري في البلاد بلا رقيب او حسيب، واستفراد القذافي وعائلته بالحكم وقد عرفت بتدخل حلف الناتو الذي كان الشريك »للثوار« في دخول العاصمة طرابلس. الثورة السورية : هي انتفاضة شعبية انطلقت يوم الثلاثاء 5 مارس 2011 بسبب القمع والفساد وكبت الحريات بحسب منظميها وتلبية لصفحة على الفايسبوك في تحدّ غير مسبوق لحكم بشار الأسد متأثرة بموجة الاحتجاجات العارمة التي اندلعت في الوطن العربي مطلع عام 2011 ، قاد هذه الاحتجاجات الشبان السوريون الذين طالبوا بإجراء إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية ورفعوا شعار: »حرية... حرية« , لكن قوات الأمن والمخابرات السورية واجهتهم بالرصاص الحي فتحول الشعار إلى »إسقاط النظام« . في حين أعلنت الحكومة السورية أن هذه الحوادث من تنفيذ متشددين وإرهابيين من شأنهم زعزعة الأمن القومي وإقامة إمارة إسلامية في بعض أجزاء البلاد. هذه اطلالة أولية وصفية للانتفاضات العربية سنحاول في الاعداد القادمة التعمق فيها من خلال التحليل والبحث في الاسباب العميقة والآثار الاقتصادية الحافة بها، لنخلص الى سؤال رئيسي: ماذا لو حقق الحكام مطالب الشعب في الحرية والكرامة، ألم يكن ذلك ليوفر على الجميع كل هذه الخسائر في الارواح والمعدات ويجنب الأوطان خطر الوقوع تحت أجندات خارجية لا أحد يعرف ما تخفيه وراء خطاب الديمقراطية الذي تروّج له؟