احتضنت تونس العاصمة أيام 21 و22 و23 فيفري الجاري المؤتمر العربي حول الحريات والحقوق النقابية في الدول العربية الذي نظمته منظمة العمل العربية بالتعاون مع الاتحاد العام التونسي للشغل وشاركت فيه الاطراف الاجتماعية العربية الثلاثة، الحكومات ونقابات العمال والاعراف. وافتتح المؤتمر بكلمات القاها كل من السيد علي الشاوش وزير الشؤون الاجتماعية والتضامن والتونسيين بالخارج والأخ علي بن رمضان الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل مسؤول النظام الداخلي نيابة عن الأمين العام الأخ عبد السلام جراد والأخ حسن جمام الأمين العام للاتحاد الدولي لنقابات العمال العربي والدكتور ابراهيم قويدر المدير العام لمنظمة العمال العربية. ونظر ا لامتداد هذا المؤتمر في الزمن والكم الكبير من التدخلات والدراسات المقدمة نكتفي في هذا العدد بتقديم حصيلة الكلمات التي القيت في الجلسة الافتتاحية والتي كانت على النحو التالي: السيد علي الشاوش :نحن بصدد المصادقة على اتفاقية العمل الدولية رقم 135 نعيش اليوم عصر التحولات العميقة والمتسارعة، التي من مظاهرها عولمة الاقتصاد وتحرير التجارة الدولية، بالاضافة الى التطور السريع لتكنولوجيات الاتصال والمعلومات. وهي تحولات تتميز بتعدد أبعادها وانعكاساتها، وقد شملت العلاقات الدولية الاقتصادية والمالية وأنظمة الإنتاج والتكنولوجيا. وتتمثل سماتها في التوجه نحو دعم اقتصاد السوق والتطوّر المذهل لنسق المبادلات التجارية وسرعة وضخامة تحويلات رؤوس الأموال عبر العالم والنمو المطرد لإنتاج الخدمات، ولقد كان لهذه التحولات، تأثير على عالم الشغل والعلاقات المهنية من بينها بروز أنماط جديدة للتشغيل وقد عملت المنظمات الدولية المتخصصة في هذا الاطار على إضافة صبغة إنسانية لعولمة الاقتصاد تقوم على احترام الحقوق الاساسية في العمل . وظهرت عدّة مبادرات تكرس هذا التوجه (...) لقد جعلت تونس العهد الجديد من التلازم بين البعدين الاقتصادي والاجتماعي للتنمية أحد توجهاتها الثابتة، واتخذت من التشاور والحوار منهجا في علاقة الدولة بالاطراف الاجتماعية، فبوأت المنظمات المهنية لأصحاب العمل والعمال المكانة المرموقة التي تستحقها باعتبار دورها الفعال في الإحاطة بمنظوريها والدفاع عن مصالحهم، وفي انجاح المشروع المجتمعي في ظلّ مناخ من الثقة المتبادلة والوئام والاستقرار والوفاق الوطني (...) وعلى صعيد آخر أولت تونس أهمية خاصة لمعايير العمل الدولية والإقليمية من خلال عدد اتفاقيات العمل الدولية التي صادقت عليها والذي بلغ الى حد الآن 57 اتفاقية، وكذلك من حيث نوعيتها، إذ شملت الاتفاقيات الثمانية المتعلقة بالحقوق الاساسية في مجال العمل، ومن بينها الاتفاقيتين رقم 87 ورقم 98 المتعلقتين على التوالي بالحرية النقابية وحماية الحق النقابي وبحق التنظيم والمفاوضة الجماعية اللتين صادقت عليهما تونس منذ السنوات الأولى للاستقلال. والحكومة التونسية هي الآن بصدد القيام بإجراءات المصادقة على اتفاقية العمل الدولية رقم 135 بشأن ممثلي العمال، طبقا لما اعلن عنه سيادة رئيس الجمهورية بمناسبة الذكرى الخمسين للاستقلال (...) الأخ علي بن رمضان : اشراك كل الاطراف في الملفات الاجتماعية وحده قادر على بناء مجتمع عادل وأكد الأخ علي بن رمضان الأمين العام المساعد للاتحاد في الكلمة التي ألقاها نيابة عن الأخ الأمين العام على أن الحقوق والحريات النقابية تعدّ من المبادئ والحقوق الاساسية التي حددتها كل المواثيق الدولية ومنظماتها المتخصصة والمتمثلة في حق التنظيم والتمتع بحماية المسؤول النقابي وحق الاضراب وحق الاجتماع بحماية المفاوضة الجماعية . واضاف الأخ علي بن رمضان قوله... «إن الاتحاد العام التونسي للشغل يعتبر هذه الحقوق من الركائز الاساسية التي يقوم عليها العمل النقابي خاصة وأنه تأسس بإرادة العمال الحرة وقدم التضحيات الجسام إبان الاستعمار الفرنسي وساهم في المقاومة الوطنية وقدم العديد من الشهداء وفي مقدمتهم مؤسسه الزعيم الخالد فرحات حشاد. وعليه شارك الاتحاد في بناء الدولة الفتية . وانصهر مع بقية المنظمات الوطنية في وضع وتجسيم المخططات التنموية رغم محاولات تهميشه الى جانب بقية مكونات المجتمع المدني في حقبات تاريخية معينة إلا أن ذلك لم يؤثر على آدائه ولم يغيبه عن القيام بدوره الوطني بعيدا عن المولاة حفاظا على نهجه وتكريسا لاستقلاليته وتمسكا بثوابته ومن خلال ذلك حقق العديد من المكاسب لفائدة الشغالين والمؤسسة والوطن. وتوصلنا الى اقرار سياسة تعاقدية من خلال تطويرنا للحوار الثلاثي بين جميع الاطراف، وأنهينا 6 جولات من المفاوضات (في القطاعات الثلاث : الخاص، العام والوظيفة العمومية) التي تدور في كنف الاحترام المتبادل وفي مستوى الندية، ساهمت في استقرار العلاقات الاجتماعية وشجعت على جلب العديد من الاستثمارات الخارجية. إن الاتحاد العام التونسي للشغل يدرك اليوم مدى أهمية تشريك كل الأطراف في أهم الملفات الاجتماعية (كالضمان الاجتماعي والتقاعد والتأمين على المرض ...) ويؤكد على أن هذا التمشي وحده قادر على بناء مجتمع عادل ومتكافل تصان فيه حقوق العمال كما تصان فيه ديمومة المؤسسة ببعديها الاقتصادي والاجتماعي، يكون نقيضا للمجتمعات المنغلقة التي يسودها الاستغلال والتعدي على الحقوق المدنية والاجتماعية . وأكد في ختام كلمته على ان الحوار الثلاثي يظل الخيار الاستراتيجي للاتحاد العام التونسي للشغل . وعلى ضرورة ان يصبح ذلك قاعدة مشتركة لدى كل الشركاء الاجتماعيين. الأخ حسن جمام: نحن في حاجة الى بناء حوار ثلاثي متكامل أما الأخ حسن جمام الأمين العام للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب فقد استهل كلمته بلفت النظر الى ان هذه هي أول مرة تعقد فيها منظمة العمل العربية مؤتمرا حول الحريات والحقوق النقابية في الدول العربية. وأكد الأخ جمام ان هذا الموضوع ليس سهلا، لأن الحقوق النقابية والحريات النقابية مازالت لم تتحقق الى اليوم في كافة ارجاء وطننا العربي. وقال «...علينا جميعا حكومات ونقابات عمالية واعرافا ان نجلس سويا وان نتناقش ونصارح بعضنا بعضا والا نترك ذلك لغيرنا ، لان أبقاء هذا الامر للغير يفتح الباب أمام فرض اشياء علينا من الخارج». وأكد الأخ حسن جمام «ان الحقوق والحريات النقابية هي حق من حقوق العمال ومن هنا فان الاستقلالية النقابية تصبح ضرورية من أجل تحقيق الحركة النقابية لأهدافها. اننا في ظل ظروف العولمة، في حاجة الى بناء حوار ثلاثي متكامل وإلا فسنكون جميعا من الخاسرين ، ونحن لا نريد ان يخسر اي منا سواء من العمال أو الطرفين الآخرين». الدكتور ابراهيم قويدر: بداية حقيقية لمناقشة وضع الحريات النقابية « نلتقي اليوم للنقاش ونتحاور في موضوع هام وهو الحريات النقابية وأن اختيارنا لتونس يحمل مغزى مهم لأن المؤشرات العالمية والعربية تبين مدى تميز التنظيم النقابي التونسي «الاتحاد العام التونسي للشغل « بالحرية والاستقلالية (...) إن ما وصلت اليه النقابات من قوة متزايدة يجعل بالامكان بل ومن المحتمل ان يندرج تحت لوائها وعلى هذا الاساس الجديد الشطر الأكبر من العمال والحرفيين. ولا يمكن ان تنمو حركة نقابية حرة ومستقلة في شكل حقيقي إلا حيث يتم احترام الحقوق الاساسية للانسان. وفي تصوري انه يجب ان تكون النقابات العمالية قادرة على ممارسة نشاطاتها في مناخ من الحرية والأمن لكي تكون مساهمتها مفيدة ومصدر ثقة. ذلك يعني انه في حال رأت النقابات أنها لا تمتلك مقومات الحرية الاساسية لانجاز مهمتها على نحو مباشر فيمكن تبرير مطالبة النقابات العمالية بالاعتراف بهذه الحريات وبحق ممارستها وتعتبر هذه المطالبة من ضمن نطاق الأنشطة النقابية المشروعة. كما اننا نقول انه لا يمكن ان تنشأ حركة نقابية حرة إلا في ظل نظام حكم يضمن الحقوق الاساسية بما في ذلك حق النقابيين في عقد اجتماعاتهم داخل المراكز النقابية وممارسة حرية الرأي المعبر عنها في الخطابة والصحافة . وأن تحُتَرم الحقوق النقابية شأنها شأن الحقوق الاساسية للانسان مهما كان مستوى النمو في الدولة المعنية. لا أنافقكم القول وأقول أن الحريات النقابية في الوطن العربي بخير ان النقابيين العرب يعلمون جيدا المشاكل التي تصادف الحريات النقابية بدأ من مشكلة التعددية والتوحيد والحقوق وتدخل الحكومات ولاستقلالية والتمثيل النقابي وغيرها من المواضيع ولذلك فاني أرى في هذا اللقاء بداية مناقشة حقيقية لوضع الحريات النقابية في الوطن العربي لعلنا ننتقد أنفسنا ونعمل على توعية بعضنا البعض وننير الطريق أمام حكوماتنا بالأسس العالمية لهذه الحريات لكي ترتقي الى مصاف الدول الملتزمة بمبادئ ومعايير الحريات النقابية».