من بعيد ... من وراء الماضي... ومن أتون الاستبعاد والظلم انطلقت صرختهن الأولى تكشيرة في وجه ظروف عملهن السيئة التي تجبر النساء على العمل عددا لا يحصى من الساعات ، كان الزمان زمنا مذكرا بإمتياز، انه النصف الثاني من القرن التاسع عشر... لم يكن يسمع للمرأة صوت ولم تكن هناك تشريعات تنظم إقامة المرأة في ذاك العالم الرجالي، كانت النساء آلات للإنجاب ومطايا خدمة ورفاها أسريا للذكور ... كان خروجهن للعمل في مصانع النسيج في نيويورك مقامرة انتهازية جيّدة فتحت كوّة من النور أمام النساء للتجمع والتنظم في فضاءات يكتشفن فيها مدى اضطهادهن واستغلال مجهودهن وتجاوز وجودهن في تشكيل الحياة السياسية... سنة 1857 انتفضن انتفاضتهن الأولى مطالبات بظروف عمل أحسن وبالحق في المشاركة السياسية ... ولأن نهر الزمن لا يسير مطلقا الى الوراء صار التعسف الذي قوبلت به انتفاضتهن الأولى علامة نضالية فارقة في تاريخ الحركة النسوية العالمية بل صار مثالا يُحتذى وضوء نجمة في الاعالي... 1909 كانت الوقفة النسائية الثانية من أجل تحسين شروط الوجود المؤنث فكان أن انطلقت ناشطات اشتراكيات في مظاهرة شبه حاشدة في 28 فيفري اطلق عليها يوم المرأة وتكرر في السنة الموالية احتفال النساء بهذا التاريخ. وفي سنة 1910 خلال انعقاد أول مؤتمر عالمي للنساء في كوبنهاغن بالدنمارك طالبت احدى الناشطات من ألمانيا باستلهام التجربة الامريكية وتخصيص يوم عالمي للاحتفال بالمرأة تقديرا لنضالاتها في جميع أنحاء العالم من أجل بلوغ حقوقها بما في ذلك حق التصويت، واعتبار هذا اليوم مناسبة لتوحيد كافة نساء العالم في الدفاع عن حقوقهن وتكتلهن من أجل السلام والتقدم وذلك اقتداء باضراب عاملات النسيج في نيويورك سنة 1857 ، وقد تم فعلا الاحتفال بأول يوم عالمي للمرأة يوم 19 مارس 1911 من كل الدنمارك والنمسا وسويسرا وألمانيا ثم تبعتها بلدان أخرى في تواريخ متفاوتة خلال شهري فيفري ومارس. وفي سنة 1945 وخلال أول مؤتمر للاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي الذي عقد في باريس تم اقرار الاحتفال بيوم المرأة في كل انحاء العالم... ثم كانت سنة 1975 التي كانت سنة دولية للمرأة وذلك قبل ان تصدر لاحقا الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1977 قرارا يدعو الدول لتخصيص يوم 8 مارس للاحتفال سنويا بحقوق المرأة والسلام الدولي وذلك وفقا للتقاليد والاعراف التاريخية لكل دولة... * مسافات لم تعش كل نساء العالم بالتأكيد نفس تجربة نساء نيويورك العاملات ... ولم يسعف العمر نساء نيويورك ليعايشن ما تحقق للنساء في بعض أرجاء المعمورة ولكن بين يومهن ويومنا مسافات من الحلم طارت بهن وحطت بأخريات وكانت للبعض الآخر كابوسا وفاجعة ... يوم المرأة العالمي : ما أشبه اليوم بالأمس بعد ما يقرب من مائة سنة على 1909 مازال بعض النساء لا يحظى بفرص التعلم ويرزحن تحت وطأة الأمية مازال بعض النساء يجبرن على الزواج بأمر وليّ أمر ... مازالت نساء ممنوعات من قيادة السيارة وأخريات يمنعن من السفر، ومتعلمات لا ينلن نفس أجور نظيرهن الرجل ... ونقابيات لا يشهد لهن بالكفاءة وبلدان لا تصوت المرأة فيها وليس لديها أية حقوق سياسية ... ومازالت ومازالت بعد مائة سنة دار لقمان على شبه حالها في بعض الأقطار وخاصة العربية والاسلامية، مازالت الطالبات فقط يحاولن إحياء ذكرى 8 مارس ومازال بعض الطلبة أنفسهم يمزقون معلقات الاحتفال... مازالت المرأة الحلقة الأضعف في السلسلة الانتاجية، مازالت وضعيات العمل الهشة تستهدف النساء أولا ودائما .. ومازالت النساء محجوبات عن بعض مواقع القرار ومازال درب التميز السلبي على أساس الجنس دربا مشعا في أدمغة البعض ... ماذا أعدّد وماذا أنسى والعمر يبكيه الزمن ... قد لا يكفيني الصحو لتعداد بعض الذي تحقق للمرأة فقد صار تعليم الفتيات الزاميا في بعض الأقطار وولجت المرأة سوق الشغل من بابه العريض وتحققت لها بعض شروط المشاركة السياسية ... ولكن هل تحققت لها فكرة إقامة الشراكة الحقيقية مع الرجل ؟ هل تقاسم الرجل فعلا أدوار الحياة مع المرأة أم أن المرأة اكتسحت بعض الأفكار والمواقع التي نفرمنها الرجل فتركها فلم تزد المرأة إلا عباءً ؟ مسافة إذن تلك التي مرت بين 1909 و2007 تحتاج فعلا لحظة مكاشفة تجريها النساء مع أنفسهن ومع محيطهن لتحديد مكمن الخلل في التراجع عن بعض المكاسب وفي عدم تحقق بعضها أصلا خصوصا مع تنامي تيارات رجعيّة اضطهاد المرأة هو أولويّة بعض رموزها في حركة عداء تاريخي لكل تواجد مؤنث...ولأن الغاية من الاحتفال باليوم العالمي للمرأة من كل سنة هي تلك الفرصة الكونية التي تتاح للجميع لمناقشة واستعراض الانجازات التي تحققت للمرأة وبلورة الطموحات المستقبلية وصياغتها في شكل مشاريع ... ترانا اليوم قد قدمنا هذه الخواطر لمشاركتها مع بعض القراء لأننا لما توجهنا بسؤالنا لعدد هام من نساء بلادي الموقرات عما يعرفن عن تاريخ الثامن من مارس لم نلق لدى أي منهن] ربع فكرة عن تاريخ شكل بذرة ما تنعم به بعضهن من حسن وجود... وإذا استثنينا الطالبات والنقابيات والناشطات في المجال الجمعياتي السنوي أو من كنّ يوما طالبات فإن هذا التاريخ الهام يظل مجهولا لدى الغالبية العظمى من نساء بلادي .