نظمت جمعية الدراسات الفلسفية فرع بالتعاون مع دار محمد علي الحامي للنشر لقاء «المقهى الفلسفي» حول «» يوم الأحد 22 أفريل على الساعة العاشرة صباحا بالمركب الثقافي محمد الجموسي. انطلقت الجلسة بمداخلة حول المسألة قدمها الأستاذ نجيب عبد المولى الذي بين أنه توجد آراء مختلفة حول قضية الاعتصامات : أصنافها، وأطرها ومن وراءها مبرزا أن مداخلته لا تحمل الاجابة عن هذه التساؤلات حول هذا الموضوع بقدر ما هي تسعى بمعية جمهور الحاضرين تسعى إلى البحث عن المواقف الأكثر وجاهة من هذه المسألة التي تخص حياتنا فقد آن الأوان أن نتحرك كي نعدل الأمور في هذا المجال ونفهم أسباب وغايات الاعتصامات وما هي المقترحات التي تطرح على الحكومة لتعيد النظر في جدلية الحق . الشعب تساءلت عن العلاقة بين المقهى الفلسفي والاعتصامات فكانت الإجابة على النحو التالي : وإن بدا غريبا للبعض أن تمثل مسألة الاعتصامات موضوع اهتمام فلسفي فقد تم في بداية الجلسة التأكيد على أن التفكير الفلسفي ليس معزولا عن مشاغل الناس ولا عن مشاكلهم بل هو تفكير في التجربة المعيشة وما تثيره من توتر بين الوجود الفعلي للإنسان وبين ما يتطلع إليه من قيم الحرية والعدالة و السعادة. ولعل هذا الاهتمام بالشأن الإنساني والمدني هو الذي أضفى على المقهى الفلسفي طابعا متفردا ومتميزا منذ بداياته في ديسمبر 1996. وقد مثل المقهى الفلسفي طيلة سنوات عديدة فضاءا حرا للحوار كان مفتوحا للجميع لمناقشة أمهات القضايا ولممارسة الفكر النقدي في زمن الهيمنة ومنع حرية التعبير والرأي. ومن أهم الإشكاليات التي طرحت قبل الثورة مثلا : الإنسان وسلطة اليومي- الإنسان وسلطة الدعاية والإعلام - الإنسان والمدينة -الثورات التواصلية- الهوية والعولمة- عودة الديني-التربية والطفل-الأزمة الاقتصادية أما بعد الثورة فقد تعلقت المحاور ب: -واقع الثورة ومقتضيات المواطنة- ميثاق المواطنة- في الديمقراطية- هيبة الدولة- القانوني والسياسي زمن الثورة-..... لا غرابة إذن في أن تستأثر ظاهرة الاعتصامات باهتمام هيئة الجمعية للدراسات الفلسفية فرع خاصة وقد أصبحت الاعتصامات اليوم متفشية في الفضاء العام و في الإدارة و في أهم القطاعات الحيوية للاقتصاد فكان تنظيم هذا اللقاء للتحاور و تبادل الآراء قصد التحليل و الفهم و التوضيح. كما التقينا بالأستاذ الجامعي فريد العليبي الذي صدر له أخيرا كتاب بعنوان تونس الإنتفاضة والثورة وطرحنا عليه الأسئلة التالية :• كيف تفسر موقف الحكومة الحالية من الاعتصامات ؟ لقد تبدلت مواقف القوى السياسية المهيمنة بعد هروب بن على من الإضرابات والاعتصامات بحسب التموقع في السلطة السياسية، فحركة النهضة كانت قبل 23 أكتوبر ترفع مثل غيرها الشعارات الاجتماعية، وتصف الحكومة السابقة بالمماطلة والتسويف في تلبية مطالب المعطلين عن العمل مثلا، وعندما أصبحت في السلطة شنت هجوما على المعتصمين والمضربين، وصل حد التهديد بتطبيق حد الحرابة بما يعنيه ذلك من قطع الأيدي والأرجل بخلاف، وهوما انعكس على الحكومة الحالية التي اتخذت نفس موقف الحكومة التي سبقتها وأصبحت تواجه مطالب هؤلاء المعطلين وغيرهم من المحتجين بالهراوات وقنابل الغاز، ولنا أن نتساءل عن السبب الذي يفسر ذلك ؟ وهويتمثل حسب رأيي في أن حكومة السبسي وحكومة الجبالى لا تختلفان في مقاربتها للمسألة الاقتصادية والتعامل مع مطالب الكادحين الاجتماعية، فهما تعتمدان نفس السياسات على هذا الصعيد، وهي سياسات منحازة للطبقات السائدة داخليا، ومرتبطة بالمراكز الامبريالية خارجيا، تدور في فلك العولمة الليبرالية التي جعلت عددا من البلدان على حافة الإفلاس وهذه السياسات ستتواصل وسيتفاقم معها وضع البؤس والقهر والحرمان، ولا يجد المضطهدون حتى الآن من سبيل لإبلاغ صوتهم غير الإضراب والاعتصام وحرق أجسادهم، وربما يتحتم على المعهد الوطني للإحصاء أن يدرج ضمن مهامه تعداد حالات الانتحار التي شملت النساء والرجال، واتسع نطاقها في الأشهر الأخيرة بشكل لافت، وهوما لم يسجل في أحلك فترات سلطة بن على. • ما هوالوضع الذي تعيشه تونس وهل للفلسفة من وظيفة في علاقة به ؟ تستفيق تونس الآن شيئا فشيئا من وهم كبير، لقد اقنعوا الشعب أن الثورة قد انتصرت، ووعدوه بان الخيرات ستتكدس، والجهات المحرومة ستنال نصيبا اكبر من التنمية، والبطالة ستتلاشى، والصحة ستكون للجميع، والذين قتلوا الشهداء سيلقون جزاءهم، والأموال المنهوبة ستعود إلى الشعب الخ.... ولكن هذه الوعود تبخرت، وهذا ما خلق جوا مشحونا فالمنتفضون أحسوا بالخذلان فلا شئ جوهري قد تغير، لذلك يواصلون كفاحهم على طريقتهم وفي العديد من المسيرات تردد شعار : «الشعب يريد الثورة من جديد»، والفيلسوف معنى ليس فقط بتحليل هذا الوضع ورسم لوحته، وإنما أيضا بتغييره وهوما تداول في البعض من جوانبه المقهى الفلسفي اليوم، حيث حضرت أسئلة مهمة ربما تساعد على تلمس أجوبة ينتظرها الكادحون قبل غيرهم ، وأنا أتحدث هنا عن الفلسفة باعتبارها نظرا عقليا يرتكز على المساءلة والنقد والشك والمحاورة، أي عن تلك الفلسفة التي تتجاوز التفكر إلى إنتاج مفاهيمها ونظرياتها في ارتباط بواقعها، فتكون منهجا للحرية، فهي تقبض على الوقائع لكي تمنحها معنى، فالفلسفة لصيقة بالحياة في صخبها وعنفها وصمتها وسكونها ومسالمتها، إنها منخرطة ضرورة في الواقع بصراعاته وتناقضاته المحتدمة ولولم تصرح بذلك بل حتى لوأنكرته . غنى عن البيان أن هناك علاقة ديالكتيكية بين الحدث السياسي والفلسفة، ولا يمكن تصور حدث سياسي كبير دون تدخل الفلاسفة في فهم معناه، وبالتالي تحديد ملامحه واتجاهات تطوره، فما بالك عندما يكون ذلك الحدث انتفاضة كبرى مثل تلك التي حدثت في تونس، ألم ينقد ابن رشد سلطان زمانه مشتكيا من اضطراب الوقت، مشبها حاله بحال من احترق بيته فهب لإنقاذ ما هونفيس فيه ؟ الم يتأثر كانط وهيجل بالثورة الفرنسية فضبطا ساعتيهما الفلسفيتين على إيقاع أحداثها ؟ ألم يصرخ ديدرو في صلة بتلك الثورة نفسها وقد بدأت نذرها تلوح في الأفاق : فلنعجل بجعل الفلسفة شعبية، مؤكدا أنه إذا أردنا أن يسير الفلاسفة في مقدمة الصفوف علينا أن نقرب الشعب من تلك النقطة التي بلغوها، أما ماركس فقد حلل ببراعة ثورة الكومونيين في باريس الذين قال عنهم إنهم يقتحمون السماء، وعلى « المتفلسفة» في تونس حتى لا أقول الفلاسفة إدراك هذا الأمر، أي وعى وظيفة الفلسفة السياسية والاجتماعية، والكف عن تأدية دور المتفرج، فالفلسفة لا تعيش في قمة جبل الأولمب وهي ترقب الجموع الهادرة عن بعد، غير أن المشكلة تبدأ عندما نسأل ما إذا كان الفلاسفة يعيشون مع الكادحين فيما يكتبون، وما إذا كان الكادحون يعيشون مع الفلسفة عندما ينتفضون ويثورون ؟ وعلاقة الاتصال أوالانفصال هذه مهمة في الحكم على الفلاسفة وعلى الكادحين أيضا، وهي تحدد بمعنى ما مصير الحدث التاريخي . • ولكن الفلاسفة في تونس كانوا غائبين أثناء الانتفاضة وحتى بعدها ولم يكن لهم دور في مقاومة سلطة بن على ؟ ارتبط الكثير من «الفلاسفة» في تونس بسلطة بن على، هذا صحيح، وهناك من كان يهتم بجمع الثروة قبل الاهتمام بحكمة الحكماء، حتى لوكلفه ذلك وضع اسمه في قائمة المناشدين، بل هناك من « ثوار ما بعد الثورة « والعبارة للشاعر على زمور، من كان من المبكرين إلى مناشدة بن على رغم أنه يشهر الآن طهرانية كاذبة، مستعيضا عن التبكير بالتكبير، ولكن هناك أيضا نسبة منهم ساهمت في الكفاح ضد تلك السلطة، وخلال الانتفاضة هناك مقالات صدرت عن المهتمين بالشأن الفلسفي، وتم تداولها بشكل واسع، انحازت إلى المنتفضين، ويمكن أن نعاين على صعيد الممارسة هذا الحضور أيضا، وهذا الأمر ليس غريبا فالفلسفة فلسفات منها ما يجلب للناس الموت ومنها ما يجلب لهم الحياة، ولا أريد هنا التورط في مديح الذات ولكن المنتفضين في مسقط رأسي المكناسي من ولاية سيدى بوزيد على سبيل الذكر يعرفون عن حضور الفلسفة خلال اليوم الفاصل من تاريخ الانتفاضة، وأعنى يوم 24 ديسمبر الذي استعمل فيه الرصاص لأول مرة وسقط فيه أول الشهداء ما لا تعرفه أغلب الجرائد والإذاعات وقنوات الفضاء، التي تمعن في التعتيم على ذلك الدور، وهنا أصل إلى الجانب الأخير من سؤالك لأقول إن الأمر الآن لا يتعلق بغياب بقد ما يتعلق بتغييب، وعلى سبيل المثال فقد نظم قسم الفلسفة بكلية الآداب / القيروان خلال شهر أفريل من العام المنصرم ندوة دولية تحت عنوان : الوطن العربي من الانتفاضة إلى الثورة، فلم تحضر لتغطيتها أية قناة تلفزيونية، فضلا عن تجاهلها من قبل الإذاعتين الوطنية والثقافية، رغم كل المراسلات التي ذهبت سدى، وعندما تتابع ما ينشر في الجرائد وما يرد في الوسائل السمعية والبصرية ستقف بيسر على ذلك التغييب. • هل لك أن تحدثنا عن كتابك الأخير : تونس الانتفاضة والثورة ؟ لقد كنبت مجموعة من المقالات وأنا أتابع مجريات الانتفاضة ، منها ما كتب قبل هروب بن على، ومنها ما كتب بعد ذلك التاريخ، وأغلبها نشر في مواقع الكترونية مثل «الأوان» و«الحوار المتمدن» وبعض الجرائد العربية مثل السفير اللبنانية، وقد ارتأيت جمعها في كتاب فبوبتها ورتبتها لكي تكون حاضرة في الذكرى الأولى لانطلاق الانتفاضة وهوما تم فعلا، وقد تناولت في الكتاب قضايا مثل طبيعة الانتفاضة التونسية والفرق بينها وبين الثورة وحاولت تسليط الضوء على علاقتها بالديمقراطية والمأزق الذي تواجهه وبالتالي البحث في آفاقها الممكنة، وما أنجزته يمثل محاولة أولى لفهم هذا الحدث المهم في تاريخ بلادنا، وقد تتلوه محاولات أخرى، فالمسار الثوري الذي بدأ يوم 17 ديسمبر 2010 لم يصل إلى نهايته بعد، وبالتالي فإنه لم يفصح عما يختزنه من دروس مختلفة، ليس الدرس الفلسفي إلا واحدا منها.